28-يونيو-2018

خطر المختلين عقليًا يتزايد في شوارع تونس (صورة تقريبية/ BSIP/UIG)

أثارت حادثة ذبح الطفلة مريم (سنة و8 أشهر) بجهة العلاء من ولاية القيروان جدلًا كبيرًا لدى الرّأي العام، خاصة وأنّ مرتكب الجريمة مختلّ عقلي سبق له الاعتداء على طفل وبعض الأشخاص البالغين، بعد إخراجه من مستشفى الأمراض العقلية بالقيروان. الطفلة كانت برفقة والدتها وأخوتها متجهة للتلقيح في حدود الساعة السابعة ونصف صباحًا. اختطفها المختل (58 سنة) من يد أخيها (خمس سنوات) وهمّ بذبحها مما أدّى إلى وفاتها على عين المكان. كما أقدم على طعن أحد الموجودين بالمكان حين كان يريد إنقاذ الطفلة.  

تطور الاعتداءات جعلت وضعية المختلين عقليًا وضحايا الأمراض العقلية، تطرح عشرات الأسئلة من مدى خطورتهم على المارة والمواطنين

اقرأ/ي أيضًا: "العصا في المؤخّرة".. لا بأس بالتعذيب مادامت التهمة الإرهاب!

محمّد علي (38 سنة) أحد سكان الجهة، أفاد "الترا تونس"، أنّ المختل يعيش بمفرده، وهو متشرد ليس لديه عائلة للاعتناء به أو لتقدم له أدوية الأعصاب التي يتناولها. وقد تكررت حالات اعتدائه على المارّة بآلات حادة. وكان في كل مرّة يسلّم إلى الشرطة وبدورها تسلمه إلى قسم الأمراض العقلية بالجهة. لكن بعد أسبوع أو أسبوعين من العلاج يعود إلى حياته الطبيعية لكن دون تماثله للشفاء خصوصًا وأنّه كثير العنف.

على صعيد آخر أشار محدّثنا إلى أنّ المختل سبق وحاول منذ أيام قليلة ذبح طفل يبلغ من العمر 3 سنوات لكنّه أصاب الأب ويدعى حمزة خلال محاولته إنقاذ ابنه، مما استوجب نقله إلى مستشفى سوسة حيث أجرى عملية جراحية خطيرة. وهو الآن تحت العناية المركزة نتيجة الإصابة.

حادثة اعتداء مختل عقلي على المواطنين لم تكن الأولى أو الأخيرة ولم تكن في جهة القيروان فقط. فكثيرًا ما تتكرر حالات اعتداء أحد المختلين على المارة بالشوارع على غرار ما حصل في جانفي/ كانون الثاني الماضي في جهة قفصة. حيث عمد شاب (18 سنة) يعاني من مرض عقلي مزمن إلى الاعتداء على المارة بالعنف. كما تولى عديد المرات سلب النساء حقائبهن ومطاردة الطالبات بمنطقة سيدي أحمد زروق بقفصة. مما نشر الذعر والخوف في صفوف سكان الجهة. وقد تقدّم سكان الجهة بعديد الشكاوي إلى الجهات الأمنية لوضع حد لاعتداءات المختل على المارة.

كما جدّت حادثة أخرى بمطار قرطاج في جانفي/ كانون الثاني 2012 تمثلت في محاولة طعن عوني أمن بالمطار من قبل مختلّ عقلي. وتمت عملية طعن العونين بالبهو السفلي للمطار عندما توجه مجموعة من الأعوان نحو هذا الشخص للتثبت من هويته نظرًا للاشتباه فيه. لكن تبين أن هذا الشخص مختل عقليًا مثلما ذكر في موقع شمس اف أم.

أحداث الاعتداءات تلك جعلت وضعية المختلين عقليًا وضحايا الأمراض العقلية، تطرح عشرات الأسئلة عن مدى خطورتهم على المارة والمواطنين، وعن وجودهم بالشوارع والحال أنّه يوجد مستشفى للأمراض العقلية بتونس ومراكز فرعية ببعض المستشفيات الجهوية خاصة بإيواء ورعاية المختلين والمرضى النفسيين. إذ يتجوّل في عدد من المدن التونسية مجموعات من المختلين عقليًا بكل حرية، منهم من يعيش في الشوارع دون عائلة، ومنهم من يعيش في بيت أسرته،  لكنّه يتنقل نهارًا في الشوارع بكلّ حرية. وأصبح من الطبيعي أن يطالع الناس مشاهد مريض عقلي وهو يقوم بتصرفات غريبة في الشوارع العمومية، أو يصادف شجارًا بين نادل في مقهى وأحد المختلين وهو يزعج رواد المقهى وينهره للخروج من المقهى، أو مختلّ يتسوّل في الشوارع.

عزيزة بن ضيف الله (والدة شاب مختل عقليًا) لـ"الترا تونس": خلال خروج ابني إلى الشارع أظل خائفة من اعتدائه على المارة

في جهة الزهروني بالعاصمة تتجول مريم ( مختلة عقلية) في شوارع الجهة ويعرفها أغلب سكان المنطقة. تنتقل خاصة بين محطات الحافلات للتسول. تقترب من كل من يعترضها لتطلب 100 مليم. والويل لمن لا يلبي طلبها. فسرعان ما تنهال على المارة بالحجارة والسب والشتم. وأحيانًا باللطم والبكاء. أغلب أبناء المنطقة يعرفون أنّها مختلة عقليًا ولكنّ اعتداءاتها عليهم بالحجارة خاصة في أوقات الصباح تزعجهم كثيرًا. ولكنّها لا تملك عائلة تأويها وما من أحد قام بإيوائها بمستشفى الأمراض العقلية.

والحديث عن المختلين عقليًا أو بعض المرضى النفسيين وتنقلهم في الشارع لا يعني أنّهم جميعًا خطرون على المارة والناس. فبعض هؤلاء يكونون انطوائيين غير عدائيين ينتقلون في الشارع بصفة عادية. خاصة وأنّ أغلبهم يواصل علاجه ويتناول أدويته وفق نصائح الأطباء لاسيما منهم من يعيشون مع عائلاتهم. لكن يبقى الإشكال حول أولائك المشردين الذين لا يملكون بيوتًا أو عائلات تأويهم.

اقرأ/ي أيضًا: ضحايا الاغتصاب في تونس.. قصص الوجع الدائم

عزيزة بن ضيف الله والدة الشاب محرز (38 سنة)، الذي يعاني منذ أكثر من 10 سنوات اضطرابات نفسية تستوجب علاجه المستمر بمستشفى الرازي، تقول لـ"الترا تونس" إنّها ترافق ابنها في كل حصص المتابعة الدورية للاطمئنان على حال ابنها وتماثله للشفاء. وتضيف أنّه أغلب الأوقات يبقى منعزلًا في البيت، لكن خلال خروجه للشارع تبقى خائفة من اعتداءاته على الناس لا سيما وأنّه كثيرًا ما يعتدي في البيت على أفراد العائلة، خاصّة وأنّه يرفض أحيانًا الأدوية التي يصفها له الطبيب.

وتبيّن محدثتنا أنّه كثيرًا ما يتعرّض إلى نوبات عصبية تستوجب نقله إلى المستشفى ليبقى هناك أسبوعًا أو أسبوعين لتلقي العلاج، مؤكدة أنّها كثير المواظبة على أدويته حتى يكون هادئًا وتتجنب اعتداءاته على العائلة والناس.

مستشفى الرازي بمنوبة يعتبر المؤسسة الوحيدة لمعالجة المرضى النفسيين. إذ يؤمن سنويًا حوالي 100 ألف عيادة. ويحتوي المستشفى على نحو 14 قسمًا نفسيًا، بما فيهم قسم طب الأعصاب وقسم الطب الباطني، وقسم الطب النفسي للأطفال، إلى جانب 7 أقسام خاصة بالطب النفسي للكهول يتكفّل كل قسم منها بجزء من مرضى ولاية تونس الكبرى وبولاية من ولايات النصف الشمالي للجمهورية التونسية. علاوة على الأقسام الأخرى أو الفروع التابعة لمستشفى الرازي في الولايات التونسية والتي توجد بالمهدية والقيروان وسوسة والمنستير وصفاقس وقابس فقط.

في المقابل لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المرضى النفسيين الذين يقصدون العيادات الخاصة أو أنواع الأمراض أو التوزيع الجغرافي لعدد المرضى النفسيين.

إيمان الجلولي (مختصة في الطب النفسي والأمراضي العقلية) لـ"الترا تونس": بعض المختلين عقليًا ممن يفتقدون للسند العائلي يواجهون مشكل مواصلة العلاج بعد مغادرة المستشفى

المختصة في الطب النفسي والأمراض العقلية إيمان الجلولي أوضحت لـ"الترا تونس" أنّه يوجد فرق بين المريض النفسي والمختل العقلي. وفي كلتا الحالتين تستوجب حالة المريض الرعاية النفسية اللازمة لدى المستشفيات أو العيادات الخاصة. وبحكم عدم قدرة مستشفى الرازي في تونس أو مراكز رعاية المرضى النفسيين بباقي المستشفيات الجهوية على إيواء المرضى مدى الحياة فإنّها تقدّم الرعاية اللازمة لكلّ مريض حسب حالته وحسب المدّة التي تتطلبها تلك الحالة. لكن بعد خروج المريض تستوجب أغلب الحالات مواصلة العلاج في العائلة. إلاّ أنّ بعض المرضى خاصة المختلين عقليًا ممن يفتقدون للسند العائلي يواجهون مشكل مواصلة العلاج بعد الخروج من المستشفى، وعدم أخذ الأدوية اللازمة وهو ما يشكل خطرًا عليهم وعلى الناس.

على صعيد آخر، أكدت محدّثتنا أنّه يجب إحداث مراكز لإيواء هؤلاء المرضى مدى الحياة وتوفير الرعاية اللازمة لهم لأنّ وجودهم في الشارع يعرّض الناس للخطر ويعرّضهم هم في حدّ ذاتهم للاستغلال بدليل تكرر حالات اعتدءات المختلين عقليًا على المواطنين بالشارع.

يذكر أنّ تقريرًا صادرًا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 2016  أفاد أنّ مستشفى الأمراض العقلية بمنوبة في العاصمة كثيرًا ما يرفض بطاقة الإيواء الصادرة من الجهات المختصة بخصوص بعض المساجين لعدم وجود أماكن شاغرة وهو ما يتسبب في تعكير حالتهم النفسية.

ونقل التقرير في هذا الغرض شهادة عديد المسؤولين بالسجون الذين أكدوا وجود متاعب كثيرة في الاتصال بالأطباء النفسانيين للكشف عن المرضى من المساجين.

من جهة أخرى أشار التقرير إلى ان الأعوان كثيرًا ما يمارسون التمريض دون أن يكونوا مختصين أو مؤهلين لذلك مضيفًا في هذا الشأن أنه قد يتم اللجوء إلى أحد المساجين ليقوم ببعض الإسعافات وتوزيع الأدوية. الأمر الذي يطرح تساؤلًا عن مصير هؤلاء المساجين بعد خروجهم من السجن، خاصة وأنّهم يعانون أمراضًا نفسية قد تجعلهم يشكلون خطرًا على الناس أيضًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الحرقة" في تونس: بين انتشارها كثقافة شبابية جديدة.. وظاهرة "الفراريزم"

رجال تونسيون ضحايا العنف "المؤنث"