17-نوفمبر-2018

رغم صحة إجابته يسعى الطفل ضيف فقرة "المحقق بلال" إلى إرضاء جهاز كشف الكذب بإجابات غير منطقية

الزيتون حيوان، والسمك لا يعيش في البحر، والعصفور لا يطير لكنّ الفيل يفعل، التفاحة رماديّة، البحر أسود، هي أجوبة لعدد من الأطفال المشاركين في البرنامج التلفزي "اضحك معنا" في فقرة "المحقق بلال"، هي أجوبة قد تبدو للبعض طريفة ومضحكة.

ولكن هذه الأجوبة وأخرى مشابهة لها ليست بالعفوية بل تعقب إجابات صحيحة لأطفال يتم خداعهم بشكل قد يراه البعض طريفًا، لكن إذا ما تمعّنا في غاية الفقرة ذات البعد الترفيهي، فإنّ الأمر يخرج من إطار التسلية إلى تشكيل وعي بعض الأطفال الذين يشاهدون هذه الفقرة.

مما لا شكّ فيه أنّ استضافة الأطفال في فقرة "المحقق بلال" تكون بموافقة الأولياء، ولكن هل يتم تحضير الأطفال كما ينبغي لهذه التجربة، التي تجعلهم يكذبون دون وعي؟

اقرأ/ي أيضًا: "الكرونيكور" في تونس.. من يقدم الإثارة أكثر؟

وفقرة "المحقّق بلال"، يقوم فيها معدّها بلال الميساوي بدور المحقق ويستضيف طفلين في كل حلقة من برنامج "اضحك معنا" الذي يبث في القناة التلفزية الخاصة "التاسعة"، ويستخدم جهاز كشف الكذب الموصول بجسم الطفل أو الطفلة وتحديدًا اصبعه ورأسه. وفي حال كانت الإجابة خاطئة في نظر المحقق يضيء الجهاز باللون الأحمر مع صفارة مزعجة، ورغم صحة إجابته يسعى الطفل إلى إرضاء جهاز كشف الكذب بإجابات غير منطقية ومضحكة نابعة من براءة الأطفال الممزوجة بالسذاجة والبساطة.

مما لا شكّ فيه أنّ استضافة الأطفال تكون بموافقة الأولياء، ولكن هل يتم تحضير الأطفال كما ينبغي لهذه التجربة، التي تجعلهم يكذبون دون وعي، هل يتم إخبارهم سابقًا أو لاحقًا بالأمر، كلّها معلومات تنحصر في كواليس إعداد الحلقة.

هي تجربة قد يستبطنها الأطفال الذين قاموا بها وكذبوا تحت ضغط صفارة جهاز كشف الكذب الكاذب، ولكن الأخطر من ذلك هو لحظة تلقي الأطفال في منازلهم لهذه الفقرة واستبطانهم لبعض الأجوبة، خاصة وأن بعض العائلات تميل إلى مشاهدة البرامج ذات الطابع الترفيهي وهو ما تثبته نسب قياس المشاهدة، وهنا تبدو المسؤوليات على عاتق الوالدين جسيمة في كيفية تبليغ الأطفال الرسالة بطريقة سليمة ولا تخلط الأمور في عقولهم.

ولأن الأطفال سريعو التأثر ولا يميزون بين الجد والهزل، ولا يفرّقون بين التمثيل والحقيقة، فإن المحتوى الإعلامي الموجّه لهم لا يخلو من خطوط حمراء لخطورة انعكاسه على البناء النفسي للطفل، وفق ما أكّده المختصّ في علم النفس التربوي عبد الباسط الفقيه.

اقرأ/ي أيضًا: من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس التربوي) لـ"الترا تونس":  المحتوى الإعلامي الذي ينفذ إليه الأطفال من المفروض أن يتضمن منظومة القيم الأساسية المساندة للتعلم 

ماهي الخطوط الحمراء في المحتوى الإعلامي الموجّه للأطفال؟

وفي حديثه عن المحتوى الإعلامي الموجّه للأطفال عمومًا وفي برنامج " اضحك معنا" على وجه الخصوص، يقول الدكتور عبد الباسط الفقيه لـ"الترا تونس" إنّ أغلب العائلات تميل إلى البرامج الترفيهية تحت عنوان التسلية، ولكنها برامج غير نافعة للأطفال وفي بعض الأحيان تكون عكس غايات وأهداف البرامج التربوية، مشيرًا إلى أن الخطير في البرامج التلفزيونية بصفة عامة أنها تحظى بنسية متابعة عالية جدًا.

وشدّد الفقيه على أن الفقرة كانت لتكون نافعة لو كانت ذات غاية تربوية وبعيدة عن منطق التسلية، موضّحًا أن الخطورة في البرامج التي تستهدف الأطفال، أو البرامج الترفيهية التي يشاهدها الطفل مع والديه، تكمن في أنّها تشكّل نوعًا من الوعي يتناقض مع الوعي المطلوب من قبل البرامج التربوية أو التعليمية بصفة عامة.

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس التربوي) لـ"الترا تونس":  ليس كل ما يقدمه التلفزيون للأطفال مفيد لذلك يجب على الأولياء أن ينتبهوا إلى محتوى البرامج التي تقدّم للأطفال

وأشار إلى أنّ المحتوى الإعلامي الذي ينفذ إليه الأطفال من المفروض أن يتضمن منظومة القيم الأساسية المساندة للتعلم ولكنها في بعض البرامج التلفزية تكون متناقضة معها وهي تحظى بجاذبية أكثر وفي لحظة تلقي المحتوى الإعلامي من قبل الطفل يتشرب مباشرة القيم التي يحملها، وفق تعبيره.

ويتابع بالقول "التعلم يستند على القدوة واليوم ما تعرضه البرامج التلفزية جعل القدوات تتغير، وهي قدوات محلية وبعيدة عن تلك التي يستهدفها البرنامج التربوي، ولذلك نحن اليوم نحتاج إلى رقابة الأسرة على القدوات التي تسوق لأطفالنا لما يكتسيه الأمر من خطورة".

وأكّد المختص في علم النفس التربوي حاجة الأطفال إلى محتوى إعلامي لكن مع وجود خطوط حمراء لا تتجاوز معها القنوات التلفزية الأهداف التربوية وتحرص على ألا تكون مدمّرة لعقول الأطفال، مبينًأ أنه ليس كل ما يقدمه التلفزيون للأطفال مفيد لذلك يجب على الأولياء أن ينتبهوا إلى محتوى البرامج لتي تقدّم للأطفال وتقوم على التسلية وليست التربية والتعليم غرضها ومن الممكن أن تخرب عقول الأطفال، على حدّ قوله.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّ القنوات التلفزيونية في تونس لا تولي اهتمامها للبرامج الموجّهة للأطفال، رغم أهمية هذه البرامج في تشكيل وعيهم، على أن البرامج الموجهة لهذه الفئة الاجتماعية يجب أن تكون معدّة بشكل يراعي احتياجاتهم النفسية والفكرية ويساهم في تنشئة جيل يؤمن بالقيم الأساسية للإنسانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فن الكوميديا في تونس.. تهريج وابتذال

بائع الورد الصغير.. طفل يبيع الحب ويشتري "الموت"