29-مايو-2022
Getty

"الترا تونس" اختار تكريم أمّهات أطفال مختلفين، تضاعفت مجهوداتهنّ (صورة توضيحية/ getty)

 

الأمّ، ذاك الكائن الملائكي الذي خلقه الله لنا سكنًا وجعله مفتاحًا لنا للجنّة.. ولو أخذنا الحنين لخبز الأمّ كمرسال خليفة، ولو أخذتنا المدن وناسها كعماد عبد الحليم، تبقى الأم عينًا من أعيننا على مقولة صاحب الأغنية الأكثر شعبية في تونس سمير لوصيف.

"الترا تونس" اختار تكريم أمّهات أطفال مختلفين، كانت مسيرتهن تضاعف في مجهودات ما تعيشه الأم العاديّة.

أم لـ"الترا تونس": أمضي يومي بين الأطبّاء والأخصّائيين وحصص الدعم والأنشطة الموازية لتمكين ابنيّ من تجاوز صعوباتهما في التعلّم

حاربت العالم من أجل إثبات اختلاف أبنائي

التقيتها في إحدى المحاضرات التي تقدّمها مدينة العلوم، في يوم خاصّ حول صعوبات التعلّم، امرأة ذات إرادة حديديّة، ورغم مسحة الحزن التي كانت تكسو وجهها، فإنّها كانت تبحث من خلال أسئلتها عن باب أمل يخفّف حيرتها ويساعدها في إكمال المشوار مع ابنيها التوأم اللذين وقع تشخيصهما ضمن الأطفال الموهوبين والذين يملكون قدرات عالية.

قد تبدو المسألة في ظاهرها مفرحة، فالجميع يظنّ أنّ الطفل الموهوب هو الذي يتحصّل على درجات عالية في الدراسة ويتميّز عن بقيّة زملائه بمهارات خارقة تجعله مختلفًا. إلّا أنّ المسألة في باطنها معاناة وشقاء لا تعرف طعمه سوى محدّثتنا نهى (اسم مستعار) التي تلقى الأمرّين من أجل مساعدة ابنيها.

أم لـ"الترا تونس": زوجي لا يأبه لما أقوم به مع ابنيّ، ويعتقد أنّ ما يقومان به من سلوكيّات هو بسببي، ودائمًا ما يلومني بقوله إنّي أسأت تربيتهما وأفرطت في الدلال، وهذا ما يؤلمني كثيرًا

هي أمّ دفنت طموحاتها وأحلامها، انقطعت عن عملها وتخلّت عن حياتها الاجتماعيّة من أجل جاسر ورفيق.

تمرّد، تأخّر في النطق، صعوبات تعلّم، عدم استيعاب للتعليمات المربّين.. وغيرها من السلوكيّات الإشكاليّة التي اعترضت نهى على امتداد عشر سنوات، حيث تقول لـ"الترا تونس": "أمضي يومي بين الأطبّاء والأخصّائيين وحصص الدعم والأنشطة الموازية لتمكينهم من تجاوز صعوباتهم. صحيح أنّ معدّل ذكائهم أعلى من أقرانهم، لكنّ طريقة تفكيرهم تختلف عن الآخرين، وهذا ما يجعل الأساليب البيداغوجيّة الكلاسيكيّة غير قادرة على استيعاب قدراتهم".

ما بين مراجع وكتب ودراسات، تمضي نهى أمسياتها، فلا تجد الوقت لزوجها الذي لم يكن سندًا لها في هذه الرحلة الشاقّة، وهذا ما يحزّ في نفس محدّثتنا، حسب ما روته لـ"الترا تونس".

"زوجي لا يأبه لما أقوم به مع ابنيّ، ويعتقد أنّ ما يقومان به من سلوكيّات هو بسببي، ودائمًا ما يلومني بقوله إنّي أسأت تربيتهما وأفرطت في الدلال، وهذا ما يؤلمني كثيرًا، وأجد صعوبة في إقناعه لإعطائي المال لأستطيع تمويل هذا المسار الشاق الذي يتطلّب الكثير من الإنفاق"، هكذا تحدّث نهى عمّا تعانيه من مشاكل زوجيّة بسبب حالة توأمها، وهذا ما جعلها تعيش حالات اكتئاب متكرّرة استوجبت منها متابعة طبيّة لصيقة.

وحيدة دون سند أو رفيق، وتحارب العالم من أجل ابنيها، هكذا تجلّت قدسيّة هذه الأم التي رغم آلامها وإجهادها، لم تستسلم لمن يحاولون إحباطها، وتخطّ مستقبل ابنيها بلبنات من ذهب، وشعارها "إن لم يؤمن بكما أحد، وإن نعتكم الجميع بالفشل فلن أترككما أبدًا دون بوصلة".

تخلّيت عن حياتي من أجل ابني

حكاية حنان قيدارة لا تختلف في مضمونها عن نهى، ولئن اختلفت حيثيّات الرحلة فإن التضحية هي الشعار الرئيسي لهما. هي امرأة مفعمة بالحياة، فنّانة وناشطة بالمجتمع المدني، وحاولت بكلّ الوسائل أن توفّق بين طموحها وواجبها، إلّا أن الضغط اليومي الذي تعيشه منعها حتى من العمل. إليكم القصّة:

 أم سيف (12 سنة)، من ذوي الاحتياجات الخاصة "التثلّث الصّبغي 21" (trisomie 21) وقد اكتشفت اختلافه بعد عشر أشهر من ولادته.

حنان قيدارة (أم) لـ"الترا تونس": ابني من ذوي الاحتياجات الخاصة "التثلّث الصّبغي 21"، عندما أصبح يرتاد المدرسة، أصبحت حربًا يوميّة بالنسبة لي كأم

لم يكن الأمر هيّنًا على حنان، حسب ما روته لـ"الترا تونس"، والأصعب كان إيجاد الحلول والظّروف الملائمة لمساعدته على تخطّي الصعوبات.

"في رياض الأطفال لم تكن المهمّة صعبة جدًا، لكن اختلف الأمر عندما أصبح سيف يرتاد المدرسة، فللأسف أصبحت حربًا يوميّة بالنسبة لي كأم. فرغم محاولاتي أن أمكّنه من الدراسة كأي طفل عادي، فإنّ بعد إدماجه، أصبح هناك مشكل المرافق"، هكذا تحدّت حنان عن رحلتها لإدماج ابنها في مسار تربوي عاديّ ككلّ الأطفال إلّا أنه على امتداد سنتين، صاحبه أكثر من عشرة مرافقين، وكان هذا عائقًا أمام استكمال مساره الدراسيّ.

ليس من السهل على الأمّ استيعاب مسألة كهذه، إذ حاربت محدّثتنا من أجل يحظى ابنها بمبدأ تكافؤ الفرص، لكنّ منظومتنا التربوية فشلت في إسعاد كل أمّهات الأطفال المختلفين.

لم تيأس أم سيف وأدخلته في مركز رعاية مختص، يختلف عن المدرسة، إلا أنه يلبّي احتياجات هذا الطفل. لم ينته الأمر هنا حيث تقول حنان قيدارة لـ"الترا تونس": "منذ ثلاث سنوات، تعرّض سيف لإشكال في قدميه جعلنا نجوب البلاد من طبيب لآخر ومررنا بفترة حرجة جدًا ما بين علاج طبيعي وتحاليل وأشعة وحقن شهريّة وسيقوم بعملية جراحية الشهر القادم".

وتختم حديثها قائلة:"الحياة ابتلاءات، امتحانات ودروس، ومع هذا فإن ابتسامة سيف تنسيني كل التعب وأقول لكل أم طفل مختلف "أحنا نحاولوا نعملوا اللي علينا والباقي على ربي، (وبشّر الصابرين)".