29-يونيو-2020

تعدّ تونس من أكثر البلدان استهلاكًا للتبغ (جيتي)

 

يقّدر استهلاك التونسيين من مادة التبغ مليار علبة سنويًا بتفصيل 550 مليون علبة مورّدة، و150 مليون علبة مورّدة وضعفها، 300 مليون علبة، مهربّة أساسًا من الجزائر وليبيا. وتحلّ تونس في المرتبة 26 عالميًا والثالثة عربيًا في استهلاك التبغ بمعدل 1628 سيجارة للشخص الواحد، وفق دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2017. فيما تضع دراسات أخرى تونس في صدارة استهلاك التبغ عربيًا منها دراسة صادرة عن المنظمة العالمية عام 2009 بينت أن 65 في المائة من التونسيين الذين تتجاوز أعمارهم 25 عامًا هم من المدخنين.

تحلّ تونس في المرتبة 26 عالميًا والثالثة عربيًا في استهلاك التبغ بمعدل 1628 سيجارة للشخص الواحد وفق دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2017

وأكدت تقارير، في المقابل، على خسائر فادحة لتونس بسبب تهريب التبغ بمعدل يتراوح بين 500 و700 مليون دينار سنويًا. ويعود تطور السوق الموازية إلى تعدد نقاط بيعها، بشكل يتجاوز عدد نقاط البيع القانوني، عدا على انخفاض السجائر المهرّبة مقارنة بنظيرتها المحليّة أو المورّدة. وقد تطور عدد رخص بيع التبغ بنسبة 77 في المائة بين 2010 و2019 لتبلغ 16 ألف رخصة، فيما لا يمتلك العديد من أصحاب الرخص نقاط بيع رسمية.

اقرأ/ي أيضًا: سيجارة البين (Pine).. سيّدة شفاه الفقراء والكادحين

وكالة التبغ والوقيد.. إخلالات بالجملة

يوفر قطاع التبغ أرباح لخزينة الدولة تبلغ 1200 مليون دينار، إلاّ أنّ عدة تقارير رقابية تؤكد حصول تجاوزات في هذا القطاع تحديدًا على مستوى الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد (عمومي) من سوء تصرف وإخلالات تبلغ مستوى الفساد.

إذ رصد تقرير التفقد النهائي على التصرف بالوكالة، خلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2016، إخلالات في الانتدابات بالوكالة سنتي 2013 و2014، بعدم احترام مبدأ التناظر، وعدم تشريك رئاسة الحكومة في لجنة الانتدابات والتصريح بانتداب العمال. وأضاف أن الشهائد العلمية لبعض المنتدبين لا تخول لهم الانتداب في الخطة المعنية مع مواصلة انتدابهم في خطط أدنى مما يمس بمصداقية الانتداب، مع عدم انتداب مترشحين تخول لهم أعدادهم النجاح في المناظرة. 

وكشف التقرير، الذي نشرته وزارة أملاك الدولة في جوان/يونيو 2020، أن الوكالة تتحمل كلفة تأجير وامتيازات ممنوحة لمسؤول سابق رغم عدم مباشرته لعمله بالوكالة منذ عام 2011، وتكليفه في الأثناء بمهام متصرف قضائي في شركة مصادرة، وكذا الحال بالنسبة لخمسة أعوان أخرين يباشرون مهامهم بوزارة المالية بكلفة تفوق 200 ألف دينار.

تعكس النتائج الرقابية للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد حجم الإخلالات المالية والإدارية المسجلة وكلفة الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة

كما أشار إلى أنّ الوكالة تمكن أعوانها القارين والوقتيين والمتقاعدين والمعاونين حتى الخارجيين منهم من مذاقة شهرية متأتية من منتوجاتها دون سند قانوني، بتوزيع ما يقارب 10 مليون علبة بقيمة تناهز 22 مليون دينار بما فوّت على خزينة الدولة على الأقل مبلغ بقيمة 15 مليون دينار. وقد خسرت الشركة ما يقارب 31 مليون دينار خلال سنتي 2013 و2014، فيما تحمّلت الخزينة العامة خسائر مالية بمبلغ يقارب 131 مليون دينار بين 2010 و2014.

وسجل التقرير أيضًا تأخيرًا كبيرًا في إنجاز البرامج الاستثمارية المتعلقة باقتناء تجهيزات الصنع وتعصير ورشات الإنتاج والرفع من الطاقة الإنتاجية رغم العجز الهام المسجل في تغطية حاجيات السوق المحلية من السجائر المصنعة. وهو ما كبد الوكالة كلفة إضافية تقدر بحوالي 2.2 مليون دينار تبعًا للتأخير المسجل في إنجاز صفقة اقتناء وتركيب مجمع آلات تصنيع السجائر من عام 2012 إلى عام 2014.

اقرأ/ي أيضًا: التدخين في تونس: من السّبسي إلى الشيشة الإلكترونية

تقرير دائرة المحاسبات لعام 2009 تحدث بدوره أنّ تقديرات المبيعات الجملية للسّجائر "لم تتسم بالدقّة الكافية بالنّسبة إلى بعض الأنواع التونسيّة والأجنبيّة ممّا انجرّ عنه صعوبة في مسايرة الطلب وعدم انتظام تزويد السوق بهذه الأنواع في بعض الفترات. ولوحظ عدم احترام معيار مسك المخزون الاحتياطي المحدد بثلاثة أشهر بالنّسبة إلى السجائر الأجنبية وبشهر بالنّسبة إلى المواد المصنّعة محلّيًا".

وتعكس هذه النتائج الرقابية للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد عن حجم الإخلالات المالية والإدارية المسجلة، وكلفة الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة، وسط دعوات للمضي في إصلاحات جدية للوكالة بهدف حوكمتها، مع مطالبة أصوات بتخلّي الدولة عن احتكار هذه الصناعة. 

احتكار التبغ وارتفاع الأسعار

يواجه قطاع التبغ في تونس، أيضًا، معضلة احتكار لوبيات بيع الإنتاج التي تتدخل حتى في الترفيع في أسعاره في نقاط البيع. إذا عدا ما تقبضه هذه اللوبيات من كميات من قباضات وكالة التبغ، تقتني أيضًا كميات من غيرها من أصحاب الرخص لاحتكار التبغ والترفيع في أسعاره سواء في نقاط البيع أو السوق السوداء. وقد رُفعت عدى شكاوى لدى الإدارات الجهوية للتجارة للتقصي حول هؤلاء المحتكرين ومنع هذه الممارسات غير القانونية. 

يقول محمّد قادري، وهو مواطن مدخّن لـ"ألترا تونس، إنّ سعر علبة سجائر لا يتجاوز 2.6 دينارًا وفق السعر القانوني، إلاّ أنّه يقتنيها واقعًا بـ3.5 دينارًا، مشيرًا إلى افتقاد السوق لعدة أنواع تونسية من التبغ  بسبب الاحتكار. وأكد أنّ عملية توزيع السجائر تشهد اختلالًا لا سيما في فصل الصيف ما يؤدي لارتفاع الأسعار، وهو ما يستوجب تكثيف عمليات المراقبة ليس أمام قباضات وكالة التبلغ فقط بل حتى في أكشاك البيع، وفق تأكيده. 

من جهته، حدثنا عبد الكريم، وهو بائع سجائر في أحد الأكشاك، أنّه لم يستطع اقتناء أي علبة سجائر لمدّة أسبوع متحدثًا عن "اضطراره حال الحصول على كميات من السجائر إلى بيعها بأسعار مرتفعة لأنّه بات يقتنيها بأسعار غير تلك التي حددتها الدولة نتيجة احتكار البضاعة من بعض أصحاب رخص البيع". وشدد أنّ السوق تشكو نقصًا كبيرًا خاصة في السجائر التونسية مبينًا أن المدخنين الذين تعوّدوا على الأنواع التونسية باتوا يضطرون لاستهلاك الأنواع المهربة.

وقد عبر عدة تجار في الأكشاك والمحلات المرخص فيها ببيع السجائر، في حديثهم لـ"ألترا تونس"، عن استيائهم من سيطرة اللوبيات على مسالك التّوزيع للمضاربة والسّمسرة خاصة في فترة الصيف. وأوضحوا أن المحتكرين يعمدون إلى شراء حصص بعض صغار التجار بمجرّد تسلّمها من القباضات ومراكز التّوزيع وذلك بإغرائهم بتأمين هامش ربح، وهو ما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من السجائر في السوق. 

مصدر في وزارة التجارة لـ"ألترا تونس": سعر علبة السجائر من نوع "ليجار" بلغ 6 دنانير في بعض المناطق والحال أنّ سعرها القانوني لا يتجاوز 3.3 دينارًا

وإثر ورود تشكيات من المدخنين وصغار تجار السجائر، كثفت وزارة التجارة، عبر فرق المراقبة الاقتصادية، حملاتها لتبلغ حجم المخالفات، من بداية العام إلى غاية 24 جوان/يونيو 2020، 2348 مخالفة مع حجز 230 ألف علبة تبغ خلال نفس الفترة.

وأكد مصدر بوزارة التجارة لـ"ألترا تونس" أنّ عمليات الرقابة تشمل مختلف المراحل بما في ذلك عملية توزيع وبيع السجائر مشيرًا إلى القيام بها في فترات مختلفة مع تكثيفها في صورة وجود شكاوى عن فقدان السجائر من السوق أو ارتفاع أسعارها نتيجة المضاربين". وأضاف أنّ الوزارة كثفت بالخصوص عمليات الرقابة أمام نقاط البيع بالجملة وحتى في بعض الأكشاك لمراقبة الالتزام بالأسعار المحددة.

ولم يخف محدثنا وجود لوبيات في السوق وسماسرة لاحتكار السجائر وبيعها بأسعار مرتفعة أو في السوق السوداء، مشيرًا إلى أن سعر علبة السجائر من نوع "ليجار" بلغ 6 دنانير في بعض المناطق والحال أنّ سعرها القانوني لا يتجاوز 3.3 دينارًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شباب "الكالا".. عن سوسيولوجيا "النفّة" في تونس

السيجارة الإلكترونيّة.. ملاذ الباحثين عن حلّ لعادة استنزفتهم