أطل الشاعر عبد الفتاح بن حمودة على مجمرة الشعر في تسعينيات القرن الماضي بكلية الآداب بمنوبة بتونس قادمًا من المهدية، تلك المدينة التونسية المنذورة للبحر والشعر، بيده موجة وريشة عصفور وتميمة هي آخر ما قدّمت الأم لابنها الخجول قبل أن يفد العاصمة.
في تلك الفترة من الزمن، كانت الجامعة التونسية منكفئة على نفسها، فقط هي تطرّز شالات من حبر تمنحها للعشّاق في المساءات عندما يبدأ موسم الرحيل والوداعات.
وحدها كلية الآداب بمنوبة، التي تحولت في ذلك الوقت إلى كوكب شعري ضاجّ بالتفكير والإبداع الثّقافي، لقد كان هناك جيل شعري منشق لا يعرف فلسفة التريّث ولا يريد الانتظار. لقد كسر الأسوار بمطرقة نيتشويّة ومعه انسكبت الجامعة في قلب الحياة الثقافية التونسية. وكان عبد الفتاح بن حمودة في قلب هذه المتغيرات مشاركاً في الأماسي الشعرية ومؤسسًا لتظاهرات شعرية طلابية وناشرًا أولى قصائده بالملاحق الثقافية التي كانت تصدر عن الصحف التونسية.
عبد الفتاح بن حمودة، وفي خضم تلك الموجة اختار لنفسه طريقًا وعرة بنحته بإصرار في صخرة قصيدة النثر، وأصرّ على ذلك بموهبة نادرة ليتحول إلى شعاع من شمس اجتمع حوله مريدون كثر من الشعراء وعشاق نواقيس النثر لتتحول معه تونس إلى ميعاد لشعر جديد بنكهة مغايرة.
ضيفنا في "الترا تونس" لا يزال يقود ألويته الشعرية بنبل وقوّة عبر ما سمّي "بحركة نص"، هذه الحركة التي عمّقت النهج الذي اختاره بن حمودة وحفره بعمق في الساحة الثقافية التونسية والعربية.
أصدر الشاعر عبد الفتاح بن حمودة إلى حد الآن 14 مؤلفًا شعريًا نذكر منها كتابه الشعري الأول الصباحات، الذي صدر عن الدار العربية للكتاب بتونس سنة 1996 ، وآنيّة الزّهر، الصادر عن دار التبيين الجزائرية سنة 1998 و الملكة التي تحبها العصافير، الصادر عن دار الإتحاف بتونس سنة 2002 ونزولاً عند رغبة المطر، الصادر عن منشورات كارم الشريف بتونس سنة 2012 وما لا تقوله الفأس وتذرفه الغابة، الصادر عن دار أروقة سنة 2016 وسعادة العشب، الصادر عن دار ميارة بتونس سنة 2020.
تنافذ "الترا تونس" مع عبد الفتاح بن حمودة بخصوص العديد من المسائل التي تهم الشعر التونسي والحياة الثقافية بشكل عام فكانت هذه هي هواجسه:
ـ أنجزت عديد الدراسات والبحوث والملفّات الخاصة بالشعر التونسي ونشرتها في تونس وخارجها وكنت دائمًا ما تعلّل ذلك بهاجس "كسر الطوق عن الشعر التونسي".. هل الشعر التونسي محاصر؟
نعم لقد فعلت ذلك لأنني عشت الحصار مع شعراء قصيدة النثر في التسعينيات من1996 إلى 2000 ومع الجيل الشعري الجديد أيضًا الذي عانى الكثير من سنة 2000 إلى 2011. ويبدو أنني سأعود إلى الخطوات نفسها لو قُدّر لي أن أعود إلى الوراء فقط مع بعض التّعديلات القليلة منها انفتاح "حركة نص" على كل الأشكال الفنية الأخرى رغم أن الحركة شعريّة بالأساس.
أشعر بشيء من الرضا بخصوص ما قدّمت من مئات المقالات في الصحف التونسية والعربيّة، إضافة إلى أربع دراسات نقديّة بالمعنى الأصيل للكلمة عن كتب رأيت فيها الإضافة منها دراسة عن الكتاب الشعري "بقايا نعاس" للشاعر نزار الحميدي وأخرى دراسة تجمع الشعر التونسي والمغربي من خلال أنموذجين رأيتهما خطيرين في قصيدة النثر مغاربيًا وعربيًا هما: خالد الهداجي من تونس وسكينة حبيب الله من المغرب. وأخرى عن الجيل الشعري الجديد ونشرت في مجلة الحياة الثقافية في جوان/ يونيو 2013 وأخرى عن المجموعة الشعرية الأولى للشاعر صابر العبسي "الوردة في منديل أبيض" وللأسف لم أستطع نشرها رغم أنها جاهزة لأني رأيت في تلك المجموعة تفرّدًا وحميمية والتصاقًا بالشعر وأسئلته، ومقالات جادة أخرى عن كتاب منتخبات من الشعر العراقي "شعراء مدينة البصرة" وعن المجموعة الشعرية الثانية "عرَق ذهني" للشاعر يوسف خديم الله، إضافة إلى عشرات المقالات عن كتب نقديّة وإصدارات شعريّة وسردية مختلفة ولكنّها مقالات بالمعنى الصحفي وليست بالمعنى الأكاديمي رغم جدّيتها.
بن حمودة: سعيت إلى ردم الهوّة بين الشعر والنثر فعندما اقتربت القصيدة من النثر وكسرته بالشعر وباستعمال الضمائر ودخول مجال التّسريد صارت الهوّة ضيّقة بين الشعر والنثر
للأسف الشديد تراجعت صحتي منذ بداية سنة 2017 مما أثر على مردودي في الكتابة وبدرجة أقلّ في القراءة. وهذا نتيجة الإنهاك والاستنزاف بسبب مراجعاتي لغةً وتحريرًا لكتب في مختلف الأجناس الأدبية ومجلات ورسائل جامعية (ماجستير وأطروحات) وكتب مترجمة تونسياً وعربيًا ما يناهز 500 عمل مدقّق ومحرّر خاصة في العقد الأخير. ولقد تخلّيت عن هذا كله وأبقيت على قراءات حرّة قليلة للشعر فقط ولكتب بعض الأصدقاء الشعراء... ولكن أبرز ما أنجزته فعلاً هو الملفّات عن الشعر التونسي ففي التسعينيات وبداية القرن أنجزت قرابة ثمانية ملفّات عن شعراء قصيدة النثر (خاصة عن شعراء التسعينيات) ونشرت في مجلات وصحف عربية مثل ضفاف بالنمسا ومرافئ بالمغرب وألواح بإسبانيا والحركة الشعرية بالمكسيك والزمان في لندن ومنها ما ترجم إلى الفرنسية والإسبانية.
وبعد الثورة، أنجزت قرابة ثلاثين ملف عن الشعر التونسي نشرتها في الصحف والمجلات العربية والتونسية مثل الكتابة الأخرى في مصر وأخبار الأدب في مصر والحياة الثقافية وصحيفة الشعب ومجلّة الكاتب الحر في تونس ومجلة أبابيل في سوريا ومجلة نصوص من خارج اللغة في المغرب ومجلة تكست في العراق والحركة الشعرية في المكسيك ومجلة بيت الشعر العراقي ومجلة رؤى الليبية وغيرها.
والآن بعد كل هذه الخطوات صار الشعر التونسي من أبرز الحركات الشعرية العربية بعد عقد واحد وذلك بفضل الشعراء الجدد أنفسهم وأغلبهم من شعراء قصيدة النثر. ويمكن القول إن مدّونة الشعر التونسي المعاصر تراكمت بشكل مذهل كمًّا وكيفًا خلال العقد الأخير. فيمكن أن تجد الآن قرابة مائة عمل شعريّ جادّ يمكن الوثوق بجودته وقيمته ليترجم أو يدرّس في الجامعات التونسية والعربية.
اقرأ/ي أيضًا: المنصف المزغني مكرّمًا.. "عصفور من حبر" في سماء الثقافة التونسية
ـ كنت تردّد دائمًا "أن هناك هوّة بين الشعر والنثر لا بد من ردمها" من أنشأ هذه الهوّة وكيف السبيل في اعتقادك إلى ردمها؟
نعم لقد سعيت إلى ردم الهوّة بين الشعر والنثر خلال ربع قرن وهي مسيرتي في الكتابة والقراءة. فعندما اقتربت القصيدة من النثر وكسرته بالشعر وباستعمال الضمائر ودخول مجال التّسريد صارت الهوّة ضيّقة بين الشعر والنثر خاصة مع بروز كتابة التأمّلات مثل كتابي "حركات الوردة" والشذرات على غرار "نباح أسود" للشاعر أشرف القرقني واليوميات مثل "واحد صفر للقتيل" لكمال الرياحي والسيرة الروائية مثل "الضوء الأزرق" للكاتب الفلسطيني الراحل حسين البرغوثي والقصة القصيرة جدًا.. ولقد ردمت الهوّة بين الشعر والنثر في كتابي "حركات الوردة: تأملات شعرية" الصادر في دار زينب 2014.
فأن تنجز كتابًا مخترقًا للحدود يضعك مباشرة مع مصيرك كائنًا منذورًا للفناء، هو بمثابة عمليّة كاميكاز يقوم بها مثلاً الكاتب الشذري أشرف القرقني الآن الذي شقّ طريقًا إلى ذاته والعالم رغم تعالي هذه الكلمة "العالم"، وهذا ما بحثت عنه في الأدب التونسي والعربي، كتاب يعيش ألف عام وسيكفّ شعراء ونقّاد كثيرون عن الثرثرة بعد ذلك.
سعادة العشب
ـ إذا سلمنا بسجال "التّجييل" في الشّعر ما الذي قدمه شعراء التسعينيات لمدوّنة الشعر التونسي؟
يمكن إنصاف جيل التسعينيات اليوم، فقد قدّم الكثير والمختلف عن أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات شعرًا وسردًا ونقدًا. فقد قدّم جيل التّسعينيات قرابة ألف عمل في مختلف الأجناس (ففي الشعر مثلاً صدر 441 عملاً شعريًا من 1990 إلى سنة 2000 وهذا ما يعادل ما أنتجته الأجيال الأربعة السابقة (الخمسينيات 15 عملاً، الستينيات 22 عملاً، السبعينيات 104 عملاً شعريًا، الثمانينيات 253 عملاً شعريًا، ومن سنة 2000 إلى 2009 ثمة 895 عملاً شعريًا، ومن 2010 إلى 2013 ثمة 420 عملاً شعريًا...) وهذه المعطيات موثّقة في كتاب بيبليوغرافيا الشعر التونسي من 1877 إلى 2013 الذي أنجزه الباحث التونسي مراد العلوي.
ويواصل جيل التّسعينيات الإنتاج إلى حدّ اليوم أعمالاً جادّة وطريفة ولها خصوصيّات يعرفها النقّاد ومن بينهم نقاد من جيل التّسعينيات. لكنّ مقولة الجيل تراجعت كثيرًا ولم يعد لها جدوى أصلًا فقد برز الآن جيل يكسر الحواجز كلّها.
فصارت الأعمال الأدبيّة تتراكم وتثبت جدارتها بالتميّز والحضور ونفاذها عند القارئ. خاصة بعد ظهور "حركة نصّ" الشّعريّة والحركة الشّعريّة الجديدة وأصوات أخرى مختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة. ولكن ما جدوى الأجيال أصلاً؟
فما قدّمه الشّاعر أشرف القرقني على سبيل المثل يفنّد هذه المقولة، في كتبه الشّعرية "تقريبًا" و"نشيد سيد السبت" و"حيوان عمودي" وخاصة في كتابه الشّذريّ/ الشجريّ "نباح أسود". فمع هذا الشاعر انتفت مقولة الأجيال الشعريّة إلى الأبد.
بن حمودة: قدّم جيل التّسعينيات قرابة ألف عمل في مختلف الأجناس وهو يواصل الإنتاج إلى حدّ اليوم أعمالاً جادّة وطريفة ولها خصوصيّات يعرفها النقّاد
ـ هل يمكن القول إنه بفضلك تحولت تونس إلى عاصمة عربية لقصيدة النثر؟
لا ليس صحيحًا ولكن بفضل جهود شعراء كثيرين وأنا من بينهم وأعمل إلى جانبهم مُعَدِّلاً ساعتي عليهم باستمرار، صار لقصيدة النّثر التونسيّة طعم خاصّ وأوّلهم الشّعراء: فضيلة الشابي ومنصف الخلادي وعزوز الجملي وعبد الباسط بن حسن ويوسف خديم الله ومحمد علي اليوسفي وآمال موسى وميلاد فايزة وفتحي قمري وعبد الواحد السّويح ورضا العبيدي وعادل جراد وسعيف علي ومحمد بوحوش وهادي الدبابي والطيب شلبي وسامي بيداني وجمال الجلاصي وفاطمة بن فضيلة ولمياء المقدّم ورحيم الجماعي وتوفيق الشابي وسامية ساسي والسيّد التوي ومحمد جلاصيّة وأشرف القرقني وخالد الهدّاجي وأمامة الزّاير ومحمّد العربي وصلاح بن عياد وأنور اليزيدي وفاطمة كرومة وصبري الرّحموني وسفيان رجب وجميل عمامي ونجوى الروح الهمامي ومحمد الناصر المولهي وسامي المسلماني ومنير عليمي وحمدي فتني وغيرهم..
يمكن القول إنه بفضل هؤلاء صار للشّعر التونسي المعاصر حضور عربي لكن لحضور الشّعر التّونسي اليوم مذاق خاصّ مع شعراء مثل منصف الوهايبي وآدم فتحي ومحمد الغزي وفتحي النصري وحافظ محفوظ ومحمد الخالدي ونصر سامي وعادل المعيزي ومحمد النجار ونزار الحميدي وناظم بن إبراهيم وصابر العبسي وزياد عبد القادر وفريد سعيداني ومنى الرزقي وغيرهم..
ـ "حركة نص" التي أسّستها بعد الثورة مع مجموعة من الشّعراء هل يمكن تشبيهها بحركة "شعراء الطليعة" التي عرفتها السّاحة الثقافية التونسية في سبعينيات القرن الماضي وأنتجت سياقًا شعريًا ثبّته التاريخ ولا تزال شظاياه إلى اليوم؟
"حركة نصّ"، حركة شعريّة برزت في وقت صعب في خضمّ الثورة التونسية بداية 2011 ببيانات موثّقة ولها إرهاصات سابقة خفيّة وظاهرة. لو تمّ تأجيل ظهورها سنوات قليلة فقط، لكانت مختلفة تمامًا وبأصوات شعريّة مختلفة تعصف بالموروث وتجعله يجابه مصيره مباشرة.
نشرنا نحن أبناء حركة نص كتابًا جمعتُه الشاعرة أمامة الزاير إثر خمس سنوات من العمل وصدر عن دار رسلان 2015 ولنا كتاب مخطوط ضخم مزدوج من 2016 إلى 2020 (الثالث والرابع) جمعته أيضًا الشاعرة أمامة الزاير في 440 صفحة مثل حجم الكتاب المزدوج الأول والثاني ولم يصدر بعدُ.
وليس ثمّة أي تشابه بين حركة الطليعة وحركة نص بجميع المقاييس، نتيجة لاعتبارات ثقافية وفنية وأدبية ونتيجة لاختلاف السّياقات التاريخيّة، سعى البعض إلى مهاجمتها وسعى البعض إلى دعمها، ولكنها لا تزال حركة فتيّة قد تعيش وقد تندثر مثل غيرها.
بن حمودة: "حركة نص" حركة شعريّة برزت في وقت صعب في خضمّ الثورة التونسية بداية 2011 ببيانات موثّقة ولها إرهاصات سابقة خفيّة وظاهرة
حركة نص
ـ في لحظة ما من التاريخ الثقافي التونسي كانت الجامعة التونسية معينًا لا ينضب للشعر والشّعراء لكن اليوم توقفت أبرز الأنشطة الشّعرية وعلى رأسها "مهرجان الشّعراء الطلبة" الذي شكل لسنوات طويلة جسرًا دؤوبًا بين الفضاءات الجامعية والساحة الثقافية.. ما رأيك؟
نعم كان للأيام الشعريّة بكلية الآداب بمنوبة وملتقى الشعراء الطلبة دور مهمّ في المشهد الثقافي وفي الحراك الشعريّ لكنّ بعض الملتقيات كانت ملغومة فكرّست مع الإعلام مقولة جيل التسعينيات. وفي هذا كان الخطر على الشّعر ذاته، فعلى الشعر أن يظل حرًّا طليقًا. فعندما يتحرّر الشعر من المهرجانات والملتقيات والبيوت يولد الشعر. وهنا أستحضر مقولة الشاعر والباحث التونسي زياد عبد القادر " لا بيت للشعر".
ـ هل أنت مع الفكرة التي راجت مؤخّراً والتي مفادها بعث حزب للمثقفين والفنانين وذلك جرّاء غياب تصورات وبرامج استراتيجية ثقافية داخل الأحزاب الحاكمة؟
في اعتقادي هذا هراء وكلام فارغ وكلام مراهقين وسماسرة وتجّار. فنحن على رأي الأستاذ الشاعر سليم دولة بمقولته الشهيرة التي لابدّ من تعليقها في كل بيت "لا رئيس لي سوى رأسي". إننا نعيش في زمن عبوديّة جديدة هي عبودية الأحزاب. وعلى الشّعر أن يحارب من أجل معركة التحرّر من ربقة السياسة والأديان.
ـ كنيتك الشّعرية هي "إيكاروس"، لماذا هذا الاختيار؟
لقد عدت بي إلى سنة 1993 في كلية الآداب بمنوبة في سنوات التيه والمطر والصباح العشبيّ الفيروزيّ. هي تسمية أو كنية، تأثّرًا بنصّ عن إيكاروس ووالده ديدال في كتاب "التحولات" للشاعر اليوناني أوفيد. وهي رمز للطموح. ففكرة الطيران هي لدى كلّ شاعر في الحقيقة. الطيران هو الشعر ذاته والطائر الحقيقي هو الشعر.
بن حمودة: على الشعر أن يحارب من أجل معركة التحرّر من ربقة السياسة والأديان
اقرأ/ي أيضًا: حوار| لطفي الشابي: الرواية احتضنت الشعر والدولة غير بريئة في دعمها للكاتب
ـ "نقابة كتّاب تونس" التي كنت أحد وجوه تأسيسها البارزين سنة 2010 والتي جمعت المنشقّين من الكتّاب.. هل لا يزال لها ذكر وعمل؟
كان ميلاد نقابة كتّاب تونس عملًا فريدًا في حدّ ذاته في صيف 2010 وضمّت الكتاب المسحوقين والمنبوذين والمهمّشين إداريًا وماديًا واجتماعيًا. قامت النقابة بدورها بتشغيل الأدباء الشبان كلّهم دون استثناء وأعادت الشّعراء المطرودين إلى العمل وانتهى الأمر. انتهت النقابة رسميًا عام 2014. حاولت الأخت فاطمة بن فضيلة إعادة تأسيسها من جديد في الاتحاد العام التونسي للشغل ولكن لا أعتقد أنها صارت مجدية الآن في ظلّ وجود اتحاد الكتاب ورابطة الكتّاب الأحرار. على الأدب أن يكون خارج المنظمات والبيوت كي يظلّ حرّاً.
ـ هل تغيّر "اتحاد الكتاب التونسيين" بعد الثورة ليصبح مسايرًا لهموم الكتاب والمبدعين؟
لم يتغيّر. كان يمكن أن يتغيّر بانتخاب محمد بوحوش رئيسًا وبأسماء جديدة تمامًا غير تلك الموجودة والمكرّسة والقديمة و"المتقادمة". لن يتغيّر أبدًا. لقد افتتح "بارًا" جديدًا لم أدخله أبدًا. إذا كان الإنجاز "بارًا" مثل "بار الصحافيين" الذي غادرته أيضًا قبل ثلاث سنوات من إغلاقه، فيا خيبة المسعى. ربما كان نشر أطروحة الأستاذ عبد القادر عليمي أهمّ إنجاز لاتحاد الكتاب التونسيين. فهو اتحاد بلا نقد أو نقّاد تقريبًا. هل ثمّة جائزة سنوية للنقد التونسي؟ وهل ثمة جائزة سنويّة للشعر التونسي؟ لا شيء، سوى نوادٍ قديمة مثل أي ناد في أي دار ثقافة تونسيّة.
ـ من خصائص مدوّنتك الشّعرية "التّسريد" إذ لا تخلو قصيدة من إطار زماني ومكاني وشخوص وأحداث.. لماذا هذا الاختيار؟
ليس التسريد مسألة جديدة في الشعر العربي الحديث فقد أفلح فيه الشّعراء الروّاد مثل محمد الماغوط وسعدي يوسف وسركون بولص الراحل رياض الصالح الحسين وغيرهم.
التسريد والضمائر والتفاصيل أشياء أنزلت الشعر العربي من عليائه وجعلته شيئًا يوميًّا. وعندما صار الشعر يوميًّا وسيرة شخصيّة غادرته وبكيت.
بن حمودة: التسريد والضمائر والتفاصيل أشياء أنزلت الشعر العربي من عليائه وجعلته شيئًا يوميًّا
ـ هل تمّ إنصافك يا "إيكار"؟
نعم أشعر أنني أنصفت جيلي (التسعينيات) والجيل الجديد والشعر التونسي بكلّ ما أنجزت. لم ينصفني جيلي ولكنّ الشعر أنصفني تونسيًا وعربيًا فقد تُرجمت بعض نصوصي إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والإيطاليّة. وأُنجزت عن كتبي قرابة 35 دراسة نقديّة تونسيًا وعربيًا. رفضت المشاركة في ستّة ملتقيات دوليّة خارج تونس لأسباب مختلفة منها ما يتعلّق بالكيان الصهيوني ومنها ما يتعلّق بشكل الاستضافة اللائقة. ورفضت حضور قرابة 25 لقاء أدبيًا في تونس. فلم أعد أؤمنُ بالملتقيات والمهرجانات أبدًا بل بالكتابة والقراءة فقط.
ـ من هو الشاعر العربي الذي كنت تتمنى أن تنجز عنه عملاً نقديًّا؟
هو صلاح فائق دون شكّ وكم كنت أتمنى أن أنجز أخطر كتاب نقديّ عن الشعر التونسي لكن سبقني إليه الشاعر والناقد السيّد التويّ.
الصباحات
اقرأ/ي أيضًا:
منور صمادح.. شاعر الحرية الذي ظلمته دولة الاستقلال
الكاتب التونسي في زمن الكورونا.. غيمة الوباء قد تمطر أعمالًا أدبية