04-يونيو-2024
تمزيق الكراسات والكتب نهاية السنة الدراسية تونس علم النفس

تمزيق الكراسات والكتب نهاية العام الدراسي.. قراءة نفسية واجتماعية

 

مع بداية نهاية السنة الدراسية، واقتراب موعد العطلة الصيفية، وشعور التلميذ التونسي بعدم حاجته لكرّاسه وكتابه بعد اجتياز امتحانات الثلاثي الأخير من العام، تنتشر أمام المدارس والمعاهد مشاهد باتت مألوفة حتى لغير المهتمّ بالشأن المدرسي، وهي تلك الأوراق المتناثرة في كل حدب وصوب، بعد قيام التلاميذ بتمزيق كتبهم وكراساتهم.

تمزيق الكراسات والكتب من طرف التلاميذ أمام أبواب المؤسسات التربوية نهاية كل عام دراسي، باتت حركة رمزية لافتة للانتباه وتستدعي تحليلها نفسيًا واجتماعيًا للاتقاط الرسائل

هذه الحركة الرمزية، وإن كانت تندرج ربما في سياق عام من الحركات التي افتكها التلميذ افتكاكًا للتعبير عن الحرية، مثل "دخلة الباك سبور" و"الكراكاج" وفوتوغرافيا الاعتراف، وفوتوبيا التلاميذ في تونس.. فإنّ ظاهرة تمزيق الكراسات أمام أبواب المؤسسات التربوية لا بدّ أيضًا أن تخضع لمشرط العلوم الإنسانية لفهمها وتفسيرها.

"الترا تونس" حاور مختصّين في علم النفس والاجتماع، لمحاولة فهم هذه الظاهرة.

أخصائي نفساني: أسباب عميقة لتمزيق الكراسات نهاية العام الدراسي

الأخصائي النفساني ورئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلم، طارق السعيدي، أكد في تصريحه لـ"الترا تونس"، أنّ هناك أسبابًا عميقة لتمزيق الكراسات نهاية العام الدراسي، يجب معالجة المنظومة أولًا، قبل مساءلة التلميذ عن دوافعه لممارسة هذا السلوك.

أخصائي نفساني لـ"الترا تونس": البرنامج التعليمي القائم على التنافسية والغَلَبة للأقوى، يخلق نوعًا من الضغط النفسي طيلة العام الدراسي على التلميذ، الذي بات يريد أن يتحرّر ويتخلّص من هذه الضغوطات

ومن بين هذه الأسباب التي ذكرها المختص في علم النفس، البرنامج التعليمي القائم على التنافسية والغَلَبة للأقوى، فهذا البرنامج ليس مبنيًا على الخلق والابتكار والتطور، بل هو مبنيّ فقط على الحصول على المعلومة لتحصيل معدلات جيّدة، أي أنه تعليم كمّي لا كيفي، يخلق نوعًا من الضغط النفسي طيلة العام الدراسي على التلميذ، الذي بات يريد أن يتحرّر ويتخلّص من هذه الضغوطات، وفق تعبيره.

ويضيف طارق السعيدي، أنّ التلميذ يريد التعبير عن نقمته وغضبه عبر رد الفعل هذا الذي يسمى "العنف الرمزي"، فكأنه يقول: "النظام خاطئ، أنا متعب"، لافتًا إلى أنّ دماغ الطفل متشبع بالضغط النفسي الناتج عن: 

  • كثرة المواد 
  • ارتفاع عدد ساعات الدراسة 
  • الدروس الخصوصية
  • الدروس المنزلية 
  • تدني جودة التعليم
  • الصعوبات النفسية والسلوكية والتعليمية التي يعاني منها عديد الأطفال
  • التلوّث السمعي والبصري: مثل أغاني الراب التي تطبّع مع العنف والمخدرات
  • نقص التواصل مع الطبيعة والأنشطة الثقافية والترفيهية في الهواء الطلق..

أخصائي نفساني لـ"الترا تونس": يشعر دماغ التلميذ بأنه في حالة هجوم دائم مما يسبب له الاحتراق الفكري، وذلك يجعله ينتظر بفارغ الصبر التخلص من ذلك "العبء" عبر تمزيق الكراسات والكتب، نهاية العام الدراسي

وفسّر الأخصائي النفساني، بأنّ التلميذ التونسي اليوم، ممزّق بين جدران المنزل والمدرسة والسيارة، وبالتالي يشعر دماغ الطفل بأنه في حالة هجوم دائم مما يسبب له الاحتراق الفكري، وبما أنه غير قادر على "وضع الكلمات على الآلام" أي التعبير عن مشاعره، فإنّ ذلك يجعله ينتظر بفارغ الصبر التخلص من ذلك "العبء" عبر تمزيق الكراسات والكتب، نهاية العام الدراسي، كنوع من التحرر من هذا "العبء الرمزي"، المتمثل في وزن حقيبة التلميذ التونسي الثقيل نسبيًا، وفق المختص النفسيّ.

وأوضح السعيدي، بأنّ السلوك هو نتيجة تخضع إلى سبب، نابع من إحساس معيّن، مردّه فكرة، أو زاوية نظر تعتبر أنّ "النظام التربوي لا يستجيب إلى احتياجات التلميذ من مرافقة نفسية ومراعاة الاحتياجات الحركية والفيزيولوجية للطفل".

أخصائي نفساني لـ"الترا تونس": كثرة المواد وارتفاع عدد ساعات الدراسة ونقص التواصل مع الطبيعة والأنشطة الثقافية والترفيهية في الهواء الطلق.. كلها عوامل تغذّي هذه الظاهرة

وعاد المختص النفسي إلى دراسة تقول إن من أكبر أسباب ظاهرة تمزيق الكراسات والكتب نهاية العام الدراسي، هو التقليد، أو ما يعرف بـ"التماثل" في علم النفس الاجتماعي، مردّ ذلك استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتكرار ما يشاهدونه، بالإضافة إلى العنف المتفشي في الوسط المدرسي، والذي قال إنّ تونس تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في هذا الصنف، ناهيك عن أنّ التعليم في تونس فقد قيمته الرمزية، على حد تعبيره.

باحثة في علم الاجتماع: تمزيق الكراسات هي طريقة تعبير عن الضغط الذي عاشه التلميذ طيلة العام الدراسي

أما الباحثة في علم الاجتماع، نسرين بن بلقاسم، فقد صرّحت من جهتها لـ"الترا تونس"، بخصوص هذه الظاهرة، فقالت إنّ نظرة التلميذ التونسي للمدرسة قد تغيّرت، إذ أصبح التلميذ لا يذهب إلى المدرسة بشغف وحبّ، بل أصبح يذهب للمدرسة مُكرهًا باعتبار أنها تحولت إلى فضاء طارد، لا يوفر المتعة التي يشعر بها خارجها.

باحثة في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": تحولت المدرسة بالنسبة للتلميذ إلى فضاء طارد، لا يوفر المتعة التي يشعر بها خارجها

وأوضحت أنّ المدرسة كان المتنفس الوحيد تقريبًا فيما مضى للتلميذ، لكن توفرت اليوم مغريات أخرى كالإنترنت وألعاب الفيديو وغير ذلك من الأنشطة التي تنفّر الطفل من الدراسة، فضلًا عن أنّ المدرسة أصبحت تنتج في العنف، وراجت أنّ هناك علاقة صراع بين التلميذ والمربّي، وفقها.

وقالت نسرين بن بلقاسم، إنّ تمزيق التلميذ لكرّاسه وكتابه نهاية السنة الدراسية، ما هي إلا طريقة تعبير عن الضغط الذي عاشه طيلة العام الدراسي، وكرهه للمدرسة وساعات الدراسة الطويلة والبرامج المملة.

باحثة في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": تمزيق التلميذ لكرّاسه نهاية العام، ما هي إلا طريقة تعبير عن الضغط الذي عاشه طيلة السنة، وكرهه للمدرسة وساعات الدراسة الطويلة والبرامج المملة

تضيف الباحثة في علم الاجتماع: "التلاميذ في السابق كانوا يحتفظون بكراساتهم من باب الذكرى الجميلة، أو كرمزية كبيرة على نجاح السنة الدراسية، بل إنهم يصنعون كراسًا للذكريات، على عمس ما يحصل اليوم من عدم توافق وتطابق بين التلميذ وحياته الاجتماعية والنظام التعليمي.. فالتلميذ بمعنى آخر، أصبح يطالب بطرق أخرى للتدريس".

وفسّرت الباحثة في علم الاجتماع، ظواهر أخرى قريبة لظاهرة تمزيق الكراسات، مثل رمي البيض وتهشيم بلور سيارات الأساتذة وثقب الإطارات، بالسبب نفسه أيضًا، وقالت: "حتى العنف ضد المربّين يندرج في هذا الإطار من الاحتجاج على كامل المنظومة التربوية وما يسمى كذلك بنظرية تأثير المجموعة على الفرد".