28-يونيو-2019

انتشار ظاهرة الاستغلال العشوائي للملك العمومي البحري (صورة توضيحية/Getty)

 

لم تقتصر فوضى مخالفات البناء الفوضوي في تونس على الملك العمومي البرّي وتحديدًا الأراضي الفلاحية، بل طالت أيضًا الملك العمومي البحري على الشريط الساحلي خصوصًا خلال السنوات الأخيرة. وتتعدد هذه المخالفات بين تشييد مقاه أو أكشاك بصفة غير قانونية للعمل في الفترة الصيفية دون الحصول على ترخيص، وبناء مساكن ومشاريع تجارية على تخوم الشواطئ العمومية من طرف أصحاب النفوذ.

اقرأ/ي أيضًا: شواطئ الساحل التونسي.. تحدي التلوث واستغلال الملك العام

الملك العمومي البحري.. وكالة وقوانين دون جدوى؟

الملك العمومي البحري هو ملك يقع استغلاله من العموم وفق ما يضبطه القانون عدد 73 لسنة 1995 المؤرخ في 24 جويلية 1995 والمتعلق بالملك العمومي البحري. وهو يشمل وفق الفصل الثاني من القانون المذكور "ضفاف البحر المتكونة من الشريط الساحلي المغطى أو المكشوف بالتداول بمياه البحر".

فيما نصّ الفصل 21 على أنّ "الاستعمال العام للملك العمومي البحري حر ومتساوي ومجاني وينحصر في الاستعمال الجاري به، وذلك حسب العادة والعرف مع احترام راحة الغير والمحافظة على الصحة والسلامة والنظام العام وحماية المحيط". وأكد الفصل 19 أنّ "الملك العمومي البحري غير قابل للعقلة والرهن ولا يمكن التفويت فيه ولا اكتسابه بالتقادم من طرف الغير".

تتعدد المخالفات بين تشييد مقاه أو أكشاك بصفة غير قانونية للعمل في الفترة الصيفية دون الحصول على ترخيص، وبناء مساكن ومشاريع تجارية على تخوم الشواطئ العمومية من طرف أصحاب النفوذ

ونظم الأمر عدد 1847 لسنة 2014 كيفية الأشغال الوقتي للملك العمومي البحري، لينص في فصله الأول على أنّ كل أشغال وقتي للملك العمومي البحري لا يمكن منحه إلا بصفة وقتية وقابلة للرجوع فيها من دون تعويض أو غرامة. وتقوم المصالح البلدية بمراقبة المرخص له، والتثبت من إمكانية التصرف الخفي لرخصته وعدم تفويتها للغير واحترام موضوع الرخصة، ومدتها، وخلاصها، واحترامه التقيد بالمساحة التي منحت له.

لكن رغم إحداث الوكالة الوطنية لحماية وتهيئة الشريط الساحلي والقوانين الجارية لحماية الشواطئ، إلا أنّه تُسجّل سنويًا آلاف التجاوزات في أغلب المدن الساحلية لا سيما الحمامات وقليبية والهوارية وبنزرت والعديد من الشواطئ الأخرى التي تشهد إقبالًا كبيًرا من المصطافين.

ففي أفريل/أبريل 2019، نفذت المصالح الرقابية المشتركة ببنزرت 6 قرارات هدم مزيلة بناءات فوضوية عمد أصحابها إلى تشييدها على الملك العمومي البحري بمنطقة سيدي بشير براس انجلة من معتمدية بنزرت الجنوبية. فيما سُجّل أكثر من 800 اعتداء على الملك العمومي البحري بولاية نابل سنة 2016، ثلاثة أرباعها بالمنطقة الممتدة من قليبية إلى الهوارية مرورًا بحمام الغزاز، لتحتل نابل التي تتميز بجمال شواطئها، المرتبة الأولى في عدد التجاوزات المسجلة سنويًا على الملك العمومي البحري في البلاد.

الأكشاك على الشواطئ.. مشاريع وقتية للربح

غالبًا ما تكون الأكشاك العشوائية المشيّدة من القش ومخلّفات النخيل وبعض البلاستيك أو القصدير لأنّها أكشاك وقتية يشيّدها بعض الشباب للعمل في الفترة الصيفية خصوصًا في الشواطئ البعيدة عن المدن وأعين الرقابة، لتنتشر تحديدًا في شواطئ قليبية وبنزرت وباجة.

يشير وجدي (35 سنة) إلى أنّ بعض الشواطئ بعيدة لذا يستغل ضعف الأجهزة الرقابية عليها لتشييد كشك لبيع المثلجات والمياه الباردة والعصائر وبعض الأكلات الخفيفة للمصطافين، وهو لا يرى ضررًا في ذلك طالما أنّه يعمل ولا يؤذي غيره، كما يقول.

غالبًا ما تكون الأكشاك العشوائية المشيّدة من القش ومخلّفات النخيل وبعض البلاستيك أو القصدير لأنّها أكشاك وقتية يشيّدها بعض الشباب للعمل في الفترة الصيفية خصوصًا في الشواطئ البعيدة عن المدن

وعن الحصول على ترخيص، يقول محدّثنا إن إجراءات التراخيص معقدة وصعبة ولا يقع منحها في البعض الشواطئ، مضيفًا أنّ أغلب الحاصلين على تراخيص هم من حصلوا عليها سابقًا ويقع التجديد لهم في صورة تقديم طلب جديد. ويشير إلى أن الشواطئ القريبة من المدن لا تسع جميع من يرغبون في تشييد أكشاك أو بعض المشارب الوقتية.

في شاطئ قربص، شيّد عسى (31 سنة) هو الآخر كشكًا صغيرًا منذ ماي/آيار الماضي لبيع بعض العصائر والمياه الباردة والمثلجات. هو كشك بسيط لم يكلّفه الكثير من المال أو الوقت كما يقول لـ"ألترا تونس"، مضيفًا أنّه شيّد الكشك في شاطئ بعيد عن أي أعين الرقابة.

ويشير إلى أنّه يعمل طيلة ثلاثة أشهر في الكشك كعمل موسمي منذ أربع سنوات، مشددًا أنه لا يحتلّ مساحة كبيرة ويبيع بعض ما يمكن استهلاكه في الشاطئ لتوفير بعض المداخيل.

تذمّر المصطافين

في المقابل، غالبًا ما يعبر مصطافون عن تذمر كبير من السطو على الملك العمومي البحري، خاصة ممن لم يعد باستطاعتهم الظفر بمساحة على الشاطئ دون الاضطرار إلى دفع معاليم الشمسيات أو الكراسي المفروضة من أصحاب المشارب الوقتية. ويلاحظ الزائر لأغلب الشواطئ القريبة من المدن الانتشار الكبير لهذه الأكشاك والمشارب والواقيات الشمسية والمساحات المغطاة وغيرها التي يقع تركيزها على مساحات كبيرة من الشواطئ، بعضها غير حاصل على ترخيص بلدي للاستغلال.

اقرأ/ي أيضًا: منازل على جرف هار.. تقلبات جوية عرّت مسلسل الاعتداء على ملك الدولة

وقد قلص هذا الاستغلال العشوائي للملك العمومي البحري من حقوق المواطنين في الشواطئ العمومية وسط مطالبة دائمة بقيام الفرق الرقابية بدورها لضمان حق المواطن في الاصطياف مجانًا في الشاطئ العمومي.

وفي هذا الجانب، شهد شاطئ حلق الوادي، المتاخم للعاصمة الذي يستقبل سنويًا أعدادًا كبيرة من المصطافين، حوادث من الفوضى والعنف في جويلية/يوليو 2018 إثر تدخل الشرطة لمنع الاستغلال غير القانوني للشاطئ دون الحصول على تراخيص، ليتم حجز 86 شمسية وإزالة أغلب الخيم والكراسي مع إيقاف 8 أشخاص. ولا يختلف المشهد كثيرًا في باقي الشواطئ التي يقع استغلالها بصفة غير قانونية، وإن كان التدخل ينحصر، غالبًا، في الشواطئ القريبة من المدن دون غيرها.

أصحاب النفوذ.. استغلال وعدم تنفيذ لقرارات الهدم

لا ينحصر استغلال الملك العمومي البحري على الشباب الراغب في العمل أو الباحث عن ربح موسمي، بل يشمل، بالخصوص، أصحاب النفوذ ممن شيدوا مساكن أو مشاريع سياحية صغيرة قرب الشواطئ دون التقيد بالقوانين، مما استوجب استصدار قرارات هدم في عدة بلديات، يظل الجدل دائمًا حول عدم تنفيذها على أرض الواقع في أغلب الأحيان.

سجلت دائرة المحاسبات 851 مخالفة على الملك العمومي البحري خلال الفترة الممتدّة بين 2010 و2015 في كلّ من سوسة والمهدية والمنستير

وسجلت دائرة المحاسبات في تقريرها الصادر سنة 2017، في هذا الإطار، 851 مخالفة على الملك العمومي البحري خلال الفترة الممتدّة بين 2010 و2015 في كلّ من سوسة والمهدية والمنستير التي استحوذت لوحدها على 52 في المائة من عدد المخالفات، فيما يتوزع الباقي مناصفة بين الولايتين الأخرتين. وتعلّقت أغلب هذه المخالفات بـ"البناء بالصلب والتمركز العشوائي والتعدّي على الكثبان الرملية علاوة على عدم التقيّد بمقتضيات تراخيص الإشغال الوقتي".

وأشار التقرير إلى ضعف نسبة إزالة المخالفات التي لم تتجاوز 25 في المائة نظرًا إلى "عدم اتخاذ السلط الجهوية قرارات الهدم المقترحة وضعف تنفيذ القرارات". وبيّن أنه "تمّ تجديد تراخيص لفائدة 9 مستغلّين مخالفين بالولايات الثلاث لفائدة مؤسسات سياحية وأفراد رغم عدم مبادرتهم بإزالة ما ارتكبوه من تجاوزات كالتوسع في المساحة المستغلّة أو البناء بالصلب أو تخريب كثبان رملية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطنان من النفايات الخطرة في مياه تونس.. ما قبل الكارثة!

مجلة الأملاك الوطنية: السجن لكل ناهب أو معتد على أملاك الدولة