06-ديسمبر-2023
تصاعد الإحالات ضد المحامين في قضية التآمر.. استهداف ممنهج لحق الدفاع

مسلسل الإحالات ضد أعضاء هيئة الدفاع ابتدأ بإثارة التتبع ضد منسقها عبد العزيز الصيد قبل أن يشمل 3 آخرين

 

تصاعدت الإحالات القضائية من الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف بتونس ضد المحامين النائبين في القضايا السياسية، على النحو الذي يبيّنه بالخصوص تتالي الإحالات ضد أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين فيما تُسمّى قضية "التآمر على أمن الدولة". وهو ما يؤشر على استهداف ممنهج لحق الدفاع، بما يعزّز في توصيف المحاكمات ضد المعتقلين بأنها ذات صبغة سياسية علاوة على غياب استقلال القضاء.

تصاعدت الإحالات القضائية بتونس ضد المحامين النائبين في القضايا السياسية، يؤشر على استهداف ممنهج لحق الدفاع، بما يعزّز توصيف المحاكمات ضد المعتقلين بأنها ذات صبغة سياسية

ويبيّن التركيز على المحامين فيما تُسمّى قضية "التآمر"، التي طالما اعتبروها قضية مفبركة غايتها الزجّ بالمعارضين للسلطة في السجن، السعي للتضييق على فريق الدفاع وترهيبه بغاية منع تناول خلفيات القضية وانتهاكاتها. وهو ما تبيّن منذ إصدار قاضي التحقيق المتعهّد بالملف بقرار بمنع التداول الإعلامي، وهو القرار الذي رفضته مكونات المجتمع الحقوقي باعتباره استهدافًا للحق في المعلومة ولحريتيْ التعبير والصحافة.

  • مسلسل القضايا ضد محامي "قضية التآمر"

لم تمرّ 24 ساعة على جلسة التحقيق مع المحامية عضو هيئة الدفاع فيما تسمى قضية "التآمر" دليلة بن مبارك مصدق حتى أعلمها الفرع الجهوي للمحامين بتونس، يوم الأربعاء 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بورود مراسلة جديدة بإحالتها على التحقيق من أجل قضية ثانية، مع الإعلامي برهان بسيّس، على خلفية تصريحاتها في حصة تلفزية على قناة حنبعل. تحقيق وراء آخر، اعتبرته هيئة الدفاع يأتي في إطار هرسلتها ومنعها من أداء واجبها. أما القضية الأولى المثارة ضد هذه المحامية، فتعود لشهر سبتمبر/ أيلول 2023، وجاءت على خلفية إعلامها للرأي العام بتقديم هيئة الدفاع لمطلب لسماع عدد من الدبلوماسيين الأجانب لاستجلاء الحقيقة.

يبيّن التركيز على المحامين فيما تُسمّى قضية "التآمر"، السعي للتضييق على فريق الدفاع وترهيبه بغاية منع تناول خلفيات القضية وانتهاكاتها

وليست دليلة مصدق فقط التي أثير ضدها أكثر من تحقيق على خلفية نشاطها في هيئة الدفاع فيما تُسمّى قضية "التآمر". إذ سبق وأحيلت إسلام حمزة على التحقيق، في مرة أولى في شهر جوان/ يونيو 2023، إثر تصريح إذاعي بشأن ما سُميّت "سيارة التعذيب" المخصصة لنقل الموقوفين في قضايا الإرهاب، على خلفية شكاية من الهيئة العامة للسجون والإصلاح. ثم لم تمرّ بضعة أشهر حتى أحيلت إسلام حمزة لمرة ثانية على التحقيق، وتحديدًا نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، إثر تصريح أيضًا بخصوص مطلب سماع الدبلوماسيين.

مسلسل الإحالات ضد أعضاء الهيئة ابتدأ تحديدًا بإثارة التتبع ضد منسقها عبد العزيز الصيد، في شهر ماي/ أيار 2023، بعد إعلانه في ندوة صحفية تقديم شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال من أجل جريمة التدليس على خلفية معاينة إضافات وتشطيبات في إحدى أوراق القضية التي ابتدأت بموجبها التتبعات ضد السياسيين الموقوفين.

قضية "التآمر" المودع بشأنها 6 سياسيين في سجن الإيقاف منذ شهر فيفري 2023، أثيرت على ضوئها 6 تتبعات قضائية أيضًا ضد المحامين في هيئة الدفاع

العياشي الهمامي، عضو هيئة الدفاع، بدوره أحاله قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب المتعهد بملف القضية على التحقيق ضمن كوكبة من السياسيين والحقوقيين المعارضين للسلطة الذين تم إقحامهم في الملف المُثار بطلب من وزيرة العدل في شهر فيفري/ شباط الفارط.

يتبيّن بذلك أن قضية "التآمر" المودع بشأنها 6 سياسيين في سجن الإيقاف منذ شهر فيفري/ شباط وهم خيّام التركي وغازي الشواشي وجوهر بن مبارك ورضا بلحاج وعصام الشابي وجوهر بن مبارك، اُثيرت على ضوئها 6 تتبعات قضائية أيضًا ضد المحامين في هيئة الدفاع. تتبعات تبيّن أن موجة الاستهداف لا تقتصر على السياسيين المعارضين فقط بل تشمل، وبشكل ممنهج، فريق دفاعهم.

التتبعات ضد المحامين في هيئة الدفاع تستند على المرسوم عدد 54 وأيضًا على قرار قاضي التحقيق في شهر جوان بمنع التداول الإعلامي في قضية "التآمر"

  • المرسوم 54 ومنع التداول.. عناوين أساسية للإحالات

المرسوم عدد 54 وتحديدًا الفصل 24 منه الذي يعاقب بأحكام سجنية مشدّدة في قائمة مطوّله من الأفعال بينها "إشاعات كاذبة"، يتصدّر قائمة التهم الموجّهة في جلّ التتبعات ضد المحامين المحالين على التحقيق. هذا المرسوم يعدّ، منذ إصداره في سبتمبر/ أيلول 2022، السيف المسلّط على رقاب الناشطين في الفضاء العام بمساءلة ممارستهم لحرية في الرأي والتعبير. المرسوم الذي أصدره رئيس الدولة يتعارض، بداية، مع دستور الرئيس نفسه الذي يفرض في فصله 55 شروطًا لتقييد الحريات مبتدأها تنظيمها في شكل قانون واحترام شرطي الضرورة والتناسب على أن يكون التقييد وفق مقتضيات نظام ديمقراطي. وهي الشروط التي تجاهلها المرسوم جملة وتفصيلًا، بما يجعله، راهنًا بالنسبة للحقوقيين، الأداة الرئيسية في المنظومة التشريعية الجديدة التي تستهدف منظومة الحريات العامة.

التتبعات ضد المحامين في هيئة الدفاع تستند أيضًا على قرار قاضي التحقيق في شهر جوان/ يونيو 2023 بمنع التداول الإعلامي في القضية، وهو ما رفضته كل من نقابة الصحفيين التونسيين وهيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) باعتباره تعديًّا، بدرجة أولى، على حرية الصحافة فضلًا عمّا يعنيه من فرض رقابة مسبقة على الحريات، وهو ما يحجّره الدستور.

يعكس تصاعد الإحالات ضد المحامين الحقوقيين الذين ينوبون في القضايا السياسية، مزيد إضعاف ضمانات المحاكمة العادلة على مستوى تكريس حق الدفاع

وقد اعتبرت هيئة الدفاع، في وقت سابق، أن هذا القرار يحول دون الرّقابة المجتمعيّة على الأعمال القضائيّة بما هي عنصر أساسي لضمان شفافيّة أعمال القضاء، وأن غايته الحقيقيّة ليست ضمان سريّة التّحقيق وحسن سير الأبحاث، بل ضرب حقّ الدّفاع وتكميم الأفواه بعد تبيّن حقيقة ملفّ القضيّة أمام الرّأي العام والقائم على تهم مفبركة ونسبة أفعال غير مجرّمة لمعارضين ديمقراطييّن ذنبهم الوحيد أنّهم مارسوا حرّياتهم، وفق تأكيدها. وقد رفض قاضي التحقيق ومن بعده دائرة الاتهام الرجوع عن هذا القرار.

يعزّز، بذلك، التأسيس على هذا القرار لإحالة المحامين على واقع توظيفه في تقييد ممارستهم لأعمالهم ومهامهم وهرسلتهم، خاصة وأن النيابة العمومية لم تثر أي تتبعات ضد النشطاء الموالين للسلطة رغم خوضهم في القضية ووقائعها.

تظهر شروط المحاكمة العادلة مختلّة إجمالًا في ظل غياب استقلالية القضاء ومسار الاستهداف يؤكد إجمالًا حقيقة إضعاف السلطة السياسية لمكانة المحاماة

  • المحاماة تحت القصف

يعكس تصاعد الإحالات ضد المحامين الحقوقيين الذين ينوبون في القضايا السياسية، بصفة عامة، عن مزيد إضعاف ضمانات المحاكمة العادلة على مستوى تكريس حق الدفاع. وتظهر شروط المحاكمة العادلة مختلّة إجمالًا في ظل غياب استقلالية القضاء على النحو الذي بيّنته التشريعات والتدابير المتخذة بعد 25 جويلية/ يوليو 2021، ومنها حل المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء السلطة التنفيذية للقضاة. بالتالي تثبّت التتبعات ضد المحامين تأكيد الطابع التعسفي للمحاكمات ضد المعارضين.

ومسار الاستهداف يؤكد إجمالًا حقيقة إضعاف السلطة السياسية لمكانة المحاماة التي تم سحب دسرتها في دستور الرئيس لعام 2022، وإلغاء تمثيليتها في المجلس الأعلى للقضاء المؤقت وكذا المحكمة الدستورية. وهو واقع يعزّز المطالبة بتولّي هيئة المحامين الدور المطلوب في التصدي للانتهاكات التعسفية ضد المحامين، خاصة وأنّ العشرات منهم يواجهون تتبعات قضائية تتعلق إما بممارستهم لأعمالهم أو بممارسة حريات الرأي والتعبير والاجتماع، دونًا عن حماية مكتسبات مهنة المحاماة التي يُنظر إليها دائمًا أنها الجدار الأوّل، تاريخيًا، في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان.