19-يونيو-2017

صبري عطواني أحد الشباب الموقوفين (فيسبوك)

"اعتقال شابين من جمهور النادي الإفريقي التونسي في ساعة متأخرة من اليوم الأحد"، هكذا انتشر الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي، دون تأكيد رسمي من النادي الإفريقي أو من الداخلية التونسية. بدت الصورة غامضة لكنها متوقعة، لم تثر استغرابًا كبيرًا، فاللافتة التي رفعها البعض من جمهور الإفريقي، مساء السبت، في مباراة فريقهم مع نادي بنقردان، ضمن نهائي كأس تونس، والذي يشهد عادة حضور رئيس البلاد، أحرجت على ما يبدو السلطات التونسية وحيادها الرسمي في موضوع الأزمة الخليجية، الحياد الذي حرصت عليه خلال الأيام القليلة الماضية، فلا انصاعت بذلك لضغط رجال الإمارات في تونس وصعدت العداء تجاه قطر ولا انساقت خلف تعاطف شعبي واسع معها.

خبر اعتقال شباب من جمهور الإفريقي إثر رفعهم لافتة تستنكر حصار قطر أثار لغطًا وتنديدًا بما اعتبره البعض مسًا من حرية التعبير

لنعد إلى البدايات، كانت لافتة ضخمة تحمل شعار "كرهناكم يا حكام، تحاصرون قطر وإسرائيل في سلام"، رفعت في نهائي كأس تونس لهذا الموسم الرياضي من قبل بعض جماهير النادي الإفريقي، في افتتاح اللقاء الذي جمع الإفريقي التونسي بنادي بنقردان، وهذا الأخير كان إحدى مفاجآت العام الرياضية في تونس. هذه اللافتة لاقت استحسانًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي رغم حضور عبارات الاستنكار من قبل البعض، المعروفين بعدائهم لما يسمونه النهج القطري في المنطقة أو للربيع العربي بشكل عام.

اقرأ/ي أيضًا:  "كرهناكم يا حكام" جماهير كرة القدم التونسية تقول كلمتها في دعم قطر

سويعات قليلة إثر انتهاء المباراة بتتويج الإفريقي بكأس تونس لهذا الموسم بعد فوزه بهدف نظيف، ارتكزت الأحاديث حول اللافتة وتأويلاتها ودلالاتها وهي التي جذبت كل الأضواء من اللاعبين والنتيجة النهائية، ثم أعلنت بعض المواقع المحلية التونسية، دون أي تأكيد رسمي، خبر فتح تحقيق في موضوع رفع اللافتة وإدخالها إلى الملعب، ورغم تكرار تداول الخبر وإعلان البعض بشكل علني استياءهم منه إلا أنه لم يحظ بانتشار واسع وشكك كثيرون في صحته، بالنظر إلى أن حرية التعبير مكفولة من الدستور التونسي، أعلى التشريعات التونسية، وأيضًا بالنظر إلى الموقف الرسمي التونسي من الأزمة الخليجية والذي بدا ملتزمًا بالحياد وداعيًا للصلح.

لكن آخر ساعات يوم الأحد أتت بالجديد، إيقاف الشابين حمزة دبيبي وصبري عطواني، المنتميين لمجموعة "الليدرز"، المشجعة للنادي الإفريقي، على خلفية اللافتة المرفوعة في المدرجات خلال نهائي الكأس والتي عبّرت عن موقف من الحكام العرب والأزمة الخليجية والقضية الفلسطينية. الخبر أكده في البداية بعض المحامين المعروفين بتشجيعهم أو قربهم من الإفريقي التونسي، ومنهما المحاميان غازي مرابط والتومي بن فرحات.

غازي مرابط كتب على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، متحدثاً عن أحد الشابين الموقوفين وهو صبري عطواني، مؤكدًا إيقافه من طرف "دولة البوليس"، كما أسماها، على خلفية لافتة نهائي الكأس وموضحًا أن المشكلة في "السيستام" (النظام) في تونس، "الذي يحارب أولاد تونس المطالبين بالحرية بينما يرتع أولاد دولة البوليس المختصين بالرشوة والظلم". وختم قوله إنها "حرب"، حسب تعبيره، وأنه ومحامين آخرين سيقفون إلى جانب صبري وأي شباب يوقفون على خلفية قضايا مشابهة.

أما المحامي التومي بن فرحات، وهو أحد المحامين المتابعين للقضية، فقد ذكر في صفحته الخاصة على موقع فيسبوك: "بعد الحملة الممنهجة من فيراج الإمارات، يتمّ إيقاف جماعة الليدرز صبري العطواني وحمزة الدبيبي ومجموعة من الشباب على خلفية اللافتة المستنكرة لعدم حصار الحكام العرب اسرائيل ونجاحهم في محاصرة بلد عربي آخر وهو قطر.."، واصفًا ما حصل بـ"جريمة المسّ من هيبة الكيان الصهيوني".

تتالى إثر ذلك الاستنكار الشعبي في تونس لحملة الاعتقال لشباب الليدرز، إذ طالب رئيس النادي الإفريقي سليم الرياحي، في بيان رسمي اطلع "ألترا صوت" على نسخة منه بـ"إطلاق سراح الشابين فورًا"، معللًا: "فالثورة التي قامت بإرادة آلاف الشباب مثل صبري وحمزة لا يمكن أن يسجن بعدها أي تونسي بسبب تعبير عن رأي لم تستسغه السلطة".  

وذكر الرياحي: "أي مبررات ستقدمها لنا الحكومة لتبرر اعتقال حمزة دبيبي وصبري عطواني من  مجموعة الليدرز على خلفية الشعار الذي تم رفعه في المدرجات خلال نهائي الكأس..، والحال أن الفصل 31 من الدستور يقر بن حرية الرأي والفكر والإعلام والنشر مضمونة ولا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحرية".

اعتبر رئيس الإفريقي التونسي أن إيقاف بعض جماهير فريقه يعكس أن للسلطات التونسية موقفًا، غير الحياد المعلن، من الأزمة الخليجية

واعتبر رئيس الإفريقي التونسي أن هذا الإيقاف يعكس أن للسلطات التونسية موقفًا، غير الحياد المعلن، من الأزمة الخليجية، قائلاً: "إذا كان للسلطة موقف غير الحياد التام من أزمة الخليج الأخيرة،  فلماذا تمتنع عن التصريح به علنًا عبر القنوات الرسمية، في مقابل ممارسته بالإيقافات التعسفية لمن يرفعون شعارات مخالفة".

النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا أن الشباب كانوا يستحقون التكريم لا المحاكمة، كما جاء في تدوينات بعضهم، آخرون طالبوا أن تحقق الداخلية مع شبكات بيع التذاكر في السوق السوداء، وهي شبكات تعرف ازدهارًا في المقابلات الرياضية الكبرى وفي العنف ضد الجماهير في مناسبات عدة خلال هذا الموسم الكروي التونسي، بدل التحكم في آراء الجماهير وشعاراتها.

 

وتندر البعض الآخر بسرعة فتح تحقيق في هذه الحادثة وقارنوا تفاصيل ما يحدث بحادثة الصحفي الإسرائيلي الذي زار تونس وغادرها بعد أن أعد تحقيقًا حول اغتيال الزواري، وسط بهتة من الأمن التونسي. أما المحامي سيف الدين مخلوف فقد اعتبر أن "أي تتبع لجمهور الإفريقي على خلفية الدمج بين السياسة والرياضة يكون من اختصاص الفيفا وليس الشرطة التونسية ومراكز الإيقاف". وتساءل الكثيرون عن تواصل ذات التصرفات من قبل السلطات في معظم الدول العربية تجاه الجماهير الرياضية ومجموعات الألتراس وما يعرف عن هذه المجموعات من تمريرها رسائل سياسية واجتماعية خلال احتفالاتها وشعاراتها قبل وأثناء المباريات.

اقرأ/ي أيضًا:  في تونس.. هل اغتالوا محمد الزواري مرتين؟

يذكر أن شباب الليدرز لا يزالون قيد الإيقاف، حسب تأكيدات المحامين المتابعين للقضية، ومن المنتظر أن تتم محاكمتهم صباح الغد الإثنين في محكمة بن عروس، إحدى محافظات تونس الكبرى التي تقع شمال البلاد.

تحديث:

أطلق منذ قليل قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس سراح الشباب الموقوفين من جماهير الإفريقي، اللذين تم إيقافهم على خلفية اللافتة التي رفعت خلال نهائي كأس تونس. وتقرر إبقاؤهم في حالة سراح، إلى حين استكمال الأبحاث، حسب تأكيدات غازي المرابط، أحد المحامين المتابعين للقضية، الذي بيّن أن التهمة الموجهة لهم هي "التحريض على الكراهية والتهديد بما يوجب العقاب الجنائي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الثور الإماراتي الهائج".. وثائق تكشف خطة أبوظبي لإفشال الديمقراطية في تونس

الكرة للجماهير يا أغبياء