قدّرت وزارة الفلاحة صابة زيت الزيتون للموسم الحالي بـ 1.750 مليون طن من الزيتون و350 ألف طن من الزيت، ولكن هذه الصابة القياسية سرعان ما تحولت إلى هاجس لدى الفلاحين والمنتجين بسبب مشاكل اليد العاملة، واكتظاظ المعاصر، وبالخصوص بسبب تدني أسعار البيع ما دفع الفلاحين إلى تنظيم وقفات احتجاجية عديدة لمطالبة ديوان الزيت (عمومي) باقتناء كميات من الإنتاج وتخزينها لتعديل السوق، فيما اختار بعضهم ترك الصابة على رؤوس الأشجار تفاديًا لخسارة عزّزتها ارتفاع كلفة الإنتاج.
أعلنت وزارة الفلاحة برنامجًا استثنائيًا لتخزين 100 ألف طن من الزيت لفائدة الفلاحين وأصحاب المعاصر والمصدّرين بمنحة تقدر بـ300 دينار للطن الواحد خلال ستة أشهر
وبعد طول انتظار، تحرّكت وزارة الفلاحة "في إطار مساندة المنتجين والإحاطة بجميع الناشطين في القطاع" لتعلن بتاريخ 31 جانفي/ كانون الثاني 2020 برنامجًا استثنائيًا لتخزين 100 ألف طن من الزيت لفائدة الفلاحين وأصحاب المعاصر والمصدّرين بمنحة تقدر بـ300 دينار للطن الواحد خلال ستة أشهر بمعدل 50 دينارًا للشهر الواحد تُصرف عند نهاية مدة الخزن. كما أقرّت منحة خصوصية للفلاحين وأصحاب المعاصر بـ 200 د للطن تُصرف عند انطلاق الخزن.
واعتبر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية القرار تفاعلًا ايجابيًا من الحكومة مع مطالبه مضيفًا أن البرنامج يعد مبادرة هامة لدعم منظومة زيت الزيتون، ويمثل آلية جيدة للتعاطي مع المواسم التي تشهد وفرة في الإنتاج.
غير أن هذا القرار ورغم التأكيد على أهميته، اعتبره فاعلون في قطاع الزيتون قد جاء متأخرًا، واُعتبر أيضًا أنه يخدم مصالح جهات معينة دون أخرى، في ظل الدعوات لتبني هذا الإجراء بصفة مستمرة خلال المواسم المقبلة.
اقرأ/ي أيضًا: شجرة الزيتونة.. عن عادات تونسية أصيلة من الجني إلى "بيت العولة"
الديوان الوطني الزيت: الإجراء ليس متأخرًا
أفاد الرئيس المدير العام لديوان الوطني للزيت شكري بيوض أن الخزن هو آلية تجارية يقع اعتمادها عند تسجيل مشكل على مستوى الأسعار عبر امتصاص كميات من الإنتاج من خلال الخزن لتعديل الأسعار بما سيمكّن من ترفيع أسعار الزيت.
ونفى، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن يكون الإجراء جاء متأخرًا باعتبار أن موسم الجني لازال مستمرًا لثلاثة أشهر أخرى، وبالتالي ستكون له انعكاساته وفق قوله. وأفاد محدثنا أن الإجراء استثنائي يهم الموسم الحالي مشيرًا إلى إمكانية استمراره في المواسم القادمة.
شكري بيوض (الرئيس المدير العام لديوان الوطني للزيت): الخزن هو آلية تجارية يقع اعتمادها عند تسجيل مشكل على مستوى الأسعار
وبخصوص الجودة، أوضح أنه سيقع تشميع الخزانات للمنخرطين في هذا البرنامج ومراقبة الكميات المخزّنة بصفة دورية مع مراقبة جودتها خلال خزنها وعند انتهاء المدة المحددة.
وفي جانب متصل بخصوص تصدير الزيت التونسي نحو الأسواق الخارجية، قال محدثنا إن وزارات الصناعة والتجارة والخارجية تعمل على فتح أسواق جديدة بتوجيه الصادرات إلى وجهات غير السوق الأوروبية التقليدية كالصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الجامعة الوطنية لمنتجي زيت الزيتون: التأخير سيؤثر على جودة الزيت
من جانبه وفي تصريح لـ"ألترا تونس"، اعتبر الكاتب العام للجامعة الوطنية لمنتجي زيت الزيتون محمد النصراوي أن الإجراء المعلن لتخزين زيت الزيتون "جيّد في مجمله لكنه جاء متأخرًا" معتبرًا أن هذا التأخير يؤثر على جودة الكمية التي سيتم تخزينها خاصة وأن الموسم في نهايته، وفق قوله.
ورجّح محدثنا أن يكون لهذا الإجراء تأثير على ارتفاع سعر الزيت معبرًا عن أمله في تسعير هذه المادة قريبًا. وأضاف أن التخزين يمثل حلًا للفلاح داعيًا للعمل به في كل موسم بهدف ضمان مخزون استراتيجي وطني من زيت الزيتون خاصة مع تذبذب الإنتاج بين عام وآخر.
وأكد، في هذا السياق، أن صابة العام القادم ستتأثر بتأخر موسم الجني ما يعطّل إعداد الشجرة لإنتاج جديد في ظل ارتفاع حرارة الطقس وشحّ الأمطار.
الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية والزيتون: إشكال في التطبيق
من جانبه، قال ماجد طليحة، ممثل مجلس إدارة الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية والزيتون بشواط (ولاية منوبة)، أن قرار تخزين زيت الزيتون "مرحّب به في ظاهره إلا أنه يطرح إشكالًا على مستوى التطبيق" مبينًا أن الإشكال يتعلق بالوقت اللازم لإصدار الأمر الترتيبي وتحديد الجهة الراجع لها بالنظر تنفيذ هذا البرنامج.
ماجد طليحة (ممثل مجلس إدارة الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية والزيتون بشواط): المؤشرات والأرقام المتعلقة بزيت الزيتون ليست وليدة اليوم وإنما معلومة
وأفاد، في تصريحه لـ"ألترا تونس"، أن طاقة التخزين على المستوى الوطني أقل من طاقة الإنتاج موضحًا، في هذا السياق، أن تخزين الكميات المعدّة للتسويق يعدّ "حلًا جيّدًا". ولكن استبعد تأثير الإجراء على سعر الزيت الذي يبلغ 4.5 دينار بالنسبة لزيت الشمال الشتوي، و4 دينار للزيت الساحلي مبينًا أن السعر شهد انخفاضًا تراوح بين 0.5 و1 دينار منذ بداية الموسم.
اقرأ/ي أيضًا: مسابقات زيت الزيتون... نوافذ للزيت التونسي لاقتحام أسواق جديدة
وأضاف طليحة أن المؤشرات والأرقام المتعلقة بزيت الزيتون ليست وليدة اليوم وإنما معلومة مسبقًا وتحدد طاقة التسويق بـ 200 ألف طن، موضحًا أن التوقعات بوصول الإنتاج من زيت الزيتون لـ 350 ألف طن لهذا العام كفيل بتوقع إشكال في تثمين 150 ألف طن، وفق قوله.
واعتبر أن البرنامج الاستثنائي للتخزين هو قرار وقتي "كغيره من القرارات التي تكشف عن سياسة دولة لا تعالج الإشكاليات في قطاع الفلاحة ولا ترسم لها برامج على المدى القريب والمتوسط والبعيد".
ويستوجب الموسم الحالي للزيتون، بحسب محدّثنا، تدخلًا عاجلًا تتدخل فيه كل الأطراف لجمع المنتوج خاصة في الضيعات الكبرى من أجل صيانة صابة الموسم الحالي وكذلك الموسم القادم تفاديًا للأضرار التي يسببها تأخر الجني على إنتاج الشجرة.
وسيم السلاوتي (فلاح): التخزين يخدم مصالح أصحاب المعاصر
من جهته، يرى الفلاح وسيم السلاوتي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن إجراء التخزين أتى لإنقاذ التجار "الذين يتحكمون في سوق الزيت" نظرًا لتدهور السعر وانخفاضه إلى سعر 3 و3.5 دينار للتر الواحد، مؤكدًا بدوره أن الإجراء جاء متأخرًا لخدمة مصالح على حساب أخرى وفق قوله.
وأضاف، في هذا الإطار، أن التخزين يصبّ في مصلحة أصحاب المعاصر خاصة وأن 95 في المائة من فلاحي الشمال الغربي أتموا أعمال الجني وبيع الصابة على انخفاض أسعارها، وفق تأكيده.
على أمل تجاوز الأزمة
يُذكر أن وزارة الفلاحة والموارد المائية أعلنت عن انطلاق بيع زيت الزيتون البكر الممتاز بداية من 3 فيفري/ شباط 2020 في شكل عبوات بلاستيكيّة غذائيّة ذات سعة 5 لتر بسّعر 5.6 دينار للّتر الواحد بالمراكز الجهويّة للخزن والتّوزيع التابعة للديوان التّونسي للتجارة، وكانت الوزارة اعتمدت نفس الإجراء في مراكز الديوان الوطني للزيت منذ بداية شهر جانفي/كانون الثاني الماضي.
وسيم السلاوتي (فلاح): 95 في المائة من فلاحي الشمال الغربي أتموا أعمال الجني وبيع الصابة على انخفاض أسعارها
وكان قد انعقد مجلس وزاري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 أقرّ إجراءات لفائدة "كل حلقات منظومة الزيتون تستهدف التمويل والتشجيع على تحويل المنتوج وتثمينه والنهوض بجودته ودعم ترويجه في السوق الداخلية والأسواق الخارجية، إلى جانب العناية بغابات الزياتين وحمايتها من العاهات وتأهيلها والرفع من مردوديتها"، وفق ما اُعلن حينها، غير أن هذه الإجراءات بقيت حبرًا على ورق ولم تحقق المطلوب لدى أهل القطاع وهو ما أدى لأزمة تسويق رغم وفرة الإنتاج، خلال الفترة الماضية، على أمل أن يساهم الإجراء الاستثنائي المُعلن في تجاوز هذه الأزمة.
أقرأ/ي أيضًا: