01-نوفمبر-2022
 أيام قرطاج السينمائية في مدينة الثقافة

"هذا الصّرح السوفياتي يحتضن منذ سنوات طويلة أهمّ مراحل المهرجان" (صورة أ.ف.ب)

مقال رأي

   

ولدت أيام قرطاج السينمائيّة في تونس جوابًا على الحاجة لسينما مقاومة، تطرح نفسها كبديل بعيدًا عن سطوة هوليود وما يتبعها من تنميط وسطوة للعقول. كان المهرجان مع مؤسّسه الطاهر شريعة سنة 1966 مرآة لواقع دون مساحيق فهو مساحة حرّة للسينما البديلة المقاومة.

كان مهرجان أيام قرطاج السينمائية مع مؤسّسه الطاهر شريعة سنة 1966 مرآة لواقع دون مساحيق ومساحة حرّة للسينما البديلة المقاومة

والحقيقة أنّ الأيّام قبلة السينمائيّين الذين يؤمنون بتغيير قد يحصل عبر الأفلام، لجيل كان مولعًا بالفن السابع في مختلف بقاع الأرض. ولعلّ ما خدم الأيّام أيضًا هي السياقات التاريخية التي وُجدت فيها. فقد مثّل منصّة حرّة للتعبير في زمن كان يشهد مجموعة من التغيّرات الجيوسياسيّة والحروب التي ستغيّر خارطة مراكز القوى في العالم لمدّة عقود.

لقد كانت أيام قرطاج السينمائيّة أيضًا، فرصة للمولعين بهذا الفنّ - خاصّة من الشباب – أن يكونوا متواجدين أمام كمّ هائل من السينما في مساحة ضيّقة تتمركز في شارع الحبيب بورقيبة وما يتفرّع عنه من شوارع. فتكون النقاشات، اللقاءات ويتحوّل وسط العاصمة إلى حراك ثقافي يمتد على مدى أسبوع كامل.

كانت أيام قرطاج السينمائيّة فرصة للمولعين بهذا الفن أن يكونوا متواجدين أمام كمّ هائل من السينما في مساحة ضيّقة تتمركز في الحبيب بورقيبة وما يتفرّع عنه من شوارع لكن الأمور تغيرت

فما الذي تغيّر منذ تشييد مدينة الثقافة؟ لماذا تتعالى الأصوات بإعادة الأيّام إلى وضعها الطبيعي؟ وكيف يمكن أن يكون المهرجان فرصة "لدمقرطة" السينما في تونس؟

 

 

  • الافتتاح والاختتام.. تحضر الأزياء وتغيب السينما

قد يرى البعض أنّ حفلي الافتتاح والاختتام ضروريين لإضفاء طابع خاص على الأيّام. لكنّ المتمعّن في طابع المهرجان يرى أنّ السجاد الأحمر والهالة التي نراها كل سنة ليست من روح المهرجان كما رآه مؤسّسوه. لأنّ البساطة كانت طابعًا مميّزًا للمهرجان عن البقيّة. ولا يمكن لحجّة تغيّر السياقات واختلاف الأزمان أن تكون حجّة لتسليط الضوء على أزياء الممثّلين والممثّلات ونسيان السينما في افتتاح مهرجان للسينما.

يرى الكثيرون أنّ أيّام قرطاج السينمائية أضاع هويّته من خلال التخلّي عن السينما المقاومة والتركيز على الشكليّات وتفاصيل الافتتاح والاختتام

يطرح الإشكال منذ سنواتٍ طويلة حول كيفيّة استغلال وتسويق هذا المهرجان. ويرى الكثيرون أنّ أيّام قرطاج السينمائيّة أضاع هويّته من خلال التخلّي عن السينما المقاومة والتركيز على الشكليّات وتفاصيل الافتتاح والاختتام. لا ينكر أحد أنّ الأيّام مازلت قبلة السينمائيّين الملتزمين من كلّ أنحاء العالم لكنّ الانحسار الذي حصل منذ مدّة طويلة سببه الرئيسي هو إضاعة روح المهرجان.

ويمكن القول إنّ هذا ينعكس لا على المدى القصير فقط من خلال تحوّل الأيّام بل يمكن أن نؤكّد أنّ الأمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة تمثّل الجيل الجديد للسينما وللمهرجان بصفة عامّة.

فبعد أن كان المهرجان فرصة لجيل السبعينات والثمانينات وما تلاها لتفتّح وعيهم السياسي والفنّي، باتت أيّام قرطاج السينمائيّة مند سنوات، فرصة لنقاش الأزياء وحرب التصريحات وتفاصيل الخلافات. وقد تعزّزت هذه الظاهرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من جهة وطريقة توزيع الأفلام في القاعات في العاصمة.

بعد أن كان المهرجان فرصة لجيل السبعينات والثمانينات وما تلاها لتفتّح وعيهم السياسي والفنّي، باتت أيام قرطاج السينمائية فرصة لنقاش الأزياء وحرب التصريحات

  • مدينة الثقافة أو كيف تمّت مَرْكَزَةُ الأيّام في قلعة فارغة

لقد كانت مدينة الثقافة مشروعاً يُجَرُّ منذ نظام بن علي. وعلى الرغم من القطيعة التي وعدت بها الثورة التونسيّة، إلاّ أنّ مدينة الثقافة على الأقل كانت سببًا كافيا للتأكّد من أنّ هذا الأمر لم يتم على الأقلّ على المستوى المعماريّ. فالصّرح السوفياتي يحتضن منذ سنوات طويلة أهمّ مراحل المهرجان وكذلك أهمّ الأفلام التي تتنافس في المسابقات الرسميّة في مختلف الأقسام.

اعتماد مدينة الثقافة خلال أيام قرطاج السينمائية، كان تواصلًا لعمليّة تحوّل الأيام وتعزيزاً لفقدان طابعها فقد خفتت الحرَكة في وسط المدينة ولم تعد النقاشات واللقاءات حول شوارعها

لكن اللافت أيضاً أنّ اعتماد مدينة الثقافة في الأيّام، كان تواصلًا لعمليّة تحوّل الأيام وتعزيزاً لفقدان طابعها. فقد خفتت الحرَكة في وسط المدينة ولم تعد النقاشات واللقاءات حول شوارع وسط العاصمة أو في مقاهيها.

قد يبدو الأمر بسيطًا أو رومنسيًّا طوباويّا للكثيرين، لكن الأمر بات ملحوظاً بالعين المجرّدة. انقسمت أيّام قرطاج السينمائيّة إلى قسمين: الأوّل يحاول المحافظة على أجوائه القديمة وسط العاصمة في شارع الحبيب بورقيبة ومقاهيه. أما الثاني، فيرابط في البناء الضخم في شارع محمّد الخامس. وهو ما يجعلنا نتساءل عن مستقبل المهرجان في قادم الدورات.

  • مستقبل الأيّام أم مستقبل الثقافة في تونس؟

يعود الحديث عن وضعيّة السينما في تونس كل سنة مع قدوم موعد أيّام قرطاج السينمائيّة. هذا الطابع المناسباتي للتعاطي مع الأمور في مختلف المجالات. والحقيقة أنّ المجال الثقافيّ لا يحيد عن القاعِدَة. لكنّ اللافت أنّ الحديث عن مستقبل أيّام قرطاج السينمائيّة يبقى رهين تصوّر ثقافي متكاملٍ ومشروعٍ فعليّ يمكن أن يطوِّر في المهرجَان ويعيد له بريقه.

ضرورة الإصلاح لا على المستوى الشكلي فقط بل من خلال إصلاحات في العمق تعيد أيّام قرطاج السينمائيّة إلى مكانه كمهرجان للسينما البديلة

وهو ما يؤدّي إلى القول بضرورة الإصلاح لا على المستوى الشكلي فقط بل من خلال إصلاحات في العمق تعيد أيّام قرطاج السينمائيّة إلى مكانه كمهرجان للسينما البديلة في مختلف أنحاء العالم.

في الانتظار، لا يمكن أن نتغاضى عن الجانب الإيجابي في الأيّام. وهي تتمثّل أساساً في حضور شبابي كثيف مع تسليط للضوء على أفلام من مختلف أنحاء العالم (فلسطين وإسبانيا خاصة بالنسبة لهذه الدورة). ففي بلدٍ يعاني من إشكاليّات سياسية واقتصاديّة، ورغم كلّ النقائص في أيّام قرطاج السينمائيّة إلاّ أنّها تبقى متنفّسًا مهمًّا وسط جو عام خانق يتواصل منذ مدّة.

 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"