07-نوفمبر-2018

بدأ مؤخرًا الانشغال أكثر فأكثر بلحظات الافتتاح وبالسّجاد الأحمر

جمعني حوار بالعميد الطاهر شريعة، مؤسس أيّام قرطاج السينمائية، بمنزله بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس بداية الألفية وهو يحدثني بتأني الحكماء عن الكتاب الذي أعدّه بخصوص فلسفة هذه التظاهرة الثقافية وتاريخها ورجالاتها.

تطرّق لمسألة السّجاد الأحمر، وما يحمله من رمزية للرأسمالية العالمية ومدى هيمنتها على الثقافة والفنون وتحويلها الى مصادر خارقة للمال ولا شيء غير المال، مشيرًا إلى أن أيام قرطاج السينمائية ستبقى عصية عن هيمنة السجاد الأحمر بكل دلالاته ومعانيه وبهرجه.

عاد إلي هذا الحوار بكامل تفاصيله وعفويته وأنا أشاهد قبل أيام حفل افتتاح الدورة التاسعة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية التي احتضنتها مدينة الثقافة لأول مرة، وذلك بعد عقود من استقبال قاعة الكوليزي والمسرح البلدي لحفل الافتتاح.

هل بقي أحفاد الطاهر شريعة أوفياء لتصوّر معلّمهم لتظاهرة أيام قرطاج السينمائية الفريدة في إفريقيا والعالم العربي؟

والسؤال الذي يبدو بديهيًا في هذه الحال هو: هل بقي أحفاد الطاهر شريعة أوفياء لتصوّر معلّمهم لهذه التظاهرة السينمائية الفريدة في إفريقيا والعالم العربيّ؟ أم تراهم غيروا مسارها تمامًا فلم تعد سينما تفكير وتدبّر فلسفي نقدًا وتوجيهًا ونقلًا لمآسي البشرية؟

رغم مفاخرتنا كتونسيين بهذا المكسب الفني الرمزي الذي روّج للثقافة التونسية والعربية والافريقية، ودافع عن سينما الجنوب التي تروي قصصًا منسية وتاريخًا زيّفه المستعمر الأوروبي هربًا من جرائمه الشنيعة، بل وما تحمله هذه السينما في طيّاتها من فنون وحضارات لشعوب همشتها العولمة والحداثة واستولت على أحلامها، إلا أنّ أيّام قرطاج السينمائية شرعت في بعض الانزياحات وتسربت إلى حياتها الجميلة أحابيل رأس المال.

اقرأ/ي أيضًا: أيّام قرطاج الموسيقيّة تأبى الارتجال

والمدخل الأساسي لذلك هو صعوبات الإنتاج التي تواجه الموجة الجديدة من الفاعلين السينمائيين في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية، ومن هنا يأتي الرضوخ للوبيات رأس المال المتنفّذ في أسواق ومسالك السينما في العالم فيتنحى النضال والتفكير والفنّ للفنّ. وتحل محلّه التجارة الفجة والمسعورة والتي عادة ما تشوّه فنّ السينما الذي يسعى في جوهره إلى قول الواقع وقول الإنسان، هو فنّ يجعلنا نتأمل الحقيقة على أجنحة الأحلام.

هناك أيضًا زيف آخر بدأ يستبدّ بأيام قرطاج السينمائية وتشويه نقائها وبهائها وهو "النجومية المزيفة"، فهؤلاء النجوم المزيفون يتهافتون على السّجاد الأحمر بكل فلكلورية وفجاجة واستعراض لأجساد أغلبها غير متعوّد على بهرج وأضواء ونواميس السجاجيد الحمر فتتعالى أصواتهم وتسيح مساحيقهم تحت أضواء الكاميرات وآلات التصوير الفوتوغرافي في موجات من الفوضى العارمة.

 النجوم المزيفون يتهافتون على السّجاد الأحمر بكل فلكلورية وفجاجة واستعراض لأجساد أغلبها غير متعوّد على بهرج وأضواء ونواميس السجاجيد الحمر

في الدورات الأخيرة من عمر أيام قرطاج السينمائية، بدأ الانشغال أكثر فأكثر بلحظات الافتتاح وبالسّجاد الأحمر تمامًا كما في حفلة "الأوسكار" أو في مهرجان "كان" السينمائي والاستعداد له جيدًا بدل الانشغال بالمحتوى والاحتفاء بالنجوم الحقيقيين وصناع سينما الجنوب وفلاسفة سينما المؤلف اللذين يحجّون إلى تونس ومهرجانها.

الخوف كلّ الخوف أن تنجذب الأيام إلى دكتاتورية السّجاد الأحمر كما فهمها الطاهر شريعة الأب المؤسس لهذه التظاهرة. لقد كان العميد متوجسًا خيفة من السّجاد وبهرجه الهوليوودي لأنه يمسّ باعتقاده من القيم الاعتبارية لمهرجان اختار له النضال من أجل حقوق الانسان نهجًا. فهل سيواصل الأبناء والأحفاد أي هؤلاء السينمائيين الجدد الحفاظ على ثروتهم الوطنية الثقافية أم الاستسلام تمامًا وبلا عودة لديكتاتورية السّجاد الأحمر؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرسال خليفة.. الأيقونة التي مسّها شرخ

في تونس.. التافهون أسياد الموقف