29-فبراير-2024
تونس شارع الحبيب بورقيبة

ومن المنتظر أن تنتظم الانتخابات الرئاسية في جوّ غير تنافسي في ظلّ سطوة السلطة السياسية من جهة واستهداف المعارضة من جهة أخرى (Philippe Lissac / GODONG)

 

إعلان رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر الاستعداد لتنظيم الانتخابات الرئاسية بين شهريْ سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024، على هامش إعلان نتائج الانتخابات المحلية، يفيد بتلقّي إشارة الحسم من السلطة السياسية في المضيّ في عقد الانتخابات بعد حالة الغموض والضبابية، خاصة بعد التغييرات في البناء الدستوري والانتخابي.

إعلان رئيس هيئة الانتخابات الاستعداد لتنظيم الانتخابات الرئاسية بين شهريْ سبتمبر وأكتوبر 2024 يفيد بتلقّي إشارة الحسم من السلطة السياسية في المضيّ في عقد الانتخابات بعد حالة الغموض والضبابية

فيما يعزّز حديث رئيس الدولة، في الأثناء بمناسبة استقباله وزير الداخلية ومديريْ الأمن والحرس، عن "عدم التسامح مع الارتماء في أحضان الخارج استعدادًا للانتخابات" التقدير أن سياق تنظيم الانتخابات مشوب بسطوة السلطة عبر تواصل اتهام المعارضين بالعمالة، استتباعًا للمحاكمات المثارة ضد عدد من المرشحين المحتملين للانتخابات. لتظلّ بذلك نزاهة الانتخابات موضع تشكيك دائم، على غرار الانتخابات التشريعية والمحلية السابقة.

 

  • حياد هيئة الانتخابات.. معضلة أوليّة

حين الحديث عن شفافية ونزاهة أي عملية انتخابية، تُطرح بدرجة أولى نقطة مدى استقلالية وحياد هيئة الانتخابات لاعتبارات موضوعية هو شمولها بموجة الإحداثات الرئاسية التي شملت جلّ المؤسسات والهيئات الدستورية بعد 25 جويلية/يوليو 2021، وذلك بعد تولّي رئيس الدولة بنفسه مراجعة تركيبتها وتعيين أعضائها. على هذا النحو، باتت تحوم الشكوك في قدرة الهيئة الجديدة، التي يرأسها عضو الهيئة المنحلّة فاروق بوعسكر، في ممارسة نشاطها وأعمالها في استقلالية عن السلطة السياسية وتحديدًا رئيس الدولة.

التتبعات القضائية المثارة بشكايات من هيئة الانتخابات ضد عدد من السياسيين على خلفية تصريحات لهم زادت في تعزيز التقدير أن الهيئة خرجت من حيادها رغم تشديدها على أن مبتدأ هذه الشكايات هو تطبيق القانون الانتخابي

وقد زادت التتبعات القضائية المثارة بشكايات من الهيئة ضد عدد من السياسيين على خلفية تصريحاتهم حول الاستفتاء عام 2022 أو الانتخابات التشريعية أيضًا، في تعزيز التقدير أن هيئة الانتخابات خرجت من حيادها رغم تشديدها على أن مبتدأ هذه الشكايات هو تطبيق القانون الانتخابي.

هذه التتبعات المثارة انتهت بإصدار بطاقة إيداع بحق رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي، التي كان يُنظر إليها أنها مرشحة محتملة للانتخابات، وصدور حكم بإدانة وسجن القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك، الموقوف منذ ما يزيد عن سنة في إطار ما تُسمى قضية تآمر على أمن الدولة. تتبعات في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة وفي مقدّمتها استقلال القضاء جعل هيئة الانتخابات بمثابة "طرف منخرط" في استهداف المعارضين. 

 

  • انتخابات في أجواء مغلقة وغير تنافسية

على خلاف الانتخابات الرئاسية عاميْ 2014 و2019، ستنتظم الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أجواء يسودها انغلاق المجال السياسي بسبب حالة الشلل في المنظومة الحزبية على وجه الخصوص إثر المحاكمات التي أدت إلى إيقاف قيادات الصف الأول في عدد من الأحزاب الفاعلة (حركة النهضة والحزب الدستوري الحر والحزب الجمهوري)، إضافة لجبهة الخلاص التي تكوّنت كجبهة معارضة لقرارات 25 جويلية. كما شملت موجة القرارات، الصادر بعضها عن السلطة التنفيذية مباشرة، إلى غلق مقرّ حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، بما قيّد من ممارسة حريّة التنظم والاجتماع. 

ستنتظم الانتخابات الرئاسية المنتظرة في أجواء يسودها انغلاق المجال السياسي بسبب حالة الشلل في المنظومة الحزبية على وجه الخصوص إثر المحاكمات التي أدت إلى إيقاف قيادات الصف الأول في عدد من الأحزاب الفاعلة

وفي ذات السياق، صبغت المرحلة الحالية تقييدات على ممارسة حرية الإعلام خاصة الإعلام العمومي الذي افتقد بالتبعية لخاصية التعددية، ومن ذلك الاحتكار على استضافة الداعمين لمسار 25 جويلية في التلفزة الوطنية. وتقلّص حضور ممثلي المعارضة في بعض وسائل الإعلام الخاصة.


صورة

وفي خضمّ ذلك، تعددت محاكمات الرأي ليس فقط ضد سياسيين وصحفيين، بل أيضًا ضد مدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد اُثيرت عديد هذه المحاكمات على أساس المرسوم عدد 54، الذي أكدت منظمات حقوقية وطنية ودولية، من بينها ذكرًا منظمة "المادة 19" مساسه من حرية الرأي والتعبير. وقد زادت هذه المحاكمات في إثارة أجواء من الريبة في ممارسة الحريات العامة.

من المنتظر أن تنتظم الانتخابات الرئاسية في جوّ غير تنافسي في ظلّ سطوة السلطة السياسية من جهة واستهداف المعارضة من جهة أخرى

أدّت هذه الأجواء غير المسبوقة في السياق التونسي منذ الثورة إلى مقاطعة عديد القوى السياسية والحزبية للمسارات الانتخابية بعد 25 جويلية، وقد غادرت البلاد نادي الدول الديمقراطية في ظل الجنوح نحو تأسيس نظام سلطوي. ومن المنتظر، على ضوء المذكور، أن تنتظم الانتخابات الرئاسية في جوّ غير تنافسي في ظلّ سطوة السلطة السياسية من جهة واستهداف المعارضة من جهة أخرى.

 

  • المعارضة والانتخابات

لم تعلن بعد القوى السياسية والحزبية المعارضة لمسار 25 جويلية عن موقفها من الانتخابات الرئاسية إما مشاركة أو مقاطعة. بيد أن مؤشرات عديدة تفيد بأن عديد القوى تجنح لفرض شروط للمشاركة في مقدّمتها تنقية المناخ السياسي والإفراج عن المعارضين وضمان قواعد نزاهة المسار الانتخابي، وهو ما لن تقبل به السلطة السياسية الحالية التي تعتقد أنها بصدد بناء مسار جديد في التاريخ، بحسب العبارات المستعملة من رئيس الدولة.

مؤشرات عديدة تفيد بأن عديد القوى تجنح لفرض شروط للمشاركة في الانتخابات الرئاسية في مقدّمتها تنقية المناخ السياسي والإفراج عن المعارضين وضمان قواعد نزاهة المسار الانتخابي، وهو ما لن تقبل به السلطة السياسية الحالية

في الأثناء، قدّم المناضل السياسي العياشي الهمامي، صاحب مبادرة 18 أكتوبر زمن بن علي ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية المؤسسة بعد 25 جويلية، ما يسمّيها مقترحات أولية لفتح نقاش حول الانتخابات الرئاسية.

وهو يقدّر في مبادرته التي نشرها بجريدة المغرب، في عدد 27 فيفري/شباط 2024، أن الانتخابات المنتظرة قد تكون فرصة جديّة لإنقاذ البلاد بتوفّر شرطين اثنين: توفير انتخابات حرة ونزيهة خاصة إطلاق سراح المعارضين وتركيز هيئة مستقلّة للانتخابات، وتوحّد طيف واسع من المعارضة السياسية ومكونات المجتمع المدني حول مرشح/ة واحد يتم اختياره بعد "صياغة الحد الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك" يخوض مسارًا نضاليًا نحو الانتخابات ينتهي لاتخاذ قرار بالمشاركة أو المقاطعة كتتويج طبيعي لهذا المسار.