أسالت ظاهرة "المد الأحمر" التي شهدتها شواطئ في ولايات مختلفة من تونس الكثير من الحبر، في الآونة الأخيرة، فيما يتعلّق بأسبابها وانعكاساتها. وتتمثل هذه الظاهرة في تغير لون البحر إلى الأحمر مع انبعاث رائحة كريهة منه ونفوق الأسماك الموجودة فيه، وقد طالت هذه الظاهرة شواطئ في ولايات صفاقس وبنزرت والمهدية وتونس وفسّرتها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بنمو استثنائي للطحالب المجهرية، وفق ما أوضحته النتائج الأولية للمعاينات التي أجراها المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار.
طالت ظاهرة تغير لون مياه البحر السواحل الممتدة من حلق الوادي إلى قرطاج
اقرأ/ي أيضًا: السطو على الشواطئ العمومية.. اعتداءات وحرمان من الاصطياف المجاني
وهذه الظاهرة تتزامن مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة ويرافقها "تقلص هام في نسبة الأوكسجين في الماء، وهو ما يمكن أن يصاحبه نفوق الأسماك وانبعاث الروائح الكريهة.
وكان فريق مشترك من الإدارة الجهوية للصحة والوكالة الوطنية لحماية المحيط والمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار قد أجرى تحاليل لعينات مختلفة من شواطئ سيدي منصور من ولاية صفاقس. وقد خلصت نتائج التحاليل إلى أنّ هذه الظاهرة طبيعية سببها موجة الحرارة المسجلة خلال الفترة الأخيرة والتي فاقت الدرجات العادية مع انحباس الرياح، ونتج عنها تكاثر غير مسبوق للطحالب المجهرية، وهو ما أدّى إلى تغيير لون مياه البحر ونفوق بعض أنواع الأسماك نتيجة نقص الأوكسجين في الماء.
وقد طالت ظاهرة تغير لون مياه البحر السواحل الممتدة من حلق الوادي إلى قرطاج، وحسب المعاينة الأولية لتحاليل المياه فإنّ ظاهرة تغير لون مياه البحر يمكن أن تكون ناتجة عن نمو استثنائي للطحالب البحرية المجهرية بفعل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة، وفق ما أفادت به وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي.
تحدث خبراء عن وجود مسببات أخرى لظاهرة المد الأحمر على غرار سكب مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية في البحار (صورة أرشيفية/ أفب)
ويُشار إلى أنّ فريقًا من الخبراء من وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي والمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار التابع لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والوكالة الوطنية لحماية المحيط ومركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة، قد عاينوا الوضع ميدانيًا وأخذوا عينات من المياه للقيام بالتحاليل الضرورية.
ولئن أرجعت الرواية الرسمية ظاهرة "المدّ الاحمر" إلى الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة فإن نشطاء ومختصين في الشأن البيئي لفتوا إلى وجود مسببات أخرى لهذه الظاهرة على غرار سكب مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية في البحار.
الأسباب والانعكاسات
للحديث عن أسباب هذه الظاهرة وانعكاساتها، تواصل "ألترا تونس" مع المهندس في البيئة وعلوم البحار والمختص في الشـأن المناخي حمدي حشاد الذي أكّد أنها ستتكرّر في أكثر من مناسبة، مرجعًا أسبابها إلى تصريف المياه المستعملة ومياه الصرف الصحي والمخلّفات الصناعية في البحر، وهي مياه غنية بالأزوت والفوسفور، على حدّ تعبيره.
وقال حشاد إنّ موجة الحر وأشعة الشمس القوية وعدم تجدّد مياه البحر يتسبب في حدوث هذه الظاهرة التي تسمّى التخثّت التي ينجم عنها تكاثر عدد الطحالب النباتية أو العوالق بصفة كبيرة، وقد يصل عددها إلى 50 مليون في لتر واحد من الماء، وهو ما يسبب احمرار الماء أو تحوّله إلى اللون الزهري أو البرتقالي.
حمدي حشاد (مهندس في البيئة وعلوم البحار) لـ"ألترا تونس": هناك أكثر من 300 نوع من العوالق أو الطحالب النباتية التي تتسبب في ظاهرة المياه الحمراء
اقرأ/ي أيضًا: شواطئ الساحل التونسي.. تحدي التلوث واستغلال الملك العام
وأضاف أن الطحالب أو العوالق البحرية تتجمع عندما تخضع المياه إلى أحوال معينة في نفس الوقت وتشمل هذه الأحوال طقسًا غير عادي بمعنى أن تكون درجات حرارة ملائمة للنمو على غرار موجة الحر الأخيرة، إلى جانب كمية كبيرة من المواد المغذِّية في المياه اثر تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المياه التي تخلّفها المنشآت الصناعية، وكميات وافرة من ضوء الشمس وتيارات مائية ملائمة وأيضًا عند هطول الأمطار بغزارة مما يتسبب أحيانًا في انجراف المعادن الثقيلة ومواد مغذِّية اخرى من البرّ إلى المياه الساحلية.
وأشار إلى أنّ هناك أكثر من 300 نوع من العوالق أو الطحالب النباتية التي تتسبب في ظاهرة المياه الحمراء وما لا يقل عن 80 نوع منها أنواع سامة للغاية أشهرها "Alexandrium excavatum" و"Noctiluca scintillans" و"Karenia brevis"، وفق قوله.
وعن انعكاسات هذه الظاهرة، قال المهندس حمدي حشاد إنه باستثناء التأثير الإيكولوجي الذي وصفه بـ"المجزرة" التي طالت الأسماك وكل الكائنات الحية في المناطق التي شملها "المد الأحمر" والروائح الكريهة ، لا توجد تأثيرات مباشرة على صحة الإنسان، منبهًا إلى ضرورة تجنب السباحة في المناطق المتضررة من الطحالب وعدم استهلاك الأسماك المتأتية من تلك المنطقة لأسبوع أو أكثر على اقل تقدير، على حدّ تعبيره.
وفيما يتعلّق بالحلول المقترحة للحدّ من أضرار المياه الحمراء، أكّد حشاد ضرورة معالجة مياه الصرف الصحي قبل إلقائها في المسطحات المائية و توعية للصيادين ومرتادي السواحل بهذه الظاهرة حتى يتجنبوا التعرض لهذه المياه أو شربها أو استهلاك أسماكها، لافتًا إلى ضرورة الحضور المكثف لفرق المراقبة في أسواق الأسماك درءًا لحدوث حالات تسمم.
اقرأ/ي أيضًا:
جسد المرأة بين "البوركيني" و"البيكيني".. حرية اللباس في مواجهة المجتمع
"المنازل الشاطئية".. يهجرها أصحابها صيفًا بحثًا عن ربح موسمي