01-أكتوبر-2015

من اختارت النجاح عليها أن تشق طريقها إليه بمفردها (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

تنشأ الفتاة في مجتمعنا العربي عادة مسكونة بهاجس الزواج، فتتفنن في تعلم أشغال التنظيف والطبخ والاعتناء بالمنزل عسى أن تكون مؤهلة لإدارة البيت في المستقبل. وإن قصرت في ذلك كانت محل انتقاد وسخرية وتشكيك، وتظل عادة خاضعة لهذه المنظومة القيمية، لا تكاد تحيد عنها. ولئن كان اكتساب تلك المهارات مهمًا لتيسير الحياة فإن الله لم ينفخ روحه في المرأة لتحمل كل مشاغل البيت على عاتقها، ولا لكي تسخّر كامل الوقت في العناية بأبنائها لوحدها، لأنها خلقت لغايات أهم وأسمى.

إن مهمة العناية بنظافة المنزل وترتيبه لن تكون شاقة إن رسم أفراد الأسرة خطة جماعية لتقاسم المهام فيما بينهم، غير أن العقلية السائدة تحول دون ذلك. إذ يعتبر البعض شراكة الرجل في شؤون المنزل انتقاصًا من رجولته، لتجد المرأة نفسها مجبرة على التفرغ لبيتها لعلها تنال رضا زوجها الذي يوهمها بأنها ملكة البيت، وما هي في الحقيقة سوى آلة مسخرة للتنظيف والكنس وجلب الصحون ونفض الغبار وطبخ الطعام وتربية الأبناء حتى تنهك قواها فتنسى نفسها وتهمل العناية بحاجاتها وحياتها الخاصة.

كثيرات هن من ألقين بأحلامهن زاعمات أن النجاح هو نجاح الأبناء وينتج عن ذلك تحكم في اختيارات الأبناء المستقبلية وإخضاعهم عادة لرغبات الأم. وتدرك الأم متأخرة أن لا أحد يحقق أحلامها سواها خاصة إذا رفض الأبناء الانصياع لها فتجني الخيبات والحسرات. فكم من امرأة اغتالت أملًا بداخلها وسجنت طموحًا طالما سكن روحها وسهرت الليالي الطوال تحرسه وترعاه، وكم من فتاة أطفأت شعلة حلم كان يخفق قلبها حماسًا عند التفكير فيه، وكم من فكرة إبداعية وئدت في مهدها على حساب الاعتناء بالمنزل وكلام الآخرين.

من أرادت النجاح عليها أن تشق طريقها إليه، فلا الزوج ولا الأبناء قادرون على تحقيق ذلك بدلًا عنها

قد يرسم ذلك كله صورة قاتمة عن الزواج، فتظنّ بعض الفتيات أنّ قدرهنّ بين مطرقة العنوسة لأجل تحقيق الأحلام وسندان الزواج والانكباب على الاعتناء بالمنزل، في حين أثبتت التجارب عكس ذلك، إذ استطاعت عدة أمهات الموازنة بين النجاح العملي والمهني والنجاح في البيت وذلك بتوزيع أوقاتهن بين العناية بأبنائهن وحسن تربيتهم ورعاية أحلامهن وتحقيق طموحاتهن. أ فليس من الإجحاف أن تلقي المرأة فشلها ولومها على الزواج والأبناء؟

من أرادت النجاح عليها أن تشق طريقها إليه، فلا الزوج ولا الأبناء قادرون على تحقيق ذلك بدلًا عنها وفي الأخير يظل تميز المرأة شرط تميز وعيها بنجاعة أحلامها وقدرتها على التأثير في المجتمع وصناعة نجاحها بيديها وفكرها، وقد لا يتيسر ذلك إلا لحظة تشترط المرأة على أسرتها نظامًا تشاركيًا يخفف من مسؤولية أعبائها البيتية فتتفرغ حينها لأنشطتها وأعمالها.

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"