الترا تونس - فريق التحرير

 

تعرّض عدد من الأساتذة الجامعيين وأساتذة التعليم الثانوي إلى اعتداء على "حرياتهم الفردية" من قبل عون أمن في أحد المقاهي المفتوحة للعموم بمدينة صفاقس خلال نهار شهر رمضان. وبيّن الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي ومدير قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس عبد المجيد الجمل، الذي كان من بين هؤلاء الأساتذة، أنه "كان مع بعض الأساتذة من التعليم الثانوي بأحد المقاهي عندما دخل عون أمن بزي مدني وطالب ببطاقات التعريف، فطلب منه بطاقة هويته الأمر الذي دفعه إلى ردّ الفعل بغضب وإظهار مسدسه الشخصي قائلًا أمام الجميع "هذه هويتي"".

عبد المجيد الجمل (أستاذ جامعي) : الحريات الفردية تشهد ردة ما بعد الثورة والبعض من رجال الأمن يحتاجون إلى مزيد من التكوين على المستوى القانوني والحقوقي

وأضاف الجمل، في تدوينة نشرها بحسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الأحد 19 ماي/ أيار 2019، أن عون الأمن لم يكتف بذلك بل طلب منهم مرافقته إلى منطقة الأمن، مبينًا أن رئيس المركز تعامل معهم باحترام كبير واستوضح المسألة وسجّل بعض المعطيات حول هوياتهم وقام بإيصالهم إلى نفس المكان الذي خرجوا منه بسيارته الخاصة.

واعتبر الأستاذ الجامعي أن "مسألة الحريات الفردية تشهد ردّة ما بعد الثورة"، مشيرًا إلى أن البعض من رجال الأمن يحتاجون إلى مزيد من التكوين على المستوى القانوني والحقوقي.

وقد أثارت هذه الحادثة جدلًا كبيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي وعبّرت عدة شخصيات عن مساندتها للأساتذة واستنكارها لهذا الانتهاك الذي طال الحريات الفردية.

وعبّر الأستاذ الجامعي عثمان برهومي، في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك، عن مساندته لعبد المجيد الجمل مذكرًا أن الفصل 6 من الدستور التونسي ينصّ على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي، ويحجّر التكفير والتحريض على العنف"، متسائلًا "أم أن ذلك حبر على ورق؟".

رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان:  مداهمة المقاهي مجاراة للدعوات المنادية بمحاصرة حرية المعتقد وتلتقي موضوعيًا مع فكر الحركات الإرهابية

من جهتها، أكدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان لها، الاثنين 20 ماي/ أيار 2019، أنه منذ بداية شهر رمضان يتواتر التعدي على الحريات الشخصية والمساس من الحقوق الفردية لغير الصائمين، لافتة إلى أنه من أبرز مظاهر ذلك مداهمة المقاهي المفتوحة ومحاصرتها من طرف أعوان الأمن خلال النهار وترويع مرتاديها بحجج واهية منها البحث عن المجرمين والمفتش عنهم.

وبيّنت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان أن هذا الأمر حصل في عدة مدن منها بوعرقوب من ولاية نابل والمروج من ولاية بن عروس وسوسة والقيروان وصفاقس، مضيفة أنه فضلًا عما تعكسه تلك المداهمات من رغبة في إحراج غير الصائمين فقد كانت مصحوبة في كثير من الأحيان بنوع من الضغط اللفظي والمعنوي وانتهت باقتياد بعض المواطنين إلى مراكز الأمن (صفاقس) وحتى إيقاف أصحاب المقاهي (القيروان).

وعبّرت الرابطة عن تنديدها القوي بهذه المداهمات، معتبرة أنها انتهاك صارخ لحرية المعتقد والضمير الكفولة دستوريًا بالفصل السادس من دستور 2014 وبما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية مؤكدة تضامنها المطلق مع الذين تعرّضوا إلى تلك الانتهاكات وداعية إلى تتبع مرتكبيها قضائيًا.

رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان تؤكد التزامها بالتصدي المستمرّ لكلّ انتهاك ينال من الحريات الفردية

كما دعت وزارة الداخلية إلى التوقف عن هذه الممارسات ورئاسة الجمهورية إلى تحمل مسؤولياتها في صون مبادئ الحريات ولاسيما حرية المعتقد مؤكدة أن الحريات الفردية هي أسّ الدولة المدنية وأنه من أبجديات مهام الدولة حمايتها لا محاصرتها والمساس منها تحت أي ذريعة كانت بما فيها الذرائع الأخلاقية أو الدواعي الأمنية.

واعتبرت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان أن مداهمة المقاهي مجاراة للدعوات المنادية بمحاصرة حرية المعتقد ودعم ضمني للأفكار الاستبدادية، مشيرة إلى أنها تلتقي موضوعيًا مع فكر الحركات الإرهابية التي تمثل التحدي الأبرز المباشر للبلاد حاليًا.

وذكرت أنها نبّهت سابقًا في بيانات خاصة وأخرى بالاشتراك مع جمعيات الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات الفردية إلى خطورة المسّ من حرية المعتقد والضمير مؤكدة التزامها بالتصدي المستمرّ لكلّ انتهاك ينال من تلك الحريات بما في ذلك توظيف مناشير قد تُستغلّ للحدّ من الحريات الشخصية أو حرية المعتقد ومنبهة في هذا الشأن إلى أنها قد تلجأ للقضاء الإداري للطعن في أي منشور مناف للدستور والمواثيق الدولية.

ودعت الرابطة كلّ المعنيين بقضايا حرية الضمير وحق الاختلاف وكافة هيئات المجتمع المدني وطنيًا وجهويًا إلى القيام بدورها الكامل في صيانة الحقوق الأساسية للمواطنين.

في المقابل، أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية سفيان الزعق لـ"ألترا تونس" أنه لا توجد أي حملات لغلق المقاهي، مشيرًا إلى أن ما وقع في القيروان وصفاقس حوادث وقع تهويلها. وبيّن أنه في صفاقس دخل أعوان أمن إلى مقهى مفتوح للعموم وطلبوا بطاقات التعريف الوطنية للموجودين إلا أن الأستاذ المعني رفض وطلب من العون هويته فقام هذا الأخير بإظهار مسدسه الموجود تحت سترته دون أن يشهر به.

سفيان الزعق لـ"ألترا تونس":  حرية المعتقد وحرية الضمير حريات شخصية يكفلها الدستور ووزارة الداخلية هي أولى الوزارات الضامنة للحقوق والحريات

وأضاف الزعق أنه أمام رفض الأستاذ مدّ عون الأمن ببطاقة تعريفه طلب منه التوجه معه إلى مركز الأمن، مبينًا أن الأستاذ الذي كان برفقة الأستاذ الجامعي هو من طلب مرافقته للمركز ومؤكدًا أن التعامل معهم كان في إطار الاحترام وأن رئيس المركز قام بإيصالهما بسيارته الخاصة إلى المقهى بعد بعض التحريات.

وبخصوص ما وقع في القيروان، أوضح محدثنا أن المقهى المعني يقع في وسط المدينة وأن الجيران اشتكوا من كثرة التشويش الذي يصدره المقهى فتحوّل أعوان الأمن إلى المكان بعد إذن من النيابة العمومية وإثر شكاوي الأهالي، مبرزًا أن المقهى لا يمتلك رخصة سياحية وبالتالي من غير المرخص له أن يفتح في النهار خلال شهر رمضان.

وأفاد أنه تم في المقهى العثور على شخص بحوزته 200 قرص مخدّر وقع حجزها وإيقافه كما تمّ إيقاف صاحب المقهى بسبب العربدة التي أحدثها وذلك بإذن من النيابة العمومية.

وشدد الناطق الرسمي لوزارة الداخلية على أن حرية المعتقد وحرية الضمير حريات شخصية يكفلها الدستور، مؤكدًا أن الوزارة هي أولى الوزارات الضامنة للحقوق والحريات المكفولة في الدستور.

 

اقرأ/ي أيضُا:

ائتلاف مدني يدعو للتصدي لانتهاك الحقوق والحريات خلال شهر رمضان

تونس تتراجع بأربع نقاط في مؤشر سيادة القانون