06-يوليو-2020

تجارب وحالات إهمال وتقصير وأخطاء طبية تتكرر من العاصمة إلى عمق الجنوب في ولاية قبلي (صورة تقريبية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

إنها من أعمق التجارب الإنسانية وأكثرها إعجازًا وأعقدها أحاسيس ومشاعر، إنها لحظة ولادة جنين قابل للحياة كإنسان جديد يخرج من رحم أنثى في لحظة مهيبة هي حلم كل امرأة على هذه الأرض. هذه اللحظة التي تنتظر مخاضها طيلة تسعة أشهر أم تحمل في أحشائها قطعة منها تكبر ومعها يكبر الحلم في لحظة لقاء هو الأعمق في الوجدان الإنساني، قد تتحول إلى كابوس فضيع ومأساة بسبب إهمال طبي أو أمني داخل المستشفيات أين تضع المرأة حياتها وطفلها أمانة.

ولعل آخر هذه المآسي ما حدث في مستشفى وسيلة بورقيبة في العاصمة تونس، أين تم اختطاف رضيع من أمه بعد أن وقع وضعه في حقيبة. وقد تعهدت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بملف اختطاف رضيع. وقد عاشت الأم، قبل العثور على ابنها مساء الأحد 5 جويلية/ يوليو 2020، حالة صدمة وانهيار، شبيهة بما عاشته أمهات 15 رضيعًا توفوا بسبب تعفن جرثومي في المستشفى نفسه سنة 2019 ومازالت المحكمة تبحث في القضية ولم يصدر أي حكم إلى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: أسماء ممنوعة في تونس.. جدل القانون وصراع الهوية

رحمة (مواطنة تونسية) لـ"ألترا تونس": كنت أتمنى لو وضعت مولودي الأول في المنزل كما فعلت جداتنا

حوادث مأساوية في لحظة كانت لتكون أسعد اللحظات لعائلات تنتظر مواليدها، والأسوأ أنها تحدث في أكبر وأعرق المستشفيات في قلب العاصمة، أما في الجهات الداخلية التي تعاني ضعفًا في البنية التنموية على كافة المستويات وخاصة الصحية منها فان عمليات الولادة خلفت ماسي من نوع آخر.

"كنت أتمنى لو وضعت مولودي الأول في المنزل كما فعلت جداتنا، إذ يبدو أن المستشفى أصبح خطرًا على المرأة أكثر من البيت" تقول رحمة (34سنة) لـ"ألترا تونس"، مضيفة "كنت قاب قوسين أو أدنى من الموت حينما وضعت مولودي الأول، والسبب هو أن الممرضة التي رافقتني في سيارة الإسعاف لم تقدم التقرير الطبي لحالتي لأنها نسيته".

وتردف بالقول "حالتي كانت تستوجب إجراء عملية قيصرية وتم تركي في غرفة الولادة بالمستشفى الجهوي بقبلي دون أي اهتمام، وطلبت مني القابلة الانتظار، وعندما أحسست أن الجنين لم يعد يتحرك في أحشائي صرت أصرخ أن طفلي مات وقتها ليتم إدخالي لإجراء العملية القيصرية".

وتؤكد محدثتنا أن هذه اللحظات من أسوء التجارب في حياتها، مبينة أن مصيبتها ومأساتها تعمقت أكثر بعد 6 سنوات لم تستطع خلالها إنجاب طفل آخر، وحينما حملت وقررت أن تدخل مصحة خاصة للولادة اكتشف طبيبها أثناء العملية انه تم وضع "الردى" داخل رحمها وقاموا بخياطته وهو ما تسبب في فشل أحد مبيضيها.

وتواصل رحمة حديثها باكية "عجز الطبيب عن إيقاف النزيف وتم نقلي إلى المستشفى الحكومي فقد اتضح أن المصحة الخاصة لا تتوفر فيها غرفة للإنعاش، وكذلك ليس لديهم بنك دم وأعلمني الطبيب أني لن أستطيع أن أنجب مرة أخرى لأن طبيبًا عبث بأغلى ما أملكه كامرة وهو رحمي".

وختمت رحمة بالقول "سلمت أمري لله.. فنحن في جهة منسية بلا أطباء اختصاص ويكفي أننا في 2020 ومازالت النساء يخسرن حياتهن وهن يحاولن وضع مولود.. لقد صارت الولادة حدثًا تخفق له قلوبنا خوفًا لا فرحًا وصرت أعاني من كوابيس وحالة اكتئاب أثرت على حياتي وتؤرقني جدًا".

اقرأ/ي أيضًا: قطاع التبغ في تونس.. فساد وكالة التبغ ولوبيات تحتكر السوق

مريم (مواطنة تونسية) لـ"ألترا تونس": بقيت حتى الصباح إلى حين استيقظ الطبيب الذي جاءني وهو يفرك عينيه وكل ما فعله أنه أخرج الجنين الذي التف الحبل السري عليه واختنق

في الجهة نفسها، وفي المستشفى الجهوي بقبلي أيضًا، تعرضت مريم (36 سنة) إلى مأساة مماثلة انطلقت منذ بداية حملها، فهي تعاني من نقص حاد في الحديد لكن القابلة لم تعطها الأدوية اللازمة، وحينما طالبت بذلك وأجرت التحاليل اكتشفوا أن عليها أن تقيم في المستشفى لتلقي العلاج.

وهناك لم يقبلها الطبيب المباشر ولم يكلّف نفسه حتى عناء الكشف عنها، وفق ما أكدته مريم لـ"ألترا تونس"، مبينة أنه ورغم تعكر حالتها وتعرّضها للإغماء، إلا أنه طلب منها المغادرة لتتم إعادتها ليلًا بعد أن ارتفعت درجة حرارتها. وتضيف "طلب من زوجي شراء الدواء وفعل ذلك لكن الإطار الطبي وشبه الطبي لم يقدم لي العلاج إلا بتدخل أحد معارفنا، وتبيّن أن السبب هو لا مبالاتهم"، مشددة على أن هذه التصرفات يعاني منها كل المقيميين في المستشفى.

وتقول مريم "كنت أعاني الحمى والألم وأنا في الشهر السابع، استيقظت ليلًا وذهبت لإيقاظ الممرضات والطبيب فقد كانوا يغطون في نوم عميق ولم يفتحوا لي ولم ينجدوني فيما كان الحبل السري يتدلى بين رجلي"، مضيفة لم أكن أدري ماذا أفعل أو كيف أتصرف.. فقط كنت أدعو الله أن يرأف بي".

وتبيّن أنه بعد مرور إحدى القابلات بالصدفة طلبت منها أن تبقى فوق طاولة الولادة وغادرت، قائلة "بقيت حتى الصباح إلى حين استيقظ الطبيب الذي جاءني وهو يفرك عينيه وكل ما فعله أنه أخرج الجنين الذي التف الحبل السري عليه واختنق".

وتشير محدثتنا إلى أنه أثناء عملية التنظيف تم فتق عمليتها القيصرية الأولى مما تسبب لها في نزيف حاد استوجب تدخلًا جراحيًا وأجبرها على البقاء لأيام في الإنعاش حيث كادت تفقد حياتها. وتفيد أن المستشفى فتح تحقيقًا في الحادثة اتهم فيه الطبيب الممرضات بالإهمال واتهمت الممرضات الطبيب بالإهمال وأغلق الملف، قائلة "ليست لدينا الإمكانيات لندفع لمحام ليتابع القضية.. وسلمنا أمرنا لله.. لكني أعاني الألم إلى حد الساعة ووضعيتي الصحية مازالت متعكرة من مضاعفات ما حدث".

وحيد قوبعة (مختص في الطب النفسي) لـ"ألترا تونس": ضرورة توفير العناية النفسية للأمهات لدى فقدانهن أبنائهن

تجارب وحالات إهمال وتقصير وأخطاء طبية تتكرر من العاصمة إلى عمق الجنوب في ولاية قبلي، تترك ندوبًا في جسد الأم، لكن تبقى الندوب النفسية الأعمق كما يؤكد المختص في الطب النفسي وحيد قوبعة لـ"ألترا تونس".

ويضيف قوبعة "غريزة الأمومة تجعل من الأم في حالة خوف على مولودها من كل شيء، وهي موجودة حتى عند الحيوانات لهذا تحاول بشتى الأشكال حمايته وإن كان في مأمن، فما بالكم والأم تعيش صدمة اختطاف رضيعها أو فقدانه بسبب خطأ طبي أو إهمال قد يؤدي بها إلى فقدان قدرتها على الإنجاب.. إنها من أكثر الأوضاع حساسية وخطورة على نفسية المرأة وتركيبتها العصبية".

وطالب دكتور علم النفس وحيد قوبعة بضرورة توفير العناية النفسية للأمهات في مثل هذه الظروف، وذلك إلى جانب توفير الأمن وتوفير الرعاية الصحية اللازمة، مبينًا أن عملية المخاض والولادة من أروع اللحظات في الحياة لكنها قد تتحول إلى أخطرها إذا لم يتوفر الأمن والرعاية اللازمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إمكانية وقوع موجة ثانية من كوفيد-19.. ما حقيقة الوضع الوبائي في تونس؟

تهريب الأدوية المخدرة.. سوق "النشوة" في تونس