ألترا تونس - فريق التحرير
"كلّ الدراسات تبيّن أنّ 12 في المئة فقط من موارد صندوق التعويض تذهب فعلاً لمستحقيها، بما يعني أنّ النسبة المتبقيّة والمقدّرة بـ 88 في المئة من موارد هذا الصندوق لا تذهب إلى مستحقيها، بل تذهب إلى طبقات من الشعب التونسي ليست في حاجة إلى هذا الدعم" هكذا استهلّ المختص في الاقتصاد عز الدين سعيدان إجابته عن سؤال "ألترا تونس" حول مسألة الدعم وإعادة توجيهه إلى مستحقّيه.
وتابع سعيدان أنّ هناك فئات من الشعب التونسي ربما هي غير محتاجة إلى هذا الدعم بقدر حاجتها إلى نسق نمو اقتصادي قائم على خلق مواطن الشغل وتحسين البنية التحتية وخلق الثروة وتحسين الخدمات العمومية.
يعدّ الصندوق العام للتعويض صندوقًا اعتمدته تونس منذ السبعينيات، بهدف دعم المواد الغذائية الأساسية للسكان ودعم القدرة الشرائية للمواطن
ويعدّ الصندوق العام للتعويض صندوقًا اعتمدته تونس منذ السبعينيات، بهدف دعم المواد الغذائية الأساسية للسكان، ودعم القدرة الشرائية للمواطن، والتخفيف من وطأة تقلبات الأسعار العالمية والتحكم في الأسعار واحتواء نسبة التضخم في حدود المعقول، عدا تشجيع الإنتاج الوطني مثل دعم صناعة الحليب، وفق تعريف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية.
ودعا سعيدان إلى ضرورة إيجاد صيغة لترشيد التعويض في تونس، فمن يتحدّث عن رفع الدعم مخطئ في تقديره، لكن لا بدّ من إعادة توجيهه لا إلغائه، وأن ندعم من يستحق الدعم عوض أن ندعم المنتوج.
وفي هذا السياق، شرح المختص في الاقتصاد لـ"الترا تونس" أنّه يجب أن تعرف الدولة التونسية بالتدقيق العائلات الضعيفة والمعوزة، وأن تقدم لها مبالغ مالية تكافئ أو أكثر ما يمكن أن تخسره هذه العائلات إذا عدّلنا أسعار المواد الأساسية والمحروقات. ورفض سعيدان أن يحدث هذا التعديل بشكل آنيّ لأنّ ذلك يحتوي على مخاطر كبيرة من الناحية الاجتماعية والتوازنات العامة، مشدّدًا على ضرورة التدرّج.
ويبدو أنّ ما ذهب إليه سعيدان هو التوجّه نفسه الذي أعلن عنه وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي حين قال إنّ "التوجه الحالي للحكومة هو نحو إعادة توجيه الدعم، لأننا حاليًا ندعم السلع، لكن لا بدّ من إعادة تصويبه وأن يذهب لمستحقّيه"، مشيرًا إلى أنّ إلغاء الدعم لن يتم بين عشيّة وضحاها.. ويجب أن يأخذ وقتًا".
سعيدان لـ"الترا تونس": الخطوة الضرورية هي أن تكون الحكومة قادرة أوّلاً على ضبط قائمة دقيقة بمستحقّي الدعم
وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع إعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه، لكن الخطوة الضرورية قبل هذه العملية هي أن تكون الحكومة قادرة أوّلاً على ضبط قائمة دقيقة بهؤلاء المستحقّين، وهو ما أكّده سعيدان بقوله "حان الوقت لأن تكون لنا معرفة دقيقة بمستحقي الدعم عبر قائمة تحدّد هؤلاء وفق معايير دقيقة، ويمكن أن نصدر قامة أوّلية يتم إصلاحها فيما بعد إن وقعت فيها أخطاء مثلاً".
وفي دراسة حول منظومة الدعم في تونس قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية منذ ثلاث سنوات، اقترح أن يكون التسجيل في منظومة الدعم اختياريًا، وهو ما رفضه سعيدان، خلال حديثه لـ"الترا تونس"، وصرّح: "لا يمكن أن يكون التسجيل في منظومة الدعم اختياريًا وإلا ستحدث وقتها اللخبطة الكاملة، ويتم فقدان الثقة في تلك القائمة.. ولا حلّ غير الإسراع بضبطها في أقرب الآجال" وفق وصفه.
وكان سعيدان قد صرّح بأنّ "الميزانية المخصّصة للدعم كانت في حدود 100 مليون دينار فقط في البداية، قبل أن تفوق حاليًا 6 مليار دينار، وهي أكبر من ميزانية الاستثمار العمومي". ويغطّي الدعم في تونس المواد الاستهلاكية الأساسية مثل الحليب والسكّر والقمح والمحروقات.
وتم في 31 من مارس/آذار الماضي، إمضاء اتفاق مشترك بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورئاسة الحكومة تضمن 3 نقاط أساسية تتعلق بحوكمة التصرف في المؤسسات العمومية حالة بحالة وإصلاح المنظومة الجبائية، فضلا عن إصلاح منظومة الدعم.
وتمحورت هذه الاتفاقية الثنائية حول قرار لجان تفكير مشتركة بهدف صياغة إطار عملي للإصلاحات المستعجلة، منها لجنة إصلاح منظومة الدعم ولجنة منظومة الدعم المباشر وغير المباشر ولجنة التحكم في الأسعار وإعادة هيكلة مسالك التوزيع.
سعيدان لـ"الترا تونس": "الميزانية المخصّصة للدعم كانت في حدود 100 مليون دينار فقط في البداية، قبل أن تفوق حاليًا 6 مليار دينار، وهي أكبر من ميزانية الاستثمار العمومي"
ولئن اعتبرت الدراسة التي قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول منظومة الدعم في تونس، في تقييمها لسياسة الدعم منذ أزمة الثمانينيات إلى 2018، أنّها كانت أداة للحفاظ على السلم الاجتماعي والحد من الطبقية مع امتيازها بالسلاسة في حل المشاكل المرتبطة بالأسعار وتحسين النفاذ إلى الغذاء والخدمات العامة بأسعار معقولة، فإنّها أيضًا لم تخل من سلبيات كثيرة.
وعدّدت الدراسة هذه السلبيات، إذ نجد من بينها ارتفاع كلفة الدعم المالية من 730 مليون دينار سنة 2010 إلى أكثر من 1500 مليون دينار سنة 2017، إضافة إلى تدهور التوازنات المالية لبعض المؤسسات العمومية وتداعيات ذلك على توازنات الجهاز البنكي، ناهيك عن تنامي بعض الظواهر السلبية كالتلاعب بالمواد المدعمة وتهريبها إلى دول الجوار نظرا للفوارق السعرية.
ولفتت الدراسة إلى استفادة بعض الفئات غير المستهدفة من المواد المدعمة وبالخصوص القطاع الصناعي والسياحي، عدا حديثها عن تنامي ظاهرة التبذير واستعمال بعض المواد في غير الأغراض المخصصة لها مثل استعمال الخبز كعلف للحيوانات.
اقرأ/ي أيضًا:
صندوق النقد يدعو السلطات التونسية إلى خفض كتلة الأجور والحد من دعم الطاقة
50 عامًا من الليبرالية المتونسة انتهت إلى تقييد كلّي للاقتصاد التونسي