الترا تونس - فريق التحرير
تعود تهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة" لتثير الجدل من جديد في تونس، بعد صدور حكم بسجن شاب لمدة سنتين على خلفية رسمه غرافيتي ينتقد الرئيس التونسي قيس سعيّد.
يتعلق الأمر بالشاب رشاد طمبورة، البالغ 27 سنة من العمر، الذي صدر في حقه الأربعاء 31 جانفي/يناير 2024، حكم استئنافي يؤيد الحكم الابتدائي القاضي بسجنه لمدة سنتين بناءً على تهمة "ارتكاب أمر موحش في حق رئيس الجمهورية"، علمًا وأنه موقوف منذ منذ شهر جويلية/يوليو 2023.
تعود تهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة" لتثير الجدل من جديد في تونس، بعد صدور حكم بسجن شاب لمدة سنتين على خلفية رسمه غرافيتي ينتقد الرئيس التونسي قيس سعيّد
وقد أثار الحكم الصادر في حق الشاب استياء واسعًا في تونس، وأدانته منظمات ونشطاء حقوقيون وسياسيون واعتبروه يتنافى مع مبدأ حرية التعبير والإبداع، مطالبين بإلغاء الفصل 67 من المجلة الجزائية الذي استند عليه الحكم، معتبرين أنه نصّ قانوني ولّى عليه الزمن، باعتبار أنه وُضع أساسًا في عهد البايات.
- ماذا يقول الفصل 67 من المجلة الجزائية؟
وردت تهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة" في الفصل 67 من المجلة الجزائية (تم تنقيحه في 31 ماي/أيار 1956)، الذي ينص على أنه "يعاقب بالسجن مدّة 3 أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارًا أو بإحدى العقوبتين فقط كل من يرتكب أمرًا موحشًا ضد رئيس الدولة".
ويندرج الفصل 67 من المجلة الجزائية، الصادرة منذ سنة 1913، ضمن الاعتداء على النظام العام، وهو قانون يعود لعهد البايات. وقد جاء في النص الأصلي قبل أن يتم تنقيحه سنة 1956 أنّه: "يعاقب بالسجن 3 أعوام وبخطية قدرها ألف فرنك كل من يرتكب أمرًا موحشًا ضد الأمير أو أعضاء عائلته"، وبعد تنقيحه نص على أن "يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارًا أو بإحدى العقوبتين كل من يرتكب أمرًا موحشًا ضد رئيس الدولة".
- استياء في تونس ومطالب بإلغاء الفصل 67
ضجة واسعة أثارها الحكم الصادر في حق الشاب رشاد طمبورة والقاضي بسجنه لسنتين على خلفية رسمه غرافيتي ينتقد الرئيس التونسي الذي سبق أن أدلى بتصريح شهير له قال فيه إنّ "الدستور الحقيقي هو ما خطه الشباب على الجدران"، قبل أن يتلاشى هذا الشعار وسط موجة من التتبعات والإيقافات والأحكام السجنية التي شهدتها تونس مؤخرًا على خلفية قضايا رأي وتعبير.
ضجة واسعة أثارها الحكم بسجن الشاب رشاد طمبورة لسنتين على خلفية رسمه غرافيتي ينتقد الرئيس التونسي الذي سبق أن أدلى بتصريح شهير له قال فيه إنّ "الدستور الحقيقي هو ما خطه الشباب على الجدران"
وفي تعليقه على الحكم، أدان حزب التيار الديمقراطي (معارضة)، الخميس 1 فيفري/شباط 2024، بشدة ما اعتبره "تعدّي السلطة على حرية التعبير واستعمال قوانين بائدة ووضع قوانين جديدة تضيّق على الحرّيات لغاية تصفية الخصوم السياسيين والتضييق على كل صوت ناقد وكل رأي مخالف والزجّ بهم في السجون"، مشيرًا إلى أنّ "الفصل 67 من المجلة الجزائية الصادرة سنة 1913، والذي كانت الغاية منه حماية الباي والعائلة الحاكمة".
وعبّر التيار، في بيان له، عن مساندته المطلقة لـ"سجين الجدارية الشاب رشاد طمبورة الذي خط على الجدران"، وعن مساندته لـ"كلّ الأصوات الحرّة التي تلاحَق بسبب تشبّثها بحقها في التعبير والنقد وإبداء الرأي"، وفق تعبيره.
التيار الديمقراطي: ندين بشدة تعدّي السلطة على حرية التعبير واستعمال قوانين بائدة ووضع قوانين جديدة تضيّق على الحرّيات لغاية تصفية الخصوم السياسيين والتضييق على كل صوت ناقد
كما دعا "القضاة الشرفاء إلى تحمّل مسؤليّاتهم التاريخية كحماة للحقوق والحريات الكونيّة والدستوريّة وعدم استسهال إصدار العقوبات السجنية ضد المعارضين السياسييّن وأصحاب الرأي المخالف والفكر الناقد للسلطة القائمة"، وفق البيان ذاته.
وفي ذات السياق، عبر الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري (معارضة) وسام الصغير عن استيائه من الحكم الصادر في حق رشاد طمبورة.
وقال الصغير، في تدوينة له على فيسبوك، إن "رشاد طمبورة شاب من المنستير، لا يمارس سياسة، لكنّه يحضر في كل الأنشطة المواطنية والإنسانية"، مشيرًا إلى أنه "أراد المساهمة في الاحتجاج ضد العنصرية بطريقته، فرسم غرافيتي على جدار في المستير".
الناطق باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير: رسوم الغرافيتي لم تعد تندرج في إطار حرية التعبير وإنما صارت تسمى "ارتكاب امر موحش في حق الذات العلية.. هذه تونس في عهد قيس سعيّد
وذكر أنه إثر ذلك تم إيقافه من الأمن، معقبًا: "لم نعرف ماذا تعرض إِلامَ تعرض في الإيقاف، والسلطات الأمنية لم تعترف أساسًا أنها أوقفته في البداية، وتواصل الأمر لمدة 4 أيام لا تعلم عائلته عنه شيئًا خلالها"، مستدركًا أنه فيما بعد علم شقيقه بالصدفة أن رشاد طمبورة في سجن المنستير دون إعلام عائلته ودون حضور محامٍ ودون أن يعلم أحد ظروف استنطاقه".
وختم الناشط السياسي تدوينته بالقول: "في الأخير حُكم رشاد طمبورة بالسجن لمدة سنتين بعد 6 أشهر قضاها في الإيقاف"، وكلّ ذلك على رسم غرافيتي"، معقبًا أن الغرافيتي لم تعد تعتبر حرية وإنما تسمى "ارتكاب امر موحش في حق الذات العلية.. هذه تونس في عهد قيس سعيّد"، وفق ما جاء في تدوينته.
بدورها، استنكرت الناشطة السياسية والقيادية بجبهة الخلاص الوطني (معارضة)، في تدوينة لها على فيسبوك، الحكم الصادر في حق رشاد طمبورة.
وقالت عيسى: "رسام شاب حر طموح يجد نفسه في السجن ومحكومًا بسنتين فقط لأنه رسم، نقد، وعبر"، معقبة: "رشاد طمبورة قام بدوره كمواطن حر فاتهم بارتكاب أمر موحش في حق الرئيس".
المحامية إسلام حمزة تعتبر أن الحكم الصادر في حق رشاد طمبورة يندرج في إطار "الظلم والتشفي بنصوص وقوانين جائرة ومتخلّفة"
من جانبها، اعتبرت المحامية إسلام حمزة أن الحكم الصادر في حق رشاد طمبورة يندرج في إطار "الظلم والتشفي بنصوص وقوانين جائرة ومتخلّفة"، وفق توصيفها.
ومن جهاها، طالبت الجامعية والمديرة السابقة لدار الكتب الوطنية، رجاء بن سلامة بإطلاق سراح الشاب رشاد طمبورة.
وأضافت، في تدوينة لها على فيسبوك، "رشاد طمبورة دخل السجن بسبب خط على الحائط في دولة قال رئيسها إن الدستور الحقيقي هو ما خطه الشباب على الجدران".
الجامعية رجاء بن سلامة: "رشاد طمبورة دخل السجن بسبب خط على الحائط في دولة قال رئيسها إن الدستور الحقيقي هو ما خطه الشباب على الجدران"
ووجهت بن سلامة خطابها لقيس سعيّد قائلة: "أرجو ألّا يقصف القضاء وبعده السجن عمر هذا الشاب الطموح.. أطلقوا سراحه ليعيش ويساهم في بناء تونس جديدة، واحترموا تضحية أجيال وأجيال في هذه البلاد من أجل الحرية والعدالة"، وفق تعبيرها.
بدورها، كانت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات قد أدانت الحكم الصادر في حق رشاد طمبورة، الذي اعتبرت أنه "سجين حرية التعبير"، مطالبة بـ"رفع المظلمة المسلطة عليه، خاصة أن ما قام به ينضوي تحت الحق في حرية الرأي والتعبير المضمون دستوريًا والذي تحميه الاتفاقيات الدولية والإقليمة، والتي تعتبر الدولة التونسية مجبرة بأعمالها وضمانها لجميع مواطنيها بغض النظر عن مختلف مواقفهم وتوجهاتهم".
جمعية تقاطع: تتالي الانتهاكات يؤكد مواصلة نظام قيس سعيّد المضيّ قدمًا في انتهاج سياسات تكميم الأفواه من خلال منع المواطنين عمومًا من حقهم في حرية التعبير
وحذّرت الجمعية، في بيان لها، من "تتالي هذه الانتهاكات التي تؤكد مواصلة نظام قيس سعيّد المضيّ قدمًا في انتهاج سياسات تكميم الأفواه والأيادي من خلال منع المواطنين عمومًا من حقهم في حرية التعبير والرأي، وجرّ تونس إلى مربع الاستبداد الذي ناضل الشعب التونسي من أجل القطع معه"، وفق تقديرها.
ودعت الجمعية في ختام بيانها جميع القوى المدنية والسياسية إلى "التحّرك أمام تنامي هذه الأحكام الزجرية في حق الشباب، والوقوف صفًا واحدًا من أجل الدفاع عن الحق في حرية الرأي والتعبير، والمشاركة في الحياة السياسية، والتنديد بالانتهاكات الواقعة التي قد أعلنت من خلالها الدولة سياستها الموجهة لضرب الحقوق والحريات عامّة، منها حرية الرأي والتعبير"، حسب ما جاء في نص البيان.
يذكر أنّ المحكمة الابتدائية بالمنستير قضت يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023، بسجن الشاب رشاد طمبورة (27 سنة) بسنتين على خلفية رسمة جدارية، بتهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية بما يقتضيه الفصل 67 من المجلة الجزائية، وفق ما أكدته جمعية تقاطع.
وجاء في بيان الجمعية الذي نشرته الخميس 4 جانفي/ يناير 2024، أنّ الحكم بسنتين سجناً في حق رشاد طمبورة يأتي إثر رسمه "جرافيتي" ينتقد فيه رئيس الجمهورية، أثناء فترة تصاعد حملات العنصرية والكراهية ضد المهاجرات والمهاجرين من جنوب الصحراء، مؤكدة أنه طالب بجامعة الخط العربي بتونس، وأنّه "تم إيقافه يوم 17 جويلية/ يوليو 2023 داخل سيارة أجرة من قبل قوات الأمن الداخلي أثناء ذهابه لمزاولة مهنته" وفق البيان.
وتأتي هذه الحادثة في سياق عام تم فيه إيقاف عدد من الصحفيين والمدونين التونسيين وتتبعهم في قضايا مختلفة، ارتبط أغلبها بممارسة حقهم في حرية التعبير.