أصدرت مدونة البنك الدولي مؤخرًا مقالًا بعنوان "ارتفاع معدل التضخم وأثره على أوضاع الفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ويتوقع المقال ارتفاع معدل الفقر بمقدار 2.2 نقطة مائوية في تونس، وتفاقم مستويات التفاوت وعدم المساواة.
وتشهد تونس واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها، إذ تعاني من عجز في ميزانية الدولة قدّر بـ3 مليارات دولار قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، زاد بعد نشوبها، كما تعاني من تراجع نسبة النمو وارتفاع نسبة البطالة وتراجع المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار ونسبة التضخم. وساهم كل ذلك في تردي جودة الحياة وتفاقم متاعب المواطن التونسي خاصة بعد الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وارتفاع نسب التضخم التي بلغت 8.1% مؤخرًا.
ويرى مراقبون أن لا أفق لحلحلة هذه الأزمة والحد منها إلا بقرض من صندوق النقد، وقد انطلقت الحكومة في رفع الدعم والقيام "بإصلاحات" موجعة مما سيعمق معاناة المواطن، بغاية الحصول على اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل الميزانية.
"الترا تونس" اتصل بعدد من المختصين في مجالات مختلفة لتبيان انعكاسات إمكانية ارتفاع نسبة الفقر على كل من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس.
- قدرة تفاعل الدولة محدودة
وقال المختص في الاقتصاد عز الدين سعيدان، في تصريح لـ"الترا تونس"، إن "تونس تعيش أوضاعًا اقتصادية واجتماعية صعبة خاصة على مستوى المالية العمومية".وتابع سعيدان: "لما نرى تركيبة ميزانية الدولة لسنة 2022 نجدها ميزانية صعبة جدًا، فتونس تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 مليار دينار من القروض الإضافية، حوالي 12.7 مليار دينار منها من الخارج بالعملة الصعبة، والباقي من السوق الداخلية. لكن هذا كان قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا الذي عقّد الأوضاع كثيراً بالنسبة لتونس، إذ أصبحت في حاجة لأكثر من 25 مليار دينار، حوالي 19 مليار دينار منها بالعملة الصعبة، والسؤال من أين ستأتي بهذا المبلغ وكيف؟ نظرًا لأننا لم نتقدم كثيرًا حتى في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبعد الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات والمواد الغذائية من القمح والشعير والذرة التي تستورد تونس حوالي 60% منها لتلبية حاجياتها"، وفق تصريحه.
عز الدين سعيدان (مختص في الاقتصاد) لـ"الترا تونس": تونس مرتهنة للخارج فيما يخص أمنها الغذائي وارتفاع أسعار هذه المواد، وتراجع نسبة النمو سيساهم في ارتفاع نسبة الفقر
وأضاف: "تونس مرتهنة للخارج فيما يخص أمنها الغذائي وارتفاع أسعار هذه المواد، وتراجع نسبة النمو سيساهم في ارتفاع نسبة الفقر بـ2.2 نقطة مائوية، أي دخول حوالي 250 ألف مواطن تونسي تحت خط الفقر بسبب عدم قدرة السلط التونسية على التفاعل اللازم مع الأوضاع الجديدة وحماية الاقتصاد والقدرة الشرائية والمواطن من تبعات هذه الحرب".
واستطرد سعيدان، في تصريحه لـ"الترا تونس": "قدرة تفاعل الدولة محدودة جدًا وقدرة الدفاع عن مصالح البلاد محدودة جدًا وبالتالي سيتسبب ذلك في ارتفاع نسبة الفقر"، منبهًا إلى أن "ذلك سينعكس سلبًا على الميزان التجاري الذي سجل بدوره عجزًا بـ10 مليارات دينار خلال الأشهر الخمس الأولى من هذه السنة، وفي صورة تواصل هذا النسق قد نجد أنفسنا أمام عجز بحوالي 25 مليار دينار في نهاية هذه السنة بالعملة الصعبة، وهو ما دفع مؤسسات كموقع بلومبورغ إلى إصدار تقرير يتحدث عن إمكانية تخلف تونس عن سداد ديونها الخارجية".
وعن مدى تأثير ذلك على المواطن التونسي، قال إن "ذلك سينعكس بمزيد من التضخم وغلاء الأسعار وهبوط في القدرة الشرائية والهبوط الحاد في قيمة الدينار التونسي وفي تراجع نسبة النمو وارتفاع نسب البطالة"، حسب توقعاته.
سعيدان لـ"الترا تونس": "الدولة مطالبة بالقيام بالإصلاحات اللازمة التي تأخرت كثيرًا طيلة العشر سنوات الماضية، ووضع سياسات واضحة لإنقاذ الاقتصاد التونسي
وشدد عز الدين سعيدان، في ختام حديثه مع "الترا تونس"، على أن "الدولة مطالبة بالقيام بالإصلاحات اللازمة التي تأخرت كثيرًا طيلة العشر سنوات الماضية، ووضع سياسات واضحة لإنقاذ الاقتصاد التونسي والمالية العمومية"، وفق تصوره.
ومن جهته، قال الباحث والمختص في العلوم السياسية حمزة المؤدب في تصريح لـ"لترا تونس"، إن "ارتفاع معدل الفقر في تونس أمر متوقع نظرًا لارتفاع نسبة التضخم وتدهور مستوى المعيشة وللركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد، مع العلم أن هذه النسب مرتفعة أساسًا من قبل"، وفقه.
واعتبر المؤدب أن "مسألة الفقر صارت من المواضيع الحارقة في تونس بعد أن تجاوزت نسبتها الـ20%، دون الحديث عن تدهور القدرة الشرائية للطبقة الوسطى"، مرجحًا أن "يكون ارتفاع نسبة الفقر عاملًا مؤثرًا في الأشهر القادمة لأن موضوعي الاستفتاء والدستور هما الطاغيان حاليًا على الأجندة السياسية، كما أن تأثر تدهور مستوى المعيشة سيظهر مع العودة المدرسية والجامعية، أي بحلول شهر سبتمبر/أيلول المقبل"، على حد توقعاته.
حمزة المؤدب (باحث في العلوم السياسية) لـ"الترا تونس": ارتفاع معدل الفقر في تونس أمر متوقع نظرًا لارتفاع نسبة التضخم وتدهور مستوى المعيشة وللركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد
وأشار المختص في العلوم السياسية إلى أن "انتظارات المواطنين اقتصادية واجتماعية"، منبهًا إلى أن التململ أو الاحتقان الاجتماعي سينطلق في الخريف القادم بعد استقرار الوضع سياسيًا للرئيس سعيّد، لعدة اعتبارات، أهمها الارتفاع الشهري لنسب التضخم وانقطاع بعض المواد الغذائية والأساسية وارتفاع أسعار المحروقات بالإضافة إلى أن أولويات عموم المواطنين اقتصادية واجتماعية وقد أمهلوا الرئيس سنة كاملة"، وفقه.
وأضاف محدث "الترا تونس": "كل هذه العوامل قد تقود إلى موجة من الاحتجاجات أو الانتفاضات غير المنظمة، وذلك بعد تحييد الاتحاد العام التونسي للشغل كفاعل نقابي وضعف قدرة الفاعلين السياسيين في هيكلة المشهد الاحتجاجي"، حسب رأيه.
في ذات السياق، أكد المؤدب أن "المسألة الاقتصادية والاجتماعية ستكون على رأس الأجندة خصوصاً بعد الانتهاء من وضع الدستور، قيس سعيّد سيجد نفسه أمام المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين لتقديم أجوبة لهم، وهذا سيكون امتحانًا حقيقيًا في ظل تأزم الوضع العالمي وتراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار".
- الفقر وقود التوترات الاجتماعية
وعمّا يمكن أن يتسبب فيه ارتفاع معدل الفقر في تونس من مخاطر على حياة المواطن والمجتمع عمومًا، قالت الباحثة في علم الاجتماع منيرة الرزقي إن "الأمن الغذائي في تونس مهدد، وهي حقيقة علينا جميعًا الإقرار بها فاتساع دائرة الفقر وتنامي عدد الفقراء في تونس ينذران بمخاطر جمة"، معبترة أن "نسب الفقر الواردة في التقرير الأخير للبنك الدولي لم تكن مفاجئة للمتابعين والمهتمين بالشأن العام عمومًا و بالشأن الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص".
منيرة الرزقي (باحثة في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": ارتفاع معدل الفقر في تونس مع غياب سياسات اقتصادية ناجحة من شأنها أن تخفف من وطأة الأزمة سيقود إلى حالة انفجار اجتماعي
وفسرت الرزقي أن "الفقر ظاهرة شائكة ومعقدة يتشابك فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالضرورة ويعرّف بأنه افتقاد الفرد إلى مقومات الحياة الكريمة وحاجته إلى المساعدة والرعاية كما حددها عالم الاجتماع الألماني جورج سيمل. وبقدر ما تتوفر سبل هذه المساعدة من قبل الدولة والمجتمع يكون ضمان التعايش، ومع غيابها يختل التوازن. وهذا ينطبق على الوضعية في تونس اليوم"، وفق تقديرها.
وأوضحت في سياق متصل، أنه "على اعتبار أن الفقر هو وقود التوترات الاجتماعية كما علمتنا الوقائع عبر التاريخ، فإن حالة الفقر التي تردت فيها تونس مع غياب سياسات اقتصادية ناجحة وخطط تنموية ناجعة من شأنها أن تخفف من وطأة الأزمة ستقود حتمًا إلى حالة انفجار اجتماعي كبير، في ظل الارتفاع المشط وغير المسبوق للأسعار وتردي المقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة التي تآكلت وهي تمضي بالسرعة القصوى نحو دائرة الفقر، مع ارتفاع معدل الفقر في تونس".
وخلصت محدثة "الترا تونس" إلى أن "الفقر المدقع والهشاشة الكبيرة يؤديان حتمًا إلى توترات اجتماعية تتجلى في الثورات والانتفاضات الشعبية ويقود كذلك إلى تنامي الجريمة والعنف الاجتماعي ويؤسس لما نسميه حالة من "الدموية" في المجتمع، وفق تصورها.