لم يتعاف حزب أفاق تونس من التصدعات التي طالته قبيل الانتخابات البلدية لتتفاقم أزمته إثر الاستحقاق الانتخابي، وتلحقه متلازمة التفتّت التي طالت أغلب التشكيلات السياسية في الساحة التونسية بعد الثورة، والتي اهترأت بعد خوض بعضها لتجربة الحكم.
قدم حزب أفاق تونس نفسه للتونسيين كحزب فتيّ زاخر بالكفاءات ولم يخف على سائر التونسيين توجهاته الموغلة في الليبيرالية، وتحصل غداة الانتخابات التشريعية سنة 2014 على ثمانية مقاعد أهلته للحصول على مكاسب لم تحصل عليها أحزاب أخرى تفوقه في التمثيل البرلماني. ورغم حجم نوابه الضئيل، فقد رافقت الحزب هالة إعلامية مصحوبة باهتمام بالغ ممّا أكسبه وزنًا على الساحة السياسية، إذ تمكن بفضل تحالفاته ومناوراته مع الحزبين الحاكمين من الحصول على ثلاثة وزارات وكتابة دولة في حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد.
قدم حزب أفاق تونس نفسه للتونسيين كحزب فتيّ زاخر بالكفاءات ولم يخف على سائر التونسيين توجهاته الموغلة في الليبيرالية التونسية
بيد أن مسيرة آفاق تونس تتعثر كلما وصل الأمر الى تقييم أدائه الحكومي صلب الحكومتين، وحتى عندما قرر الحزب مغادرة وثيقة قرطاج والحكومة، تشبث وزراؤه بمناصبهم، ووُجهت أصابع الاتهام الى رئيسه ياسين ابراهيم بالهيمنة على قرارات الحزب وإقصاء الأصوات المعارضة له. وتعمق الخلاف الداخلي عدة أسابيع قبيل الانتخابات البلدية و"تهشمت آفاقه" على أبوابها، وذلك بعد استقالة أربعة من نوابه ليفقد كتلته النيابية، وعزم بعض وزرائه في الحكومة التخلي عن الحزب من أجل مواصلة العمل مع الشاهد.
واتهمت قيادات آفاق تونس في بلاغ صدر آنذاك، رئيس الحزب ياسين ابراهيم بارتكاب ممارسات مريبة داخل الحزب بتطويع مؤسساته من أجل التأثير عليها والضغط من أجل اتخاذ قرارات بعيدة عن المصلحة الوطنية ومصلحة الحزب لفائدة أجندات شخصية مجهولة التوجه، معلنين تمسكهم بوثيقة قرطاج والبقاء في الحكومة. وهو ما اعتبره، في المقابل، رئيس الحزب انقلابًا على الشرعية المؤسساتية للحزب مبينًا استعداده لاتخاذ القرارات والاجراءات التي يخولها القانون الداخلي لمعاقبتهم.
اقرأ/ي أيضًا: بانحلال كتلته البرلمانية.. أزمة آفاق تونس تتفاقم
ولم يتمكن حزب آفاق تونس، إثر هذه الخلافات والاستقالات التي شهدها، من إعادة تجميع صفوفه قبيل الاستحقاق الانتخابي كما لم يكسبه التحالف في إطار "الاتحاد المدني" من تحصيل نتائج مهمة على المستوى الوطني في المحطة الانتخابية البلدية، بل كشفت النتائج انحسار حجمه جماهيريًا وتراجعه سياسيًا.
ويقول عضو المكتب السياسي للحزب المجمد لنشاطه صلبه حافظ الزواري في حديث لـ"الترا تونس" أن آفاق تونس حقق نتائج مرضية في بعض الدوائر على غرار تلك التي يشرف عليها، بيد أن الخلافات التي جدت داخل الحزب وتفكك كتلته النيابية انعكست على النتيجة بصفة عامة. وفسر ذلك بأن "القرارات التي تم اتخاذها داخل الحزب بالأغلبية في وقت سابق غير مسؤولة وغير واعية على غرار مغادرة وثيقة قرطاج والحكومة، وقد أبرز الواقع أنها غير صائبة وأضرت بالحزب الذي بدت نتائجه ضئيلة على المستوى الوطني"، وفق تقديره.
كما أرجع الزواري في حديثه معنا الأزمة التي شلت الحزب الى إصابة بعض مسيريه بـ"هوس الزعامة" و"تضخم الأنا" واحتكار امتلاك الرأي الصائب وفق قوله، وذلك علاوة عن تعدد القيادات وغياب القواعد واختلال العلاقات داخله، وهو مرض أصاب جل الاحزاب السياسية حديثة الولادة على حد تعبيره. وإذا ما توفرت رغبة في الاصلاح ومراجعة الهيكلة، وفق ذات المتحدث، فإن آفاق تونس "قد يجد طريقه بثبات في المرحلة المقبلة ليكون حزب البديل الحقيقي في المشهد السياسي التونسي".
النائب حافظ الزواري لـ"الترا تونس": القرارات التي تم اتخاذها داخل الحزب غير مسؤولة وغير واعية على غرار مغادرة وثيقة قرطاج والحكومة وقد أبرز الواقع أنها غير صائبة
في المقابل، ترى القيادات الحالية للحزب الصورة بشكل مغاير تمامًا معتبرة النتائج المحققة في الانتخابات البلدية مرضية. إذ يعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب زهاد زقاب في تصريحه لـ"الترا تونس" أن "آفاق تونس لم يتفكك بل مر بأزمة وأحسن إدارة خلافاته صلب هياكله وتجاوزها بسد الشغورات التي وقعت إثر الإنسحابات والاستقالات على مستوى الهياكل". وشدد على أن النواب الستة المتبقين واصلوا عملهم بذات النسق في الدفاع عن رؤى الحزب ومواقفه.
اقرأ/ي أيضًا: قراءة في نتائج الانتخابات البلدية: تصويت عقابي.. وجدل حول المستقلين
وفيما يتعلق بالشأن الانتخابي، يؤكد زقاب على توصيف النتائج في الانتخابات البلدية بأنها "مرضية"، مضيفًا أنّ هذه الانتخابات "أثبتت أن آفاق تونس لا يزال قائم الذات ويحوز على تعاطف عدد هام من الناخبين، وحقق نجاحًا في جل الدوائر التي ترشح لمجالسها البلدية".
كما أشار الناطق الرسمي لآفاق تونس في حديثه معنا أن "الحزب لا يزال في طور البناء، ولم يعش إلا فترة وجيزة من الحكم أثرت ايجابًا وسلبًا فيه"، معتبرًا أن مغادرة الحكومة وكذلك وثيقة قرطاج "وإن أثرت في الحزب داخليًا فإنها لم تمحه من الساحة السياسية عكس ما يروج له" وفق قوله.
ويشير بأن عدد المقاعد التي تحصل عليها الحزب في 150 بلدية ترشح لعضوية مجالسها بقائمات حزبية أو ضمن قائمات "الاتحاد المدني" أو عبر القائمات المستقلة "أبرزت وجود تخطيط واستراتيجية لخوض الاستحقاق البلدي". وأضاف زقاب أنه تم تقييم القائمات والنتائج المحققة في الانتخابات البلدية، وقد أثبت التقييم أن الأصوات التي حصل عليها الحزب تفوق نسبة الأصوات المحققة في الاستحقاق التشريعي سنة 2014، وذلك على النحو الذي أفادنا به الناطق الرسمي.
الناطق الرسمي باسم آفاق تونس زهاد زقاب لـ"الترا تونس": نتائج الحزب في الانتخابات البلدية مرضية والحزب لا يزال في طور البناء
ويسود، في الأثناء، إجماع بين أغلب القيادات في الحزب بما في ذلك المنشقة عنه، بأنه يجب القيام بحزمة من الإصلاحات الحقيقية داخل الحزب حتى يتمكن من استئناف مسيرته وخوض غمار الاستحقاق التشريعي المقبل. ولكن لم يتحقق بعد إجماع حول مسار هذه الإصلاحات التي يرى المنشقون أنها تبدأ بتحجيم دور رئيس الحزب ومراجعة علاقة الحزب بوثيقة قرطاج والحكومة، فيما تعد هذه النقطة، إلى غاية هذه المرحلة، من المسائل المحسومة ولا نقاش حولها داخل آفاق تونس.
اقرأ/ي أيضًا:
المجالس البلدية الجديدة.. تدبير حرّ وقطع مع الرقابة القبلية
إسقاط قائمات وجرائم انتخابية تؤدي إلى السجن.. هذا ما يقوله القانون الانتخابي