23-مايو-2018

نجحت دراما هذه السنة في تونس على خلق فضول لدى التونسيين لمزيد معرفة تاريخهم

أثار عرض مسلسلي "تاج الحاضرة" و"شورّب" جدلًا كبيرًا منذ بداية شهر رمضان بطرحهما المختلف وتطرّقهما إلى أحداث تاريخية من حقبات مختلفة في التاريخ التونسي.

وبغض النظر عن الانتقادات التي تواجه العملين الدراميين، فقد نجح كلّ من "شورب" و"تاج الحاضرة" في خلق فضول لدى عدد كبير من التونسيين للتعرف على حقبات غابرة من تاريخهم وطرح نقاش رغم سطحيته أحيانًا إلا أنه قد يكون مهمًا جدًا خاصة أنه يتعلّق بالتأريخ وعلاقة الأعمال الفنية بالتاريخ ومدى قدرتها على نشره وتعميمه بين مختلف المواطنين أو تحريفه.

اقرأ/ي أيضًا: أهم الأعمال التلفزية التونسية في رمضان 2018

وفي هذا السياق، يقول المؤرخ الجامعي لطفي عيسى، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن الإنتاج الفني في الأغلب يكون مرتبطًا بشكل كبير جدًا بالجانب الترفيهي أكثر منه بالجانب التثقيفي وذلك لارتباط الجهات المنتجة بـالتمويل (sponsoring)، لافتًا إلى أن العمل التلفزي يختلف عن السينما. ويشير عيسى إلى أن الكتابة الفنية تقوم على الخرافة وليس من مهامها إعطاء فكرة بخصوص المعطيات التاريخية مشددًا على أنه لا يمكن التخلي عن مصدر المعلومات التاريخية الدقيقة.

لطفي عيسى لـ"الترا تونس": الكتابة الفنية تقوم على الوجدانية في حين أن عمل المؤرخ فكري بالأساس

ويبرز أن الأعمال الدرامية المقدمة خلال شهر رمضان الحالي والسيناريو الذي تتضمنه جيد وليس من السهل إعداده معتبرًا أن النقد سهل جدًا في المقابل. ويضيف محدثنا في هذا السياق أن هذه الأعمال قامت بدور هام جدًا من خلال الجدل الذي طرحته، موضحًا أن الأعمال المرئية المسموعة يكون لها عادة توجه ترفيهي واستهلاكي ويمكن أن يحرّك الفضول لدى التونسيين كالواقد الذي يحدث نقرات تدفع بالمتلقي للبحث عن معطيات مرحلة ما.

ويشدد لطفي عيسى على أن المؤرخ يعمل في مجال مختلف عن الأعمال الفنية، موضحًا أنه من الممكن أن يشتغلا معًا إذا كان الهدف من العمل الفني في هذه الحالة نقل معطيات تاريخية، مبرزًا أن ما يهمّ في الأعمال الفنية هو الخرافة وتفاصيلها. ويوضح أنه يمكن الاعتماد في عمل فني على شخصيات تاريخية كانت موجودة فعلًا ولكن يتم كذلك اللجوء إلى شخصيات وهمية لم يكن لها وجود ولكنها تجعل المتفرج يتابع القصة بفضول. ويتابع عيسى أن الكتابة الفنية تقوم على الوجدانية في حين أن عمل المؤرخ فكري بالأساس.

وفيما يتعلّق بإمكانية التطرق إلى شخصيات من عامة الشعب في الأعمال الفنية على غرار علي شورّب، يقول المؤرخ الجامعي إن كل شخصية قابلة للتناول. ويلفت إلى أنه في العلوم الإنسانية يتم الاعتماد على 3 أسس لقراءة الإنسان تتضمن البعد البطولي الذي يوجد لدى أي فرد بمعنى أن أي شخص يمكن أن يكون بطلًا بحكم تصرّف معين مؤكدًا أن هذا الأمر قابل للحصول أو عدم الحصول. ويضيف أن هناك كذلك بعدًا ثانيًا وهو البعد المرضي والذي يوجد كذلك لدى كلّ فرد والذي يوحي بأن الإنسان غير سوي. ويوضح أن البعد الثالث يتمثل في الخصوصية التي تميز كلّ فرد.

ويختم لطفي عيسى بالقول إنه إذا توفرت هذه العوامل الثلاثة فإن قراءة شخصية ما تكون تاريخية أما إذا اعتمدت قراءة الشخصية على عنصر واحد من العوامل الثلاث المذكورة فستكون قراءة درامية.

وما ذهب إليه المؤرخ لطفي عيسى يؤكده كاتب سيناريو مسلسل "شورب" يسري بوعصيدة الذي يوضح أن هناك فرقًا بين عمل تاريخي يروي وقائع وطنية أثرت في تاريخ الأمم والبلدان وفي هذه الحالة لا يجوز التلاعب بالأحداث والوقائع. ويضيف بوعصيدة، في تصريح لـ"الترا تونس"، أنه في المقابل وفي حالة "شورب" على سبيل المثال تم الاستلهام من شخصية "علي شورب" لكن الوقائع خيالية لا تمت للواقع بأي صلة. وبيّين أنه تمّ تغيير الأسماء ولقبه مؤكدًا أن الهدف لم يكن القيام بسيرة ذاتية لعلي شورب.

يسري بوعصيدة، كاتب سيناريو"شورّب" لـ"الترا تونس": الهدف من استغلال اسم شورب كان إلقاء الضوء على فترة الستينيات

اقرأ/ي أيضًا: مدفع رمضان.. موروث تاريخي في المدن التونسية

ويعتبر بوعصيدة أن الجدل الذي رافق العمل لم يكن إيجابيًا رغم أنه فتح مجال النقاش مبينًا أنه قبل عرض المسلسل تم التأكيد أن العمل خرافة وقصة جميلة وأن علي شورب كان ذريعة لكتابة القصة. ويوضح أنه استغل اسم شورب لإلقاء الضوء عن فترة الستينيات وخيبة الأمل التي عاشها التونسيون آنذاك بعد الاستقلال كما شعروا بالخيبة بعد الثورة، إلى جانب تطرقه إلى الأسباب التي تجعل الفرد ينحرف وما إذا كان يولد منحرفًا بطبعه أو تفرض عليه الظروف الاجتماعية ذلك وكيفية تأثر الأطفال بهذه السلوكيات.

ويلفت بوعصيدة إلى أن عديد التونسيين لم ينتبهوا لهذه الأمور رغم أهميتها ومرت هذه الرسائل مرور الكرام واكتفوا بالجدل بخصوص مدى صحة القصة ودقتها.

من جهته، يعتبر المخرج السينمائي المنصف بربوش أن مشكلة السينما، والإبداع الفني بشكل عام، أنه يمنح فرصة للخيال لدرجة الخروج عن الواقع وبالتالي قد يخرج الموضوع عن السباق التاريخي. ويوضح بربوش أن العمل الفني التاريخي يمكن أن يسهل حصول المواطنين على المعلومة التاريخية إذا احترم الوقائع التاريخية إلا أن هذا الأمر قد لا يحصل، وفق تقديره.

وعلى الرغم من الهنات التي تضمنتها الأعمال الدرامية الأخيرة والانتقادات الموجهة إليها، تعدّ هذه الأعمال محاولات أولى خاصة في التلفزيون التونسي لنبش التاريخ، وهي وإن لم استلهمت من شخصيات وأحداث تاريخية لتخلق حبكة درامية تجذب المشاهدين بعيدًا عن الدقة التي يعتمدها المؤرخون، إلا أنها نجحت في خلق نقاش جديد في الساحة التونسية وأثارت فضول عديد التونسيين للبحث بدورهم عن حقبات غابرة عاشتها تونس منذ عقود.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وإذا "بوطبيلة" سئل.. بأي ذنب وئد؟

المهن الموسمية في رمضان.. باب رزق