19-مارس-2018

علي الزليطني في اجتماع في قاعة الفتح ديسمبر 1955 (كتاب محمد حفظي الزليطني)

ظلم التاريخ الكثيرين في تونس وفي دول أخرى، ولعل علي الزليطني من بين أبرز مناضلي تونس المظلومين. هذا الرجل الذي كافح من أجل الاستقلال عن فرنسا لكن عند بلوغ مراده، كان في غياهب السجون. وهو ذات الرجل الذي لم يشفع له نضاله ضد المستعمر، فقوبلت تضحياته بسنوات طويلة من السجن، لاصطفافه مع صالح بن يوسف في خياراته حينها.

تحدث عنه محمد عبد الكافي، وهو مناضل وناشط سياسي وكاتب، كما سبق وأن حكم عليه بالإعدام في المحكمة الكبرى لسنة 1957 رفقة الزليطني، في مقدمة كتاب "الزعيم علي الزليطني، سيرة ونضال": "لقد أحب علي الزليطني وطنه حبًا عديم أو قليل النظير فقضى ثلثي عمره في السجون والمنافي والأشغال الشاقة وأمرّها تلك التي أرداه تحت ثقلها رفاق الأمس ورفاق الدرب تحت تأثيرات الطمع والحسد والتحزب الضيق وغرور الحكم مع الاستجابة لآراء وإثارات الخارج الغريب".

لم يشفع لعلي الزليطني نضاله ضد المستعمر، فقوبلت تضحياته بسنوات طويلة من السجن، لاصطفافه مع صالح بن يوسف في خياراته حينها

الزليطني

علي الزليطني

 

بالعودة للبداية، ولد على الزليطني، أحد أبرز الشخصيات الوطنية والمغيبين عن التاريخ التونسي، سنة 1913 بحومة السوق بجزيرة جربة، في جنوب شرق تونس، لعائلة تعود أصولها إلى بلدة "زليطن" الليبية، وقد سبقه والده إلى النضال ضد المستعمر عندما اعتقل من قبل السلطات الإيطالية في ليبيا سنة 1911 ونفي إلى إيطاليا فترة لدوره في محاربة الاستعمار الإيطالي لليبيا.

اقرأ/ي أيضًا: ساقية سيدي يوسف.. تاريخ نضالي آخره مأساة

يجزم عديد المؤرخين أن علي الزليطني هو أول من بعث الحركة الوطنية في جربة ووضع حجر الأساس لها. في هذا السياق، جاء في كتاب أخيه محمد حفظي الزليطني "الزعيم علي الزليطني، سيرة ونضال" أن "أخيه قد سافر سنة 1934 إلى العاصمة التونسية والتقى بالشاذلي خير الله، رئيس الديوان السياسي الثاني وصاحب جريدة صوت التونسي، وأخذ منه أول بطاقة انخراط في الحزب الحر الدستوري (أول حزب وطني يتأسس بالبلاد التونسية في مارس 1920). كان من الرعيل الأول في الحزب، وبدأ الدعاية للحزب لتأسيس الشعبة الأولى في جربة".   

ويضيف في توضيح انطلاق النشاط ضد المستعمر في جربة في ثلاثينيات القرن الماضي: "عاد علي إلى جربة وشرع في عمله الوطني سرًا، أذكر أنه كان يستشير والدنا عمّن يستثيق فيهم ويعتمد عليهم من الناس ليستعين بهم فكان والدنا يشير عليه.. ويخرج علي من البيت خلسة تحت جنح الظلام ولا يعود إلا بعد منتصف الليل فيجد والدنا في انتظاره فيخبره بما فعل".

ويوضح: "استمر علي على هذه الحال مدة ثم عقد اجتماعاً باثني عشر شابًا من الأصدقاء هم السادة: حسن القرلي، حسن قروز، سعيد محيّة، أحمد الطبل، عمر بوصفارة، محمد الزراع، عبد الله بطيخ، عبد المجيد القاضي، الطاهر العكروت، محمود الزريعة، الطاهر بطيخ، والطاهر العزابي. فأفهمهم القضية وبيّن لهم وجوب إنشاء شعبة دستورية بجربة، فكانت هذه المجموعة هي النواة الأولى للحركة الدستورية بجزيرة جربة وتم تكوين الشعبة بحومة السوق سنة 1936".

يذكر من عاصروه وسجلوا شهاداتهم، ما بعد ثورة 2011، أن هذا الرجل قام بمجهودات عظيمة لبعث شعب دستورية بمختلف القرى في جربة. وأنه سخر حياته خلال تلك الفترة للدعاية للحزب وجذب الأنصار نحوه. وانتخب في المجلس الملي وكان عضوًا في الجامعة الدستورية بالجنوب، ثم تحوّل إلى طرابلس مبعوثًا من الحزب وكان رئيس مكتب الحزب هناك ولقي دعمًا واسعًا من المناضل الليبي الهادي المشيرقي.

بعد أحداث 9 أفريل/ نيسان 1938، وهي احتجاجات شعبيّة في تونس طالبت بإصلاحات سياسية، ومن ذلك إحداث برلمان تونسي، وكانت هذه الأحداث خطوة أساسية نحو استقلال تونس، ولم يستطع المستعمر الفرنسي حينها السيطرة عليها إلا بعد سقوط عديد الشهداء، حكم على الزليطني بثلاث سنوات سجنًا وبغرامة مالية وكانت تهمته التآمر على أمن الدولة، وتنقل إثر ذلك إلى عدد من السجون والمحتشدات.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. "الخلدونيّة" مدرسة التحديث والمقاومة

في الأربعينيات، كان الزليطني يتنقل بين عديد المناطق بتونس، داعيًا للحزب الدستوري الجديد وللنضال ضد المستعمر، وهكذا قررت لجنة المقاومة التونسية إيفاده إلى طرابلس للإشراف على تمرير الأسلحة وتهيئة استقبال المناضلين التونسيين. وساهم الزليطني في عديد المهمات الأخرى ومنها المساعدة على الكشف عن عناصر "اليد الحمراء".

غيّب التاريخ الرسمي في تونس علي الزليطني كما غيّب غيره من المناضلين لكن ثورة 2011 والدعوات لإعادة كتابة التاريخ ساهمت في تسليط الضوء على البعض من منجزهم

لكن نقطة التحول الرئيسية في حياته كانت حين تبنى رؤية صالح بن يوسف للنضال ضد المستعمر الفرنسي، وبن يوسف هو أحد أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية. عارض سنة 1955 الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة مما أدى إلى حدوث صدام بينهما. وأدى الخلاف إلى حدوث شرخ في الحزب الدستوري وإلى دخول أنصار الفريقين في صراع مفتوح، وفي ظل هذا الصراع وعند معارضته لاتفاقيات الاستقلال الداخلي، قبض عليه يوم 28 جانفي/ يناير 1956 وحكم عليه بعشرين سنة أشغالا شاقة. وحرم من خصص جزءًا واسعًا من شبابه يناضل ضد المستعمر من عيش لحظة الاستقلال. 

 

الزليطني

علي الزليطني في محاكمة جانفي 1957 (كتاب محمد حفظي الزليطني)

 

أطلق بورقيبة سراحه وعفا عنه في 30 ماي/ آيار 1960، لكنه سرعان ما عاد إلى السجن في 22 جويلية/ يوليو 1968 بتهمة التآمر للإطاحة بالرئيس بورقيبة لكن المحكمة أطلقت سراحه لعدم ثبوت الإدانة.

توفي الزليطني يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1976، بعيدًا عن الأضواء. دفع ثمن اختياراته غاليًا، وأهمله "التاريخ الرسمي"، لكن محاولات إحياء الذاكرة الوطنية في تونس والدعوات لإعادة كتابة التاريخ التونسي، والتي تصاعدت بعد ثورة 2011، بعثت في اسم علي الزليطني روحًا من جديد.

 

المصادر:

منتدى الذاكرة الوطنية من تنظيم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ـ ديسمبر 2008

الزعيم علي الزليطني، سيرة ونضال محمد حفظي الزليطني دار صامد للنشر والتوزيع ـ  2012