07-مارس-2018

يساهم عدم نشر تقارير الهيئات الرقابية في استفحال الفساد (أمين الأندلسي/وكالة الأناضول)

تعتبر الرقابة إحدى الركائز الأساسية الضامنة لحسن التصرّف في الأموال العموميّة والمحافظة عليها. وتسلّط الرقابة على مختلف الأجهزة والهياكل العموميّة من إدارات ومؤسسات وجماعات محليّة دون استثناء. وهي تهدف عمومًا للحدّ من انتشار الفساد عبر معاينة وتحليل المعطيات ومن ثم تقديم التوصيات اللازمة للإصلاح إلى جانب زجر المخالفين عبر كشف حالات الفساد وسوء التصرّف في المال العام وإحالتها للقضاء.

في تونس، تتكوّن منظومة الرقابة العامّة من 3 هيئات رقابية مختلفة منها من تتبع رئاسة الحكومة وهي هيئة الرقابة العامّة للمصالح العمومية، ومنها من تتبع الوزارات على غرار هيئة الرقابة العامة للمالية التابعة لوزارة المالية، وهيئة الرقابة العامّة لأملاك الدولة والشؤون العقارية المنضوية هيكليًا تحت وزارة أملاك الدولة. وتلعب هذه الهيئات دورًا محوريًا في مختلف المراحل التي يمرّ عبرها إسناد المال العمومي والتصرّف فيه. وتساهم في مهمّاتها الرقابية في تكريس مقوّمات حسن التصرّف في الأموال العمومية وإرساء الحوكمة الرشيدة.

 تساهم الهيئات الرقابية في تكريس مقوّمات حسن التصرّف في الأموال العمومية وإرساء الحوكمة الرشيدة لكن فاعليتها محدودة لأسباب عدة

ولكن على الرغم من الدور الهام لهذه الهيئات وللتقارير التي تعدّها سنويًا، فإن فاعليّة هذا الدّور تظلّ محدودة بالنظر لعدّة أسباب، لعلّ أبرزها التعتيم المقصود على عملها ومحاولة تجريدها من الدور المناط بعهدتها في مقاومة الفساد و التشهير به.

اقرأ/ي أيضًا: صفقة شركة الاتصالات المالطية: الفساد دون قناع؟

حيث بالرّجوع إلى الأهداف المرسومة لهذه الهيئات، تستمدّ التّقارير الرّقابية أهميتها من نشرها ومن اطلاع العموم عليها لتسليط الضوء على ما تمّ كشفه من إخلالات ونقائص. فالغاية الأساسية من إعداد هذه التقارير هو نشرها وتبليغها لمختلف الفاعلين في الدولة من أجل تحقيق نظام مساءلة عادل يمكّن من مقاومة الفساد والحدّ منه. ولعلّ ما يؤكد ذلك ما ورد بالدستور التونسي من تكريس لحق النفاذ إلى المعلومة بالفصل 32 الذي نصّ على الآتي: "تضمن الدولة الحقّ في الإعلام و الحق في النفاذ إلى المعلومة". وهو ما تم تكريسه إثر صدور القانون الأساسي عدد 22 بسنة 2016 المتعلّق بالحق في النفاذ إلى المعلومة.

ولكن بالرغم من تعدّد النصوص التشريعية الضامنة لمبدأ نشر هذه التقارير، فإن الهيئات المعنية لازالت تمتنع عن نشر تقاريرها رغم أهميتها بل وترفض جميع المطالب المقدّمة للحصول على معطيات حول مهماتها الرقابية والإخلالات التي رصدتها. ويمثّل هذا الحجب المتعمّد حاجزًا أساسيًا لتحقيق الأهداف الإصلاحيّة لهذه التقارير، كما أنه يقلّص من نجاعتها.

ونتيجة لذلك، فإن العديد من الإخلالات التي تهم المال العام والتي تقدّر بالمليارات يشار إليها سنويًا في تلك التقارير، وتُعاد الإشارة إليها كل سنة من دون أي تجاوب من الوزارات أو المؤسسات المعنيّة. والأكثر من ذلك، ذهبت عديد الوزارات إلى ترقية عديد الموظفين ممّن وردت أسماؤهم في التقارير الرقابية باعتبارهم سببًا مباشرًا في الفساد واختلاس المال العام.

من جهة أخرى، أدّى التعتيم على هذه التقارير أيضًا لاستفحال شبكات الفساد المنظم خاصّة في الصفقات العمومية والجماعات المحلّية، وهو ما ساهم في تعطيل التنمية بالجهات رغم المبالغ الهامة المرصودة سنويًا للمشاريع فيها. 

أدّى التعتيم على تقارير الهيئات الرقابية لاستفحال شبكات الفساد المنظم خاصّة في الصفقات العمومية والجماعات المحلّية

وعمومًا، فإنّ التعتيم على هذه التقارير ساهم بنسبة كبيرة في الوضعية الصعبة التي تمرّ بها أغلب المؤسّسات العمومية التي تعاني شبح الإفلاس. ولعلّ من أسباب عجز هذه الهيئات ومحدوديّة فاعليّة تقاريرها هو ارتباطها المباشر بالسلطة التنفيذية إداريًا وماليًّا. وهو ما جعل هذه الهيئات رهينة إرادة سياسية غائبة تتعمدّ أحيانًا التكتّم على الفساد وحماية شبكاته. ونظرًا لجملة الأسباب المذكورة، ظلّت التقارير الرقابيّة حبيسة الأدراج الإدارية عاجزة عن تحقيق و لو دور نسبي في مكافحة الفساد وزجر مرتكبيه.

اقرأ/ي أيضًا: البريكي: لا إرادة سياسية في تونس لمكافحة الفساد

وللأمانة، لا حلّ باعتقادي سوى في الحدّ من تبعيّة هذه الهياكل للسلطة التنفيذية وتمكينها من مساحة من الاستقلالية لضمان نجاعتها. ومن جهة ثانية، يجب تطبيق القانون بضمان نشر هذه التقارير باعتبار أنّ وسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي قد تكون آداة ضغط لتثمين هذه التقارير والأخذ بالتوصيات الواردة فيها. ولعلّ المجتمع المدني مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالعمل على ضمان حق النفاذ إلى المعلومة باعتباره أداة أساسية لكشف الفساد ومحاربته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكافحة الفساد أو الحرب الكاذبة في تونس

هل يقود يوسف الشاهد حربًا كاذبة ضد الفاسدين في تونس؟