26-نوفمبر-2022
كبار السن

في السنوات الأخيرة عرفت تونس صنفًا جديدًا من السياحة وهو "سياحة كبار السن" التي تستقطب خاصة الأجانب المتقاعدين أو الذين يعانون من أمراض الشيخوخة

 

واجهت السياحة التونسية في السنوات الأخيرة جملة من التحديات بفعل التغيرات التي عرفتها البلاد فشهد هذا القطاع الذي كان رافدًا من روافد التنمية العديد من النكسات والعثرات التي أثرت على مردوده وتسببت في خسارته للعديد من الأسواق الأوروبية والآسيوية. ضربات إرهابية استهدفت القطاع فأصابته في مقتل طيلة سنوات وما إن استعادت الوجهة التونسية تعافيها تدريجيًا جثمت جائحة كورونا على هذا القطاع لتجهز على كل محاولات إنقاذ القطاع السياحي تبعًا لفرض قيود على السفر في محاولة عالمية للقضاء على فيروس كورونا.

ولئن شهدت السياحة التونسية تراجعًا حادًا في عائداتها، ظلت السياحة الاستشفائية صامدة أمام الأزمات المتتالية التي أرخت بظلالها على القطاع ككل، وقد أفادت معطيات وزارة الصحة التونسية بأن السياحة العلاجية استقطبت سنة 2019 مليوني مريض أجنبي بعائدات قدرت بـ3.5 مليارات دينار.

في السنوات الأخيرة عرفت تونس صنفًا جديدًا من السياحة وهو "سياحة كبار السن" التي تستقطب خاصة الأجانب المتقاعدين أو الذين يعانون من أمراض الشيخوخة فيتم توفير إقامة وخدمات صحية واجتماعية لهم بأفخم النزل

وفي السنوات الخمسة الأخيرة عرفت السياحة التونسية منتجًا جديدًا وهو "سياحة كبار السن" ولئن اختلف البعض في تصنيف هذه السياحة كاستشفائية طبية أم سياحة تقليدية، فإن بعض النزل استفادت منها خاصة وأنها غير معنية بموسم سياحي محدد وإنما هي على مدار السنة. وتعمد مؤسسات خاصة إلى استقطاب كبار في السنّ أجانب متقاعدين أو يعانون من أمراض الشيخوخة فيتم توفير السكن وخدمات صحية واجتماعية لهم بأفخم الفنادق التونسية بجهة الحمامات.

صورة
تعمد مؤسسات خاصة لاستقطاب كبار في السن أجانب لتوفر لهم إقامة وخدمات بنزل فخمة (فيسبوك)

 

ورغم أن القطاع السياحي يستفيد من هذا المنتوج السياحي الجديد، فإن العديد من الأسئلة تظل مطروحة حول الإطار القانوني لممارسة هذا النشاط ومدى قدرة الفنادق على توفير المستلزمات الضرورية لسياح من كبار السن أغلبهم يعاني من مرض الزهايمر.

  • خدمات عالية الجودة مقابل 15 ألف دينار شهريَّا

ليلى اليوسفي عشرينية التحقت منذ حوالي سنتين بمؤسسة لرعاية المسنين وهي مؤسسة تختلف عن دور المسنين التقليدية (خاصة أو عمومية) تقدم خدمات عالية الجودة فتوفر إقامة دائمة لحرفائها في أفخم النزل التونسية بالضاحية الشمالية مقابل مبلغ مادي يتجاوز 15 ألف دينار تونسي في الشهر وأغلب نزلائها من السياح الأجانب نظرًا لارتفاع سعر خدماتها بالنسبة للتونسيين عمومًا.

وبينت اليوسفي، في حديثها لـ"الترا تونس"، أنها تمتهن في مجال التمريض منذ بضعة سنوات وكانت تزاول عملها في مصحات تونسية لكن فور تعرفها على هذه المؤسسات الخاصة التي تأوي كبار السن سارعت للالتحاق بها بدافع ولعها بالاهتمام بكبار السن ومساعدتهم على القيام بشؤونهم التي عجزوا عن القيام بها بصفة فردية بسبب التقدم في السن والإصابة ببعض الأمراض.

ليلى اليوسفي (ممرضة) لـ"الترا تونس": نقدم خدمات عالية الجودة لكبار السن بأفخم النزل ونعتني بهم ونوفر لهم حصص تدليك وسباحة والعديد من الأنشطة الأخرى مقابل 15 ألف دينار شهريًا

تقول المتحدثة إن "النزيل بالمؤسسة التي تنتمي إليها يحظى بالرفاهية المطلقة فيوفر لكل فرد منهم ممرضة تحرص على السهر على راحته ليلًا نهارًا عكس دور المسنين الأخرى التي تضطر فيها ممرضة واحدة إلى الاعتناء بعشرة مسنين فلا تكون الخدمات بالجودة المطلوبة، وفقها، مضيفة أن المؤسسة تؤمن العديد من الخدمات الأخرى لنزلائها من بينها  حصص تدليك وسباحة والعديد من الأنشطة الأخرى التي تملأ فراغ هذه الشريحة التي اختارت تونس وجهة لها خلال فترة التقاعد.

وتشير ليلى اليوسفي إلى أن "كل مسنّ موكول له دفع مبلغ مالي شهريًا مقابل تلقي الخدمات المذكورة يقدر بـ 15 ألف دينار تونسي تقريبًا، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للتونسيين"، لافتة إلى أن عدد التونسيين النزلاء بالمؤسسة يبلغ ثلاث أفراد فقط"، مستطردة القول إن "المبلغ يعد مناسبًا بالنسبة للأجانب الذين اختار البعض منهم الوجهة التونسية تفاديًا للغلاء المشط لدور المسنين في بلدانهم"، حسب تقديرها.

صورة
توفر المؤسسات التي تستقبل كبار السن مختلف الخدمات حتى الترفيهية منها (فيسبوك)

 

وأوضحت محدثة "الترا تونس" أن "الفنادق ليست لها أي علاقة بكبار السن المقيمين ولا بالإطار شبه الطبي، ومهمتها تنحصر فقط في تسويغ عدد من غرف الفندق لمؤسسة دار الرعاية،  مبينة أنها وزملاءها يتلقون تكوينًا خاصًا للاعتناء بالمسنين خاصة وأن البعض منهم يعانون من مرض الزهايمر، واصفة التعامل مع هذه الشريحة العمرية التي تكون في فترة متقدمة من المرض صعب جدًا ويتطلب مجهودًا مضاعفًا من الأعوان. 

وختمت ليلى اليوسفي حديثها بالإشارة إلى أنه "رغم ارتفاع سعر الخدمات الموجهة للمسنين فإن رواتب الأعوان زهيدة جدًا مقارنة بما يبذلونه من مجهودات في سبيل تقديم خدمات ممتازة للمسنين"، على حد قولها.  

  • سياحة كبار السن تستقطب أجانب "VIP" 

اعتبرت المديرة العامة لوحدة الاستثمار وتسهيل الخدمات والنهوض بالصحة بوزارة الصحة نادية فنينة أن استقبال بعض النزل لمرضى أجانب يعد تجاوزًا ومخالفة للقانون المنظم للقطاع، لافتة إلى أن وزارة الصحة كانت قد أرسلت تفقدية للنزل التي تلقت في شأنها إشعارًا مفاده بأنها تستقبل مرضى بالزهايمر من دول أجنبية.

مديرة الاستثمار بوزارة الصحة: استقبال بعض النزل لمرضى أجانب يعد تجاوزًا ومخالفة للقانون المنظم للقطاع، فالمكان الطبيعي للمريض هو المصحات ودور النقاهة وليس الفنادق

واعتبرت فنينة، خلال مداخلة لها في مؤتمر منعقد بالحمامات الجنوبية حول الضيافة العلاجية، أن المكان الطبيعي لأي مريض سواء كان تونسيًا أو أجنبيًا هو المصحات أو دور النقاهة وليس الفنادق على اعتبار أن الخدمات التي تقدمها ترفيهية فيما تعتبر الخدمات الصحية والاستشفائية من مشمولات وزارة الصحة، وفقها.    

في المقابل، يعتبر المدير التنفيذي للجامعة المهنية المشتركة للسياحة حسام عزوز أن سياحة كبار السن منتوج ممتاز، معقّبًا: "نشجع المُنتج السياحي التونسي المتنوع والذي يستقطب فئات من شرائح ميسورة". 

ولفت إلى أن بعض كبار السن لا يشكون من أي أمراض وقرروا قضاء فترة التقاعد في تونس بحثًا عن خدمات أقل كلفة مقارنة بأوروبا، مستدركًا القول: "لكن بعض المسنين الآخرين يعانون من أمراض مختلفة من إعاقات أو زهايمر وغيرها، وهذه الفئة تستوجب طبعًا توفير طاقم طبي وطاقم ممرضات وتوفير أكل وأنشطة تناسبهم وحتى بيوت الفنادق يجب أن تؤهل وفقًا لحاجتهم"، حسب تصوره.

المدير التنفيذي لجامعة السياحة: في حال كان السائح يعاني من مرض خطير فبإمكانه التنقل إلى مصحة، لكن إذا لم تكن حالته خطيرة وليس بحاجة لأن يكون طوال اليوم في مصحة فالنزل يصبح مكانًا أمثل وأنجع له

وتعقيبًا على الأصوات التي تعتبر أن استقبال مرضى في فنادق تونسية يعد مخالفة، يرى بن عزوز في حديثه لـ"الترا تونس" أنه "لا حرج في استقبال هذه الفئة، وفي حال كان السائح يعاني من مرض خطير يستوجب خدمات طبية كبيرة فبإمكانه التنقل إلى مصحة  لكن إذا لم تكن حالته خطيرة ويعاني فقط من مرض الزهايمر أو أي مرض قد يلحق بكبار السن وليس بحاجة إلى أن يكون طوال اليوم في المصحة فالنزل يصبح مكانًا أمثل وأنجع له"، حسب رأيه.

ويرى حسام بن عزوز أن "على وزارة الصحة أن تشجع مثل هذا النوع من السياحة"، لافتًا إلى أن الجامعة المهنية المشتركة للسياحة كانت قد قدمت مبادرات في هذا الصدد وعقدت جلسات بالشراكة بين وزارتي السياحة والصحة للنقاش في توفير خدمات استثنائية لكبار السن في الفنادق.

صورة
عمومًا تستقطب السياحة الصحية كبار السن من ميسوري الحال (فيسبوك)

 

وبيّن المدير التنفيذي للجامعة المهنية المشتركة للسياحة حسام بن عزوز أن الموسم السياحي في تونس شهد تحسنًا بصفة عامة مقارنة بسنتي كوفيد الماضيتين لكن لم يصل بعد إلى الأرقام التي تم تسجيلها سنة 2019 وذلك بنقص يناهز 30%، مشيرًا إلى أن التحسن ملحوظ  في جميع المؤشرات من بينها المداخيل وعدد الوافدين على الرغم من خسارة العديد من الأسواق من بينها الروسية والأوكرانية والصينية التي مازالت مغلقة إلى الآن  فيما حافظت تونس على الأسواق التقليدية وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا أما السوق الجزائرية فقد انتعشت في منتصف شهر جويلية/يوليو وفقه كما رجح أن تعود الأمور إلى نصابها سنتي 2023 و2024.

 ولفت بن عزوز، في حديثه لـ"لترا تونس"، إلى أن "السياحة الطبية لم تتوقف حتى في فترة كوفيد رغم الصعوبات التي يواجهها القطاع آنذاك، مبينًا أن السياحة الصحية تجمع أربعة منتجات وهي السياحة الطبية والسياحة الاستشفائية بمياه البحر والسياحة الاستشفائية بالمياه المعدنية والسياحة الصحية لكبار السن

صورة
توفر مؤسسات السياحة الصحية مختلف الخدمات مقابل 15 ألف دينار تونسي شهريًا تقريبًا (فيسبوك)

 

وقال المتحدث: "السياحة الطبية انطلقت في تونس منذ الألفينات، وكانت مقتصرة على السوق الليبية والجزائرية لكن سنة 2000 استقطبت تونس الأوروبيين والأفارقة"، مستطردًا: "السياحة الطبية قائمة على مدار السنة وغير مرتبطة بموسم سياحي ويتوافد على البلاد 700 ألف سائح طبي لعمليات تجميل وجميع أنواع الأمراض الأخرى، 80 بالمائة منهم من ليبيا والجزائر و10 بالمائة من إفريقيا و10 من أوروبا والعدد بصدد التضاعف سنويًا"، وفقه.

وتابع: "السياحة الاستشفائية بالمياه المعدنية يمكن أن تؤمنها النزل وتسيرها أو تتولى مؤسسات خاصة ذلك لكن مازلنا متأخرين في هذا المجال ونفتقر للمرافق اللازمة باستثناء حمام بورقيبة وقربص على الرغم من القدرة التي تتمتع بها تونس خاصة في الجنوب حيث توجد العديد من العيون المعدنية كالتي توجد بنفطة، أما بالنسبة للاستشفاء بمياه البحر فهناك منتج ممتاز في طبرقة وجربة وغيرهما"، حسب تأكيده.