04-أبريل-2023
صناع السعادة مبادرات رمضانية

لا أحد يموت جوعًا في رمضان.. ليس وهذه المبادرات قائمة على الأقل!

 

لا شكّ أنّ شهر رمضان، يمثّل لدى كلّ فرد منّا مساحة لممارسة جملة من العادات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا الشهر. هناك من يتّبع أسلوبًا مختلفًا في تنظيم أكله، أوقات عمله، عبادته.. وهناك أيضًا من يجده فرصة ليصنع السعادة.. سعادة الآخرين.

في هذا الشهر تحديدًا، يختار بعض الشباب أن يكرّسوه للتطوّع، للعمل الخيريّ.. شعارهم في ذلك "أسعدُ النّاس من أسعدَ النّاس"! في واقع الأمر، هم يخطّطون لذلك قبل أشهر طويلة، وما رمضان سوى مرحلة التتويج لكلّ الجهد المبذول فيما سبقه من الأشهر.

يختار بعض الشباب أن يكرّسوا شهر رمضان للتطوّع والعمل الخيريّ، فلا يكون هذا الشهر سوى مرحلة التتويج لكلّ الجهد المبذول فيما سبقه من الأشهر

نتحدّث عن التطوّع الشبابي، عن مبادرات تتعلّق كلّها بمسألة توفير الغذاء لمن يستحقّه. لا أحد يموت جوعًا في رمضان، ليس وهذه المبادرات قائمة على الأقل! في الشهر الذي تتوقّف فيه أغلب المطاعم عن العمل (إلّا من واكب تغيّر النسق وجاراه)، لا بدّ أنّ المشرّدين ومن هم بلا مأوى قارّ، قد تساءلوا عمّن يستطيع أن يوفّر لهم قوتهم ويغدق عليهم ببعض ما يسدّ رمقهم.

في المبادرات التالية، نستعرض شبابًا فكّروا في كلّ محتاج، ورسموا البسمة على وجه "أصحاب الحق"، فاستحقوا أن يلقّبوا بصنّاع السعادة:

  • "قفّة رمضان"

تواصل "الترا تونس"، مع العضوة بالهيئة المحلية للهلال الأحمر التونسي بحمام الشط، أحلام الصغير، التي أكدت لنا أنّ الهيئة "أنهت توزيع 300 قفة للمحتاجين المسجلين بقائمة بيانات الهيئة في منطقة حمـام الشـط، قبل يوم من بدء شهر رمضان"، وتبلغ قيمة كل قفة حوالي 150 دينارًا، سعت الهيئة إلى تنويع محتوياتها من المواد الأساسية، وفقها.

 

أنهت هيئة الهلال الأحمر التونسي بحمام الشط توزيع 300 قفة للمحتاجين قبل يوم من بدء شهر رمضان

 

تقول الصغير إنّ هذه المبادرة على بساطتها وتكرارها كلّ سنة، فإنها لم تفقد بريقها، إذ أصبحت "قفّة رمضان" عادة لدى كل الهيئات المحلية للهلال الأحمر التونسي، لمدّ يد العون لأصحاب الحق في كلّ جهة، وهي تخضع لعدّة مراحل ولخطة عمل مضبوطة، شاركتنا بعض تفاصيلها.

تشتغل منظمة الهلال الأحمر التونسي على عدة محاور، وهي: الصحة والإسعافات الأولية وإدارة الكوارث والشباب ونشر القيم والمبادئ والعمل الاجتماعي. في شهر رمضان، يتجنّد الكلّ لإنجاح هذه البادرة، إذ يخضعون إلى دورات يقع فيها تجهيز استمارات، ثمّ التنقّل لزيارة هذه العائلات على عين المكان للتأكد من وضعيتها، وتكون هذه الزيارات عادة برفقة أحد تلك أبناء المنطقة، وفق وصفها.

 

تبلغ قيمة كل قفة حوالي 150 دينارًا، يسعى المتطوعون إلى تنويع محتوياتها من المواد الأساسية

 

بعد معاينة وضع المنزل، يطرح متطوّعو الهيئة المحلية للمنظمة، الأسئلة الموجودة في الاستمارة، ثم تُعقد بعد ذلك اجتماعات للبتّ في كلّ حالة، والنظر في مدى احتياجها لهذه الإعانة. تضيف الصغير: "بالتوازي مع ذلك، تكون خيام جمع التبرعات منصوبة أمام المساحات التجارية الكبرى لندعو الحرفاء إلى التبرع المالي أو العيني، فنسأل الداخلين لهذه الفضاءات ألّا ينسوا نصيب المحتاجين من شراءاتهم، فيكون التفاعل معنا إيجابيًا عمومًا".

بعد جمع التبرّعات، تدعو الهيئة المحلية للهلال الأحمر عدل منفذ ليقوم بمحضر معاينة يشهد فيه على قيمة التبرعات المجمّعة، توضّح أحلام الصغير: "هذه السنة جمعنا 7 آلاف دينار (حوالي 2200 دولار)، اشترينا بها ما كان ينقص التبرعات العينية التي جمعناها، كي نُحدث التوازن في محتوى كلّ قفّة"، وفق تعبيرها.

 

"تكون خيام جمع التبرعات منصوبة أمام المساحات التجارية الكبرى لدعوة الحرفاء إلى التبرع المالي أو العيني"

 

وأشارت الصغير إلى أنّ توزيع هذه المساعدات تمّ في 3 مناطق بالجهة، واستغرقت العملية 3 أيام، للذهاب للعائلات إلى محل سكناهم، أين تُمضي العائلة المستفيدة على أنّها تسلّمت "قفّة رمضان"، وتضيف الصغير لـ"الترا تونس": "في بعض المبادرات، تتم دعوة العائلات المحتاجة إلى القدوم لتسلّم قفّتها، مع كلّ ما يمكن أن يرافق ذلك من خجل أو جرح لمشاعر أبنائهم، ولهذا نفضّل دائمًا أن نوصل نحن بأنفسنا القفاف إلى المنازل" وفق قولها.

  • موائد الإفطار:

نواصل مع الهلال الأحمر التونسي، لكن هذه المرة بالكرم (الضاحية الشمالية لولاية تونس)، أين اتّخذ صُنع السعادة شكلًا آخر، فالحديث هنا ليس عن قفّة رمضانية تذهب للعائلات، بل عن مائدة إفطار جماعية لفئات من المحتاجين قد ننساهم في زحمة هذا الشهر، يتعلّق الأمر بالمحتاجين والطلبة المغتربين وعمال البناء والأجانب المقيمين، وعابري السبيل، وغيرهم ممّن يحتاج أن يسدّ رمقه.

 

 

هذه الموائد الجماعية، منتشرة في عديد الدول العربية تحت اسم "موائد الرحمان"، وتلقى عادة إقبالًا محترمًا من كلّ من يستحقها. تتأتى المساعدات في البداية من عديد الأشخاص ممّن لديهم كفارة إطعام مساكين، وغيرهم من المتصدّقين وكلّ من يريد أن يمد يد العون طيلة شهر رمضان.

تتواصل هذه الموائد بشتى الأصناف من الطعام طيلة شهر رمضان، لا تشعر وأنت تنظر إلى صور هذا الأكل أنّه أقل درجة من أيّ مائدة رمضانية داخل كل عائلة تونسية، فالخير وفير، والصحن ممتلئ بما لذّ وطاب، لا يتم التغاضي حتّى عن الحلويات بعد الإفطار، ولعلّنا نذكر القليل من هذه "الدبارات"، فنجد أنها كانت في اليوم العاشر "مصلي بالدجاج مع سلطة (أمك حورية) مع بريك"، وكانت في اليوم التاسع "كسكسي باللحم البقري والبيض وBarquette قوتة سبناخ"، وفي اليوم السادس "كفتاجي وسلطة تونسية" وغيرها.

تتأتى المساعدات من عديد الأشخاص ممّن لديهم كفارة إطعام مساكين، وغيرهم من المتصدّقين وكلّ من يريد أن يمد يد العون طيلة شهر رمضان

تنوّع الأطباق وجودتها، يعود بشكل كبير إلى أنّ مطهوّة من طرف طبّاخ هو "الشاف محمد سعيدانة"، أو "الشاف حمة" كما يناديه أصدقاؤه، وهو الذي يتطوع مع الهيئة المحلية للهلال الأحمر بالكرم العام الثالث، مضحّيًا بوقته وعمله حتّى يمد يد المساعدة ويخدم أصحاب الحق، وفق ما نشرته الهيئة.

  • مبادرات خاصة:

حملة "شقان الفطر" وهو التعبير التونسي عن موعد الإفطار في رمضان، هي مبادرة أطلقها الشاب محمد صالح السويسي، وتعرف في رمضان 2023، موسمها الثالث. تتمثّل الفكرة في تجمّع متطوعين لطبخ طعام يكفي عددًا معينًا من الناس للفطور في رمضان، ومن هؤلاء الأشخاص: المشرّدون (SDF) الذين هم بلا مأوى قار في تونس الكبرى (تضم 4 ولايات)، مع محاولة التوجه لولايات قريبة أخرى مثل بنزرت وزغوان ونابل، والمرضى والطاقم الطبي وشبه الطبي في أقسام الاستعجالي والمستشفيات التونسية. يشار إلى أنّ هذه المبادرة عرفت في موسميها الفارطين، التوجه إلى كل مستشفيات تونس الكبرى، فضلًا عن توزيعها في الموسم الأول 1800 طبقًا، والموسم الثاني 3700 طبقًا، وفق السويسي.

 

 

كما يمثّل الطلبة الذين لا يكونون مع عائلاتهم في هذا الشهر، ويقيمون بالمبيتات الجامعية، أو من يعرفون قلة ذات اليد وعدم قدرة على توفير أغلب احتياجاتهم، الفئة الأخرى المستهدفة، فضلًا عن العائلات التي تملك أبناءً ويعانون صعوبة مالية، أو "البرباشة" (جامعو البلاستيك من الشوارع) والناس التي سبقها الأذان ولم تعد بعد إلى منازلها، واللاجئون والمقيمون بتونس وكلّ من يحتاج هذه المساعدة.

حملة "شقان الفطر" تتواصل بمبادرة شبابية في موسمها الثالث، بعد نجاحها في الموسم الأول في توزيع 1800 طبقًا، و3700 طبقًا في الموسم الثاني

يقول محمد صالح السويسي إنّ سمعة هذه المبادرة تجعل شعارها "إلّي نحبّوه ونشتهاوه، نودّوا بيه القْلَالّة!" بمعنى أنّه لن يتم الاقتصار على أكلتين فقط واستسهال الطبخ، إذ سيطبخ القائمون على هذه المبادرة الفطور بأجود المكونات، وكأنهم يطبخونه لأنفسهم، ويحتوي على الطبق رئيسي والسلطة الخضراء وسلطة الغلال والحلويات والمملحات والماء والتمر والياغورت.. وغيرها.

 

 

وأشار الشاب إلى أنّ حضور المتطوعين في التحضير لهذه المبادرة مهم، معبّرًا عن امتنانه لكل المساهمين بأموالهم، وبالبضاعة، وللتجار الذين خفّضوا الأسعار لهم، ولكل من ساهم في الطبخ والتحضير والتوزيع، دون أن يعرّج على شكر صاحبة الدار التي تبرعت بالفضاء لاستقبالهم يوميًا طيلة هذا الشهر.

إنّ الباحث عن إحصاء عدد هذه المبادرات الإنسانية الخيرية في هذا الشهر، يكاد لا ينجح، بل إنه قطعًا لن يقدر على ذلك، وما كان استعراضنا لبعضها سوى غيض من فيض، ومجرّد قطرة في بحر صدق المشاعر ونبلها التي تتعاظم في هذا الشهر.