24-مايو-2018

هل تستطيع الأحزاب المنشقة عن نداء تونس فرض نفسها في الخريطة السياسية؟

لا تزال نتائج الانتخابات البلدية التي انتظمت بداية الشهر الحالي تلقي بظلالها على الساحة السياسية. إذ تعد الانتخابات المحلية محرار الأحزاب السياسية لقياس امتدادها الجغرافي والجماهيري قبيل الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي القادمين، غير أنها محطة فاصلة لتكوينات سياسية أخرى لا سيما بالنسبة للأحزاب الوليدة عن نداء تونس. فلم تكن البلديات بالنسبة إليها إلا العتبة التي هشمت آمال بعض هذه الأحزاب في مواصلة العمل السياسي، أو محطة للتقييم والمراجعة بالنسبة للبعض الأخر.

"مشروع تونس"، و"تونس أولًا"، و"بني وطني"، ثلاثة أحزاب انشقت من الحزب الأم نداء تونس، ورفعت بعيد تكوينها شعارات رأب الهوة التي تركها النداء بتحالفه مع حركة النهضة وابتعاده عن هدفه الأول كقوة وسطية تخلق توازنًا معها، علاوة عن انتقادها لأزمات التسيير التي ميزت النداء وتصارع أجنحته وتصفية روافده لبعضها البعض.

وادعت هذه الأحزاب الوليدة عن النداء أنها تقدم مشروعًا بديلًا ديمقراطيًا من الداخل، وجزمت أنها تمثل الوزن الأكبر من الحزب الأم وبمغادرتها ستلتحق القواعد بها. غير أن الواقع كشف محدودية هذه الأقوال، فباستثناء "مشروع تونس" الذي يحظى بتمثيل نيابي كثالث أكبر كتلة نيابية في البرلمان لا تمثل بقية الأحزاب الوليدة عن النداء إلا رقمًا في قائمة مائتي حزب سياسي تونسي، وبحضور محتشم وانتشار جماهيري يكاد يكون مفقودًا.

لا تمثل الأحزاب الوليدة عن النداء عدا مشروع تونس، إلا رقمًا في قائمة مائتي حزب سياسي تونسي بانتشار جماهيري يكاد يكون مفقودًا

ولا يعد هذا الاستنتاج اعتباطيًا، بل يستند إلى مؤشرات هامة من بينها حضور قيادات الأحزاب في الإعلام، والحركية الداخلية لهذه الأحزاب من حيث إرساء هياكلها، وقدرتها على تعبئة الشارع وامتدادها الجماهيري. وهو ما تكاد تفقده هذه الأحزاب الصغيرة التي لم تحسم بعد خط تمايزها مع الحزب الأم، ولم تحدد بعد مسارها وتموقعها السياسي ومواقفها بل بنتها على معارضة اختيارات النداء فقط، ما ولّد لبسًا في الأذهان حول جدية هذه المشاريع السياسية ومدى تواصلها.

وقبيل الانتخابات البلدية التي جرت في السادس من شهر ماي/آيار، اختار "مشروع تونس" الدخول بقائمات ائتلافية تحت مظلة الاتحاد المدني للاستحقاق الانتخابي في دوائر وبقائماته الخاصة في أخرى ومعاضدة قائمات مستقلة في أكثر من جهة، فيما تقدم "بني وطني" في بضع الدوائر، وأما "تونس أولًا" فقد انظم بدوره للاتحاد المدني، ولم تحقق هذه الأحزاب الثلاثة نتيجة هامة بل اتفقت جميعها على اعتبارها غير مرضية.

اقرأ/ي أيضًا: الدونجوان محسن مرزوق

ويقول النائب مصطفى بن أحمد الذي مر بالنداء ثم بأغلب الأحزاب التي تشظت عنه، في تصريح لـ"الترا تونس" إنه بالعودة الى الجذور، فإن النداء قام على أربعة روافد عملت مع بعضها البعض وتحصلت في الاستحقاق الانتخابي على ما يقارب المليون وثلاثة مائة ألف صوت، ليسطو رافد واحد على الحزب إثر ذلك، ويغير هويته وأهدافه ووجهته، وما حققه في الانتخابات البلدية وهي ثلاثمائة ألف صوت فقط، وهي نتيجة أكثر من مرضية بالنسبة إلى ما آل إليه وضع الحزب وتعكس تشبث نزر قليل من المنخرطين برمزية الحزب ومؤسسيه، وذلك وفق تعبيره. وأضاف بن أحمد: "طالما لم تحدث رجة سياسية كافية لشحن القواعد حول النداء في الوقت الحالي، فإنه قد يواجه مصيرًا يشبه مصير التكتل من اجل العمل والحريات أي الاندثار"، وفق تقييمه.

مصطفى بن أحمد لـ"الترا تونس": الأحزاب الوليدة عن نداء تونس ارتكبت نفس خطأ الحزب الأم وهو بناء الحزب حول الأشخاص بل جاءت لتصفي حسابها مع ماضيها الندائي خاصة

كما اعتبر محدثنا أن "النسخ" التي تولدت عن الحزب الأم جاءت بدورها لتعيد ذات الخطأ القاتل الذي ارتكبه النداء، وهو بناء الحزب حول الأشخاص بل أن جميعها بعثت لتصفي حسابها مع ماضيها الندائي ليس أكثر على حد قوله. واستشهد بن أحمد بتجربة "مشروع تونس" الذي بني حول شخص محسن مرزوق وفشل في تنفيذ الشعار الذي حمله وهو المشروع الوطني العصري، ويتشابه التمشي بالنسبة لبقية شظايا النداء وهو ما يفسر الفشل الانتخابي خلال البلديات والعجز على مواصلة تجميع القواعد التي تجمعت حول النداء سنة 2014 وإقناعها.

ودعا القيادي السابق بالنداء والمشروع مصطفى بن أحمد مؤسسي هذه الأحزاب المنشقة إلى مراجعة عاجلة طالما لا تزال الخارطة السياسية تسجل غياب حزب وسطي يخلق التوازن بين التيارات الموجودة يمينًا ويسارًا.

ويبدو أن هذه الأحزاب وقفت بدورها على ذات الاستنتاج إذ تعتبر المرحلة الحالية هي مرحلة مراجعات بامتياز، إذ خيّر حزب "تونس أولاً" الانصهار في حزب "البديل التونسي" الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، وذلك نظرًا للتقارب بينهما على مستوى الرؤى والتصورات، وفق تصريحات مؤسس "تونس أولاً" رضا بلحاج. فيما تولى حزب "بني وطني" بدوره تقييم نتائجه المحققة في الدوائر الانتخابية التي ترشح بها ودراسة الخيارات المطروحة أمامه.

اقرأ/ي أيضًا: قراءة في نتائج الانتخابات البلدية: تصويت عقابي.. وجدل حول المستقلين

من جانبه، أبرز الناطق الرسمي باسم مشروع تونس حسونة الناصفي لـ"الترا تونس" أن اندثار هذه التكوينات السياسية أو بقائها هو رهين عملية التقييم والمراجعة التي عليها القيام بها، فإذا ما قيمت أداءها ونتائجها على ضوء امتحان البلديات ولكامل مسار العمل الذي سبق الانتخابات البلدية من تحالفات وحملات انتخابية واختيار للمترشحين وغيره فإنها قد تستقي الدرس من أخطائها وتصحيحها قبيل الاستحقاقات القادمة وهو ما سيضمن تواصلها واستمرارها.

حسونة الناصفي لـ"الترا تونس": نتائج مشروع تونس في الانتخابات البلدية غير مرضية ونقوم بتقييم داخل أطر الحزب

وأفاد الناصفي إلى أن الأحزاب التي تغالب الواقع وترفع شعارات النصر في البلديات في حين كشفت النتائج عكس ذلك ولا تريد إصلاح بيتها الداخلي ستكون غير قادرة على خوض استحقاقات انتخابية أهم من البلديات ما يعني أنها تهشمت على أعتابها، على حد تعبيره.

وشدد، في ختام حديثه معنا، على أن حزبه مشروع تونس يعيش مخاضًا كبيرًا على مستوى التقييم داخل أطر الحزب وعلى مستوى القيادة أيضًا، مشيرًا إلى أنه حال انتهاء عملية المراجعة سيتم تجسيد التوصيات لتجاوز الإشكاليات التي وقع بها الحزب في البلديات لا سيما وأن النتائج التي حققها لم تكن مرضية وأقل بكثير من توقعات الحزب، على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في حوار لصحيفة بريطانية: السبسي الإبن يتحدث عن نتائج الانتخابات وحزبه والنهضة

آفاق تونس.. حزب ضبابي الآفاق