نتائج متناقضة، أسعار مشطة، أخطاء متكرّرة... هذا حديث الشارع التونسي اليوم في علاقة بتحليل التقصي عن فيروس كورونا داخل عدد من مخابر التحاليل الخاصة.
فبعد أن كانت العملية متمركزة في مستشفى شارل نيكول، معهد باستور، مستشفى عبدالرحمان مامي، مستشفى سهلول بسوسة، ومع عدم قدرة هذه المخابر على مواجهة النسق المتسارع للإصابات بالفيروس، بات من المستحيل تأمين التحاليل المطلوبة داخل هذه المراكز الحكومية فقط، فما كان للدولة التونسية إلا أن فتحت المجال للمخابر الخاصة للقيام بهذا النوع من التحاليل.
بات من المستحيل تأمين كل تحاليل كورونا داخل المراكز الحكومية فقط، فما كان للدولة التونسية إلا أن فتحت المجال للمخابر الخاصة للقيام بهذا النوع من التحاليل
وانجر عن ذلك تواتر الحديث عن مشاكل وثغرات افتحت باب التشكيك في عمل البعض من هذه المخابر. "ألترا تونس" فتح هذا الملف وتجدون التفاصيل في هذا التقرير.
اقرأ/ي أيضًا: الترخيص لـ33 مخبرًا خاصًا لإجراء تحاليل كورونا
مواطن تونسي: أين الإشكال هل هي المخابر أو المواد المعتمدة في التحاليل؟
يعمل أحمد الحجام (31 سنة) وهو شاب تونسي، كمهندس مترولوجيا متخصص في التدقيق في أنظمة قيس المخابر والمستشفيات بفرنسا. عاد الحجام إلى تونس يوم 25 سبتمبر/ أيلول الماضي بعد أن قام مرتين بعملية التحليل لتقصي فيروس كورونا وكانت النتيجة سلبية حسب ما أكده لـ"ألترا تونس". أمضى خمسة أيام في الحجر الصحي واتصل بأحد المخابر الخاصة للتثبت من خلو جسده من الفيروس وللاستعداد لزواجه المزمع انعقاده بعد بضعة أيام وما راعه إلا أن نتيجة تحليله كانت إيجابية.
ويقول في هذا الغرض: "صدمت بنتيجة التحليل خاصة وأني قمت بكل الإجراءات الخاصة بالتوقّي من الفيروس واحترمت البروتوكول الصحي، لذلك شككت بالنتيجة خاصة وأن ساعة أخذ العينات كانت مغلوطة وهي من التفاصيل المهمة في وثيقة التحليل".
اتصل الحجام بالمخبر ليطلب تفاصيل تقنية عن النتائج خاصة وأنه يخبر هذا المجال لطبيعة تخصصه ومن سوء حظّ صاحب المخبر أن أحمد أحرجه في تعلاته لذلك أجبره أن يُعيد له التحليل مرة أخرى، وفق ما رواه محدث "ألترا تونس". وواصل الحجام حديثه: "لم يطمئن قلبي لذلك أجريت التحليل في مخبر آخر وكانت النتيجة سلبية وحتى النتيجة الثانية للمخبر الأول كانت سلبية أيضًا".
وأكد أحمد لـ"ألترا تونس" أن "صاحب المخبر الخاص اعتذر له وأخبره أنه اعتمد معدات جديدة وأنه لم يكن مقتنعًا بها في البداية لكنه كان مضطرًا لاستعمالها لأنها الوحيدة المتوفرة عند المزوّد حاليًا"، وفقه.
أحمد الحجام لـ"ألترا تونس": صاحب المخبر الخاص اعتذر لي بسبب الخطأ في نتيجة التحليل وأخبرني أنه اعتمد معدات جديدة وأنه لم يكن مقتنعًا بها في البداية لكنه كان مضطرًا لاستعمالها
أحمد الحجام لم يشكك بداية في نية صاحب المخبر وغاياته إنما كان تركيزه على نوعية المواد( les réactifs) المعتمدة وتساءل: "من المسؤول عن تزويد السوق بهذه المواد هل هي وزارة التجارة أم وزارة الصحة؟ وعلى أي أساس يقع اعتماد هذه الصفقات؟ وهل هناك مراقبة عند الاستقبال؟".
ويضيف لـ"الترا تونس" أنه لم يكن يريد الحديث في هذا الأمر إلا عندما رأى تجارب عديد المواطنين وقد نشرت على منصات التواصل الاجتماعي وتداولها الكثيرون مما جعله لا ينزه المخابر خاصة إذا كانت وزارة الصحة تقوم بمراقبة المواد المستعملة للتحاليل".
اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع الإصابات بكورونا في صفوف الأطباء والممرضين.. الخطر يتضاعف
بيولوجي: هناك خور كبير داخل مخابر التحاليل الخاصة
لا تزال التدوينات تتواتر يومًا بعد يوم حول نتائج تحاليل كورونا بين مشكك في مصداقية المخبر ومتسائل عن سبب الاختلاف في نتائج فحوصات نفس الشخص في مخابر مختلفة.
تواصلنا مع س.ع، بيولوجي يعمل في أحد مخابر المستشفيات التونسية، وقد تحفظ عن ذكر اسمه، ليفسّر لنا حقيقة تناقض نتائج تحاليل المخابر المختلفة. وأكد لنا أن المسألة مرتبطة أساسًا إما بمدى دقة آلات المخبر (sensibilité de l'automate) أو نوعية التحليل (Rt-PCR / تحليل سريع) أو نجاعة عملية أخذ العينات التي تحتاج تقنيات دقيقة للوصول للخلايا الملتهبة.
بيولوجي لـ"الترا تونس": "هناك خور كبير داخل المخابر الخاصة ويحتاج تدقيقًا من سلطات الإشراف فالكثير منهم، وأنزه الشرفاء، غايتهم ربحية بالأساس لذلك لا أستغرب أن يقوموا بتزييف نتائج التحاليل"
وأشار محدثنا أن "أغلب المخابر الخاصة في تونس تشغل عملة غير مؤهلين نظرًا لأن التقني المخبري مكلف بالنسبة لهم لذلك يشغلون أصحاب شهادات تكوين لا تتجاوز السنة والنصف في المجال، مضيفًا لـ"الترا تونس" "هناك خور كبير داخل المخابر الخاصة ويحتاج تدقيقًا من سلطات الإشراف فالكثير منهم، وأنزه الشرفاء، غايتهم ربحية بالأساس لذلك لا أستغرب أن يقوموا بتزييف نتائج التحاليل من أجل جلب المزيد من الحرفاء ويستغلون الوضع الراهن لزيادة مداخيلهم وهذا استغلال للظروف".
ومن المشاكل المسكوت عنها داخل المخابر الخاصة هي مراقبة جودة الآلات التي يتجاهلها الكثيرون، حسب محدثنا س.ع، والتي تبلغ تكلفتها 3 ملايين وهذا التدقيق الدوري هو ما يضمن صحة نتائج المخبر.
ونوّه س.ع إلى أن هناك مخابر تعتمد (la sous-traitance) إذ تقوم فقط بأخذ العينات ويتكفل مخبر آخر بتحليلها وهذا سبب أساسي لجعل التكلفة تتضاعف على حد تعبيره، وتساءل "كيف يضمن صاحب المخبر أن العملية وقعت حسب المعايير المتّفق عليها؟ وكيف يضمن النتائج التي ستصدر؟".
وختم س. ع حديثه لـ"الترا تونس" "كانت التحاليل تقام في أربعة مراكز عمومية ولم نشهد مثل هذه المشاكل وعند دخول القطاع الخاص كثر الخور وكثرت المشاكل وآن الأوان لتحرّك سلطات الإشراف لتجنّب مزيد من الكوارث".
بيولوجي لـ"الترا تونس": من المشاكل المسكوت عنها داخل المخابر الخاصة هي مراقبة جودة الآلات التي يتجاهلها الكثيرون وهذا التدقيق الدوري هو ما يضمن صحة نتائج المخبر
اقرأ/ي أيضًا: المنستير.. مستشفيات ميدانية والسيناريو الإيطالي في البال
رئيس النقابة الوطنية للبيولوجيين: هناك حملة شعواء ضد المخابر الخاصة
في سياق متصل، ومع تواتر الأخطاء المتكررة في نتائج تحاليل تقصي فيروس كورونا حسب ما يروج له على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فتحت وزارة الصحة تحقيقًا بخصوص حدوث خطأ متعمد بأحد المخابر الخاصة. وعلى إثره تواصل "ألترا تونس" مع رئيس "النقابة الوطنية البيولوجي الممارسة الحرة التونسية"، رابح بليبش الذي استنكر وأدان ما اعتبره "حملة تشكيك وتشويه شعواء ضدّ المخابر الخاصة في تونس"، مفيدًا أن هذه الاتهامات السخيفة صادرة عن جهل بخصوصيات البيولوجيا الطبية.
وأكد بليبش لـ"ألترا تونس" أن هناك استهداف لهذا القطاع لغاية في نفس مروجي الشائعات، على حد تعبيره، وأفاد أنهم يعتمدون نفس المواد(les réactifs) وتقنيات المخابر العمومية ويتزودون من نفس المزودين الذين يخضعون لرقابة وزارة الصحة ولهم ترخيص في الغرض، على حد تعبيره.
رئيس النقابة الوطنية للبيولوجيين لـ"الترا تونس": السعر المحدد هو 209د والمواطن الذي يجد مخبرًا مخالفًا لهذه التسعيرة عليه أن يتقدم بشكاية لمجلس هيئة الأطباء أو الصيادلة أو يوجهها لتفقدية وزارة الصحة
وعن الأسعار المشطة للتحاليل، أكد محدثنا أن السعر المحدد هو 209د وأن المواطن الذي يجد مخبرًا مخالفًا لهذه التسعيرة عليه أن يتقدم بشكاية لمجلس هيئة الأطباء أو الصيادلة أو يوجهها لتفقدية وزارة الصحة. وختم قائلاً: "نحن مستعدون لتحمل مسؤولياتنا ويعلم الله كم نبذل من مجهود لتلبية حاجيات المواطنين".
يٌذكر أن رئاسة الحكومة أكدت فتح تحقيق حول مخابر التحليل التي قامت بالترفيع في سعر تحليل كورونا كما أعلنت عن ضخ كمية من نوعية جديدة من التحاليل الجينية في القطاعين العمومي والخاص.
اقرأ/ي أيضًا:
كورونا تنعش الهجرة عبر الحدود الغربية.. سؤال المقاربة الإنسانية
إهمال وأخطاء طبية.. نساء فقدن أطفالهن يروين تجاربهن لـ"ألترا تونس"