20-فبراير-2019

لا يزال إجراء البنك المركزي يثير جدلًا واسعًا (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

تعيش تونس أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات تمثلت في مؤشرات سلبية انتقلت من مرتبة السلبية إلى مرتبة الخطيرة في السنوات الأخيرة. وتعتبر سنة 2018 سنة الأرقام القياسية بالنسبة للاقتصاد التونسي، إذ وصل عجز الميزان التجاري لأول مرة في تاريخ تونس إلى 19 مليار دينار، كما تراجعت مخزونات العملة الصعبة ولأول مرة منذ 2010 إلى ما يقارب 69 يوم توريد. لكن تراجع الدينار التونسي يعتبر الأكثر كارثية حيث وصل الدولار الأمريكي إلى ما يقارب 3.0665 دينار في سعر الصرف بين البنوك فيما وصل اليورو الواحد إلى 3.4652  دينار. انهيار الدينار جاء نتيجة عدة تراجعات منها تراجع السياحة وأزمة الفسفاط وارتفاع نسبة التضخم.

اليوم جاء قرار البنك المركزي التونسي ليعمّق من الأزمة أكثر بعد الترفيع في نسبة الفائدة المديرية من 6.75 في المائة إلى 7.75  في المائة. هذا الترفيع، ورغم أن البنك المركزي برّره بمواجهة ارتفاع نسبة التضخم، فمن المنتظر أن تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني حسب تأكيدات مختصّين.

محافظ البنك المركزي: الترفيع الكبير جاء كإجراء حمائي من أجل استباق الأزمة وتخفيف وطأة التضخم

اقرأ/ي أيضًا: البنك المركزي يرفّع في نسبة الفائدة المديرية

قرّر البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية لمواجهة نسبة التضخم، عملية مراقبة منتظمة يقوم بها البنك المركزي في كل مرة لحفظ توازن السوق ولتقليص حجم السيولة، لكن المفاجأة في قرار المركزي التونسي هي الترفيع بـ100 نقطة كاملة ولأول مرة بذلك تتجاوز نسبة الفائدة المديرية نسبة التضخم.

محافظ البنك المركزي مروان العباسي وخلال ندوة صحفية عقدت بمقرّ البنك قال إن "هذا الترفيع الكبير جاء كإجراء حمائي من أجل استباق الأزمة وتخفيف وطأة التضخم"، مضيفًا "لقد جربنا الزيادة بنسبة 0.25 في المائة و0.50 في المائة، ولكن هذه الزيادات لم توقف النزيف ومفعول تعديلات الفائدة المديرية لم يكن له أي أثر، هذه المرة فكرنا في الوصول إلى المنطقة الإيجابية وهي تجاوز نسبة التضخم والتي حسابيًا وصلت إلى 7.5 في المائة". وقد بدأت نسبة التضخم تأخذ منحى تصاعديًا منذ 2017.

المصدر: موقع البنك المركزي والمعهد الوطني للإحصاء

وقد شهدت سنة 2018 عددًا من الترفيعات في نسب الفائدة المديرية، إذ انتقلت في شهر مارس/ آذار من العام 2018 من 5 في المائة إلى5.75  في المائة وارتفعت في جوان/ حزيران من 5.75 في المائة إلى 6.75 في المائة لتصل في فيفري/ شباط2019  إلى 7.75 في المائة.

وفي مقابل وجهة نظر البنك المركزي والتي تؤكد أن هذا الترفيع جاء لمقاومة التضخم، يقول خبراء إن "هذا الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ستكون تبعات كارثية على الاقتصاد التونسي".

عز الدين سعيدان لـ"ألترا تونس": لن يفيد هذا الإجراء في شيء بل على العكس سيكون سببًا في تدمير القدرة الشرائية للمواطن وستبقى الحاجة إلى الترفيع في سعر الفائدة متواصلة

اقرأ/ي أيضًا: اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف: إجماع حول رفض الترفيع في الفائدة المديرية

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، لـ"ألترا تونس"، أن هذا الترفيع لم يكن مفاجئًا، وفق تقديراته، مضيفًا "ما يقلق في هذا الإجراء الذي اتخذه البنك المركزي أنه أحادي ولم يأت ضمن استراتيجية لإصلاح الاقتصاد أو الترفيع في الدينار، لن  يفيد هذا الإجراء في شيء بل على العكس سيكون سببًا في تدمير القدرة الشرائية للمواطن وستبقى الحاجة إلى الترفيع في سعر الفائدة متواصلة".

ويشدد سعيدان كذلك على أن هذا الترفيع سيتسبب في ارتفاع كتلة الاقتراض حتى في ما يتعلق بالقروض القديمة مما سيسبب تراجعًا في المقدرة الشرائية للمواطن، مبينًا أن ارتفاع  كتلة الإنتاج للمؤسسات الاقتصادية وبالتالي ارتفاع البيع سيغذي التضخم المالي، وبالتالي ارتفاع كلفة الاستثمار، الأمر الذي لا يشجع على خلق مواطن شغل، إضافة إلى ارتفاع حجم الديون بصفة مباشرة.

يذكر أنه لم تمض أيام على انتهاء الحكومة من حلّ أزمة التعليم من خلال الموافقة على مطالب الجامعة العامة للتعليم الثانوي والتي كانت في أغلبها مطالب مادية، والتوقيع على قرار الترفيع في الزيادة في الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية، حتى أعلن البنك المركزي الترفيع في سعر الفائدة مما يجعل هذه الزيادات بلا وزن، وفق الكثيرين وهو ما عبر عنه صراحة أمين عام اتحاد الشغل، ويضع  الحكومة في وضع محرج.

في المقابل، يرى محافظ البنك المركزي في اتخاذ إجراء الترفيع في نسبة الفائدة المديرية في هذا التوقيت بالذات "تأكيدًا لاستقلالية قرار البنك المركزي التي مكّنته من اتخاذ 'قرارات صعبة مماثلة في ظرف يتسم بالحساسية وفي سنة انتخابية''. 

عز الدين سعيدان لـ"ألترا تونس": أصبحت البنوك تفرض على الدولة نسبة فوائد مرتفعة ووصل معدل هذه القروض إلى 22 مليار دينار

هناك متضررون من قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، لكن في المقابل هناك مستفيدون أيضًا وهم غالبًا البنوك، التي ورغم الأزمة الاقتصادية، لا تزال تحقق أرباحًا. ويوضح الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، خلال حديثه لـ"ألترا تونس" أن "البنوك لا تدفع فوائد على ودائعها وفي ظل هذا الترفيع يمكنها إقراضها بأسعار مرتفعة جدًا وهو ما يجعلها تجني أرباحًا طائلة".

وفي ظل أزمة الديون، اتجهت الدولة إلى الاقتراض الداخلي وهو ما يعتبر مصدر آخر للأرباح حسب سعيدان، الذي يبيّن أن "الدولة التونسية التجأت إلى الاقتراض من الداخل بشكل مكثف جدًا، فأصبحت البنوك تفرض على الدولة نسبة فوائد مرتفعة ووصل معدل هذه القروض إلى 22 مليار دينار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدينار التونسي: تدهور مستمر وزلزال اقتصادي محتمل!

كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد التونسي منذ 2010 وإلى اليوم؟