17-سبتمبر-2023
ديكور أثاث سناء بن عمر سعف النخيل

سناء بن عمر: أقوم بصقل وترطيب بقايا سعف النخيل بمفردي ما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

تحف ولوحات فنية رُسمت عليها بعض المشاهد من واحات تونس. لوهلة تظنّ أنّها صنعت من خشب الأشجار. ولكنها ليست سوى بقايا النخيل طوّعتها الحرفية سناء بن عمر لتنتج منها قطع ديكور وأثاث وتحف وغيرها.

الشابة سناء بن عمر هي في الأصل حاصلة على الأستاذية في الرياضة. ولكنّها خيّرت إتقان حرفة الجدات، عبر استعمال بقايا سعف النخيل لإنتاج عدة منتجات لاستعمالات مختلفة. 

خيّرت الشابة سناء بن عمر إتقان حرفة الجدات، وهي الحاصلة على الأستاذية في الرياضة، واستعمال بقايا سعف النخيل لإنتاج عدة قطع ديكور وأثاث وتحف

تقول إنّ "الفكرة قديمة ولكن كانت تعوزها الإمكانيات، خاصة وأنّ العديد من الآلات الخاصة بتلك الحرفة باهظة الثمن. خيّرت الانطلاق ببعض الأدوات البسيطة إلى أن استطاعت الحصول على دعم مكّنها من تطوير ورشتها وشراء معدات لإنتاج حتى بعض الأثاث من بقايا النخيل".

وتُعتبر أشجار النخيل في واحات الجنوب التونسي مصدرًا لرزق آلاف الفلاحين في عدّة ولايات. فيما يوفر سعفها رزقًا لعدّة حرفيين. 

 

سناء بن عمر
سناء بن عمر لـ"الترا تونس": الفكرة قديمة ولكن كانت تعوزني الإمكانيات (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

ويضطر الفلاحون وأصحاب الواحات التي تمتد على أكثر من 40 ألف هكتار وفيها أكثر من 5 مليون نخلة، إلى التخلص من بقايا سعف النخيل لا سيما بعد جمع المحاصيل. يجمعون بعد كل موسم جني للتمور، الأجزاء التالفة من أشجار النخيل في أكوام كبيرة ويحرقونها بعيدًا عن الواحات، لأنها تصبح مكانًا مناسبًا لتكاثر العديد من الآفات، على غرار سوسة النخيل والعناكب أو دودة الطلع الكبرى، التي تضر بالنخيل في حال لم يقع القضاء عليها.

وكان سعف النخيل والأجزاء الكبيرة منه يستعمل في القديم في بناء البيوت وصناعة الأسقف والشبابيك والأبواب، فيما يُصنع من الجريد الحبال الخشنة التي تُستعمل خصوصا في الصيد، إضافة إلى صناعة القفاف والقبعات وعدة أنواع من الحصير، لكن اندثرت العديد من تلك الحرف والمنتجات بسبب التطور الصناعي.

 

 

لكن مازال اليوم عدّة حرفيون في تلك الجهات يتشبثون  بصناعة العديد من المواد باستعمال الألياف الطبيعية وبقايا سعف النخيل كونها مواد متوفرة بكثرة وغير مكلفة، إضافة إلى كونها إيكولوجية بعيدًا عن أي مواد ضارة. فيما ابتكر البعض عدّة صناعات عصرية خصوصًا الأثاث المصنوع كليًا من بقايا أشجار النخيل. 

تقول سناء إنّها تتحصل على المواد الأولية مجانًا من قبل أصحاب الواحات. إذ يتصل بها الفلاحون في كل وقت لأخذ بقايا النخيل والتخفيف من أعباء تلك الفضلات على أراضيهم وواحاتهم وتخليصهم منها بدل حرقها. 

سناء بن عمر لـ"الترا تونس": أتحصل على المواد الأولية مجانًا من قبل أصحاب الواحات الذين يتصلون بي لأخذ بقايا النخيل وتخليصهم منها بدل حرقها

وتصنع من تلك البقايا العديد من أنواع الأثاث على غرار الكراسي والطاولات وبعض الأسرّة والسلال. مصنوعات مختلفة الأشكال تشهد رواجًا كبيرًا في المعارض التي تشارك فيها، لا سيما وأنّ البعض يُفضل شراء أيّ شيء مصنوع بمواد طبيعية.

امتهنت تلك الحرفة منذ خمس سنوات، وهي لا تطمح في ترويج كميات كبيرة بالقدر الذي ترغب في توفير منتوج منفرد عما يوجد في السوق. وتؤكد أنّ العمل ليس بالسهل أو البسيط الذي يظنّه البعض. فعادة يحصل النجار على الخشب مصقولًا جاهزًا. ولكنّها تحصل هي على بقايا سعف النخيل كمواد خام تقوم بمفردها بصقلها وترطيبها بطريقة حرفية حتى تصبح مناسبة للتصنيع. وبحسب حجم وسمك كل قطعة، تصنع الأثاث والتحف. لذا يتطلب عملها وقتًا وجهدًا أكبر.

 

سناء بن عمر لـ"الترا تونس": تعرف منتجاتي رواجًا كبيرًا في المعارض التي أشارك فيها، فالبعض يُفضل شراء أيّ شيء مصنوع بمواد طبيعية (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

وتُشغّل سناء في ورشتها الصغيرة بعض النسوة ممن يُتقنّ التعامل مع بقايا النخيل. تعمل كل واحدة منهنّ حسب قدرتها وإتقانها للعمل. كما تدعوها بعض الجمعيات لتقوم بتعليم وتكوين عدّة حرفيات خصوصًا في جهات الجنوب حيث توجد واحات النخيل التي توفر المواد الأولية. تقول إنّ "تعلم الحرفة لا يمكن أن يقع في غضون أيام قليلة ولكن يتطلب مدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنة. وذلك حتى تتمكن النساء من تعلّم كلّ ما يتعلقّ بتلك الحرفة والتعامل مع جميع أنواع بقايا النخيل لاستخراج قطع يمكن استغلالها. 

سناء بن عمر لـ"الترا تونس": تعلم الحرفة لا يمكن أن يتمّ في أيام قليلة ولكن يتطلب مدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنة

الجمعيات البيئية في تونس التي تشجع على استثمار النفايات في أي أعمال وحرف، شجعت الحرفية سناء كونها تخلّص الواحات في تونس من البقايا التي من الممكن أن تضر الأراضي وأشجار النخيل، وتجعل الفلاحين يتفادون عمليات الحرق التي تلوث الجو. في المقابل، تنتج عدة منتجات لا تحدث أي ضرر على البيئة لكونها مصنوعة من مواد وألياف طبيعية. فيما توفر من جهة أخرى مواطن شغل لعدّة حرفيين، وصناعة عدة منتوجات ذات جودة عالية تشهد إقبالًا كبيرًا.

سناء بن عمر لـ"الترا تونس" حول الطابع التونسي لأعمالها: يجب التعريف بالموروث والحفاظ على حرفة تقليدية قديمة تعتمد بالأساس على شجر النخيل

عدا ذلك، تتقن سناء الرسم والنقش على تلك الصفائح الصغيرة من بقايا النخيل، لتنتج لوحات فنية أو قطع ديكور يطغى عليها الطابع التونسي. مثل نحت شكل تانيت أو رسم واحات تونس ونخيلها أو أي مشاهد تعرف بالمدن التونسية وتراثها.

 

سناء بن عمر لـ"الترا تونس": أوفّر الأثاث حسب الطلب وبكميات بسيطة نظرًا للوقت الذي تتطلبه كل قطعة (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

وتؤكد سناء على ضرورة التعريف بالموروث والحفاظ على حرفة تقليدية قديمة تعتمد بالأساس على شجر النخيل، وتتميز بها أغلب الولايات التي توجد فيها واحات نخيل شاسعة. ولكن لم تتقيد بالطرق التقليدية فقط في عملها، فقد استثمرت هي التطور الصناعي وظهور الآلات لتطوير تلك الحرفة لإنتاج منتوجات فنية وأثاث مختلف شكلًا ونوعًا عن أي أثاث مصنوع بخشب الأشجار، ولكنه لا يقل قيمة ومتانة وصلابة عن أي أثاث عادي. 

وتوفر الحرفية ذلك الأثاث حسب الطلب، وبكميات بسيطة نظرًا للوقت الذي تتطلبه كل قطعة خاصة قطع الأثاث وحسب ما يتوفر لديها أيضًا من مواد خام لإكمال منتجاتها.