مقال رأي
الديمقراطية هي وليدة أفكار وتجارب وما بلغت إليه ثقافات وشعوب، ولكن، حينما نسعى لتأسيسها في بلد ما، فهي لا يمكن أن تأتي من الخارج. الديمقراطية لا تحملها مدافع دولة محتلة ولا تفرضها خيارات دبلوماسية لدولة أخرى.
الديمقراطية المعبّرة عن حكم الشعب لنفسه بنفسه هي بالضرورة وليدة الشعب بنخبه وإرهاصاته وديناميكيته
الديمقراطية المعبّرة عن حكم الشعب لنفسه بنفسه هي بالضرورة وليدة الشعب بنخبه وإرهاصاته وديناميكيته. ويبيّن التاريخ أن مشاريع فرض الديمقراطية أجنبيًا بالقوّة لم تكن إلا مشاريع احتلال تتضاد مع السيادة ولم تنتج قطعًا ديمقراطية.
تتعدّد اهتمامات البعض بكواليس تناول الملف التونسي في عدد من البلدان الغربية لكن بشكل مبالغ فيه يسعى لتصوير أن مآل المشهد التونسي هو رهين قرار أجنبي. ليس فقط واهم من يعتقد أن استعادة الديمقراطية في تونس هي رهين خيار أجنبي، بل هو مشبوه أيضًا.
وينطلق هذا الاعتقاد من معتقدات غير سليمة أولّها أن العامل الأساسي في تحديد المشهد السياسي في الداخل هو العامل الأجنبي، وهذا غير صحيح. والاعتقاد ينطلق أيضًا من ضمنية أن مصلحة الدول الديمقراطية في الغرب هي استعادة الديمقراطية في تونس، وهذا غير دقيق ليس فقط باعتبار أن مصلحة دول الغرب ليست موحّدة ومختلفة بل متعارضة أحيانًا، بل أن المشكل في تحديد أي مصلحة. إن ما كانت المصالح وليست القيم هي أساس العلاقات الدولية، فلا يتم الحديث مثلًا عن ترويج الديمقراطية ضمن الخطط الديبلوماسية إلا كقيمة تخدم توسيع المصالح وليس كقيمة في ذاتها لفائدة الشعوب.
ليس فقط واهم من يعتقد أن استعادة الديمقراطية في تونس هي رهين خيار أجنبي، بل هو مشبوه أيضًا
عوامل عديدة في الأثناء أدت لتراجع الحساسية الديمقراطية في سلّم الخيارات الدبلوماسية للدول الغربية، ومنها صعود اليمين المتطرّف الذي لم يكن بدوره إلا نتاجًا لأزمة الديمقراطية في بيئة صعوده.
في هذا السياق، ساهمت عوامل مستجدة منها أزمة كوفيد 19 وحرب أوكرانيا والركود العالمي في تسجيل تراجع في نصف ديمقراطيات العالم وذلك بحسب المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية في ستوكهولم. الديمقراطية لم تعد بوابة سحرية جاذبة.
في الأثناء، يؤشر تعامل الدول الغربية مع تطورات المشهد السياسي في تونس منذ 25 جويلية/يوليو 2021 على حقيقة طبيعة العلاقات الدولية، وعلى حقيقة أن الأمر الواقع هو الذي يقود بالنهاية.
الصورة نفسها كانت في مصر في انقلاب يوليو 2013، بل هي ذاتها في جميع التجارب التي تشهد انتكاسة للديمقراطية بقوّة أجهزة الدولة. التفاعل لا يختلف بين ترقّب وتنديد أحيانًا ومتابعة فتعامل مع الأمر الواقع، وهكذا دواليك. هذا الأصل. ولكن البعض للأسف يُمني النفس بموقف حازم من دولة غربية ما لصالح الديمقراطية في تونس، وأن غايتها هي استعادة السيادة الشعبية وضمان الحقوق والحريات. هو ضرب من العبث.
الصورة نفسها كانت في مصر في انقلاب يوليو 2013، بل هي ذاتها في جميع التجارب التي تشهد انتكاسة للديمقراطية بقوّة أجهزة الدولة. التفاعل الغربي لا يختلف بين ترقّب وتنديد أحيانًا ومتابعة فتعامل مع الأمر الواقع
من المهمّ الإشارة، في الأثناء، إلى واقع التشبيك مع قوى الضغط في الخارج كالأحزاب اليسارية مثلًا للضغط على الحكومات على اتخاذ سياسات لفائدة المسار الديمقراطي في تونس، وذلك من طبيعة الخريطة الدبلوماسية المعاصرة. ولكنه فعل لا يؤثر بالنهاية، وفي الصميم، على خيارات الدول التي قوامها تأمين مصالح موجودة أو فرض مصالح مستقبلية.
المعارضة الديمقراطية في تونس زمن الاستبداد طيلة عقود سابقة هي أكثر من يعرف حدود التأثير الأجنبي، وبالخصوص يعرف مخاطره ومنها الوصم بالعمالة أمام السلطة. زمن بن علي بالخصوص، استثمر الغرب من خلال أنظمته في مصالح شتّى فيما ظل الخطاب الحقوقي يتصاعد ويخفت بحسب الحاجة للضغط عليه.
الرياء الحقيقي هنا وهو ادعاء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والغاية هي إنهاك لفرض مصلحة. نشر الديمقراطية في خطاب الدول في الخارج هو خطاب مصلحة وتوسّع لا خطاب قيم واحترام سيادة الشعوب.
الخارج الديمقراطي ليس مدافعًا نبيلًا عن الديمقراطية بل هو مدافع شرس عن مصالحه ولا سبيل لاستعادة الديمقراطية في تونس إلا بأيادي الديمقراطيين التونسيين فقط
وبالنهاية، الخارج الديمقراطي ليس مدافعًا نبيلًا عن الديمقراطية بل هو مدافع شرس عن مصالحه. الديمقراطية لا تأتي من الخارج بل حصرًا لا تأتي إلا من الداخل. ولذلك لا سبيل لاستعادة الديمقراطية في تونس إلا بأيادي الديمقراطيين التونسيين فقط.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"