23-يونيو-2018

الفروسية ليست حكرًا على الرجال في تونس (مريم الناصري/ الترا تونس)

يا خيل صولي وجولي

وقولي على ماضي الزمان وقولي

قداش بفحولك زهى مرحولي

وقداش كنت شايشة شطاحة

وقداش ركّبتي نظيف الحولي

وقداش عا لظهرك شهر سلاحه

اقرأ/ي أيضًا: فن الأدبة أو الشعر الملحون التونسي.. ذاكرة شعب للاضمحلال

هي أبيات يرددها أغلب شعراء الشعر الشعبي في تونس، خصوصًا خلال المشاركة في المهرجانات الشعبية في الشمال والجنوب، أثناء انطلاق مسابقات الخيل التي تعتبر تراثًا يأبى الاندثار خاصة في الأعراس والمناسبات الوطنية.

وتعتبر الفنتازيا أو عروض الفروسية في أغلب المهرجانات التونسية الصحراوية بالأساس نوعًا من استعادة تاريخ الفروسية، عبر استعمال "المكحلة" أي بندقية الصيد. لتتحول تلك العروض من طقس حربي سابقَا إلى فلكلور فرجوي يجلب إليه عشرات المشاهدين من داخل وخارج تونس.

تتحول العروض من طقس حربي سابقَا إلى فلكلور فرجوي يجلب إليه عشرات المشاهدين من داخل وخارج تونس (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

ويجتمع الفرسان من مختلف المناطق الريفية التونسية وحتى الجزائرية والليبية والمغربية للمشاركة في المهرجانات الصحراوية بالأساس، كلّ يزين فرسه أو حصانه بزي خاص ببلده، للمشاركة في منافسة لا هزيمة فيها أو ربح ولا صراع أو خلاف. فقط هو إحياء تقليد توارثته دول شمال أفريقيا جيلًا بعد جيل.

ويرافق حضور الخيول فرق عزف تقليدية مختلفة وشعر شعبي مرتبط بالخيول للاحتفاء بالخيل والفرسان. حتى لا يكاد مهرجان شعبي يخلو من تلك العروض التي يعشقها أغلب الحاضرين والمشاركين في المهرجانات سواء الصحراوية أو الوطنية أو الدولية.

يجتمع الفرسان من مختلف المناطق الريفية التونسية وحتى الجزائرية والليبية والمغربية للمشاركة في المهرجانات الصحراوية

ويتفنن كل فارس في تزيين فرسه أو حصانه كجزء أساسي من الحضور والعرض الفرجوي الذي سيقام. وهي ظاهرة ثقافية تاريخية في عمق الصحراء التونسية تحتفي بمعاني الحياة البدوية. ويقدّم الفرسان في تلك المهرجانات لآلاف القادمين من داخل تونس وخارجها أنشطة عديدة تحاكي الصحراء والحياة البدوية. إذ يقوم الفرسان باستعراض مهاراتهم في قيادة الخيول، مستعملين بنادق يطلقون منها البارود. ويستعرضون قدرتهم على القفز على ظهر الجواد وهو يجري أو الوقوف على ظهر الحصان خلال ركضه، أو غيرها من العروض الفرجوية الصعبة والتي لم تعد حكرًا على الرجال، بل أتقنتها حتى النسوة والأطفال. إلى جانب تجسيد العرس التقليدي خلال الاستعراض من خلال الجحفة التي تحمل على ظهر الجمل ويرافقها بعض الخيول في دلالة على حماية العروس من قطاع الطرق مثلما كانت تقام العرائس سابقًا.

ويعود استعمال الخيول البربرية وازدهارها في تونس إلى عهد إمبراطورية "قرطاج" التي تأسست عام 814 قبل الميلاد وفق المؤرخين. إذ تمّ الاعتماد عليها في الزراعة والتنقل والتجارة والحروب. والمتأمل اليوم في القطع النقدية القرطاجية يلاحظ وقد نقش عليها رسوم الحصان البربري الذي انتشر بالأساس في دول شمال أفريقيا.

كما تعود تربية الخيول البربرية في تونس حسب المؤسسة الوطنية لتحسين وتجويد الخيول إلى أكثر من ألف سنة قبل الميلاد عند قبائل شمال أفريقيا. فقد استعمل الفرسان الخيول البربرية عند الفتوحات الرومانية بقيادة القائد القرطاجنّي حنّبعل. فيما وقع استعمال الخيول العربية في الفتوحات الإسلامية في الفترة الممتدة  بين 645 و770.  كما بيّنت المؤسسة أنّه تم سنة 1866 إحداث أوّل إسطبل بسيدي ثابت بمساحة فلاحيّة تقارب 5000 هك. وتم سنة 1881 توريد 4 فرسات عربية أصيلة من الشرق, وهي تمثّل نقطة انطلاق تنظيم و تسجيل إنتاج الخيول العربية بتونس، وإحداث شركة سباق الخيل بتونس. كما أحدثت عام 1988 المؤسّسة الوطنية لتحسين و تجويد الخيل التي تخضع لإشراف وزارة الفلاحة. وتعمل بالأساس على تحسين سلالات الخيول العربية الأصيلة والبربريّة. وتشرف المؤسسة على عمل 5 اسطبلات كبيرة مختصة في تربية الخيول. وأهمّها اسطبلات مدينة سيدي ثابت، الذي أضحى اليوم من أهمّ المراكز الدولية المعتمدة في تسجيل أنساب الخيول وأصولها.

اقرأ/ي أيضًا: بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس

يتفنن كل فارس في تزيين فرسه أو حصانه كجزء أساسي من الحضور والعرض الفرجوي (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

ولذا تعدّ تونس من بين أبرز الدول الافريقية التي حافظت على سلالة الجواد البربري إذ يوجد أكثر من 20 ألف جواد بربري باعتباره ميزة من مميزات التراث التونسي، خاصة وأنّها تعد من بين أبرز الخيول القادرة على تحمل العطش والإجهاد لمسافات طويلة والسير في المناطق الصحراوية والجبلية الوعرة.

وقال رئيس جمعية الفروسية محسن الغزي لـ"الترا تونس" إن أغلب الجمعيات المهتمة بالخيول البربرية حافظت على استمرار نسل تلك الخيول باعتبارها من تراثنا وتقاليدنا وأصالتنا. وتكون حاضرة بالأساس في أغلب مهرجاناتنا الصحراوية والبدوية التي تقام في عدّة جهات خصوصًا في فصل الصيف لأنّها عماد السياحة الداخلية.

وتتخلل المهرجانات عدد من الفقرات الاستعراضية التي ينتظرها المهتمون برياضة الفروسية. فيما يحرص الفرسان على ارتداء الزي التقليدي الذي يتكون أساسًا من سروال فضفاض وعمامة وفرملة رجالية مطرزة، دون أن يغيب أيضا الاهتمام بسروج الخيول التي تطرز برسومات مستمدة من التراث التونسي، مضفية على صهوات الخيول رونقًا وجمالًا يختلف من جهة إلى أخرى. لأنّ تلك الزينة تدخل ضمن المسابقة وفق قول محمد (42 سنة) أحد الفرسان الذين يشاركون في أغلب المهرجانات التونسية والعربية.

محمد (فارس) لـ"الترا تونس": يعمد الأب إلى تعليم ابنه أو حتى ابنته الفروسية كتعلم الركوب وقوفًا على ظهر الحصان ورفع البندقية وركوب الفارس بطريقة عكسية على الحصان أو الوقوف على الرأس

ويضيف محمد لـ"الترا تونس" أنّه تعلّم الفروسية منذ كان طفلًا من والده مشيرًا إلى أنّ الفروسية في أغلب الجهات تتوارث لدى بعض العائلات، إذ يعمد الأب إلى تعليم ابنه أو حتى ابنته الفروسية للمشاركة في أغلب عروض الفروسية كركوب الفارس وقوفًا على ظهر الحصان، ورفع البندقية وركوب الفارس بطريقة عكسية على الحصان، أو الوقوف على الرأس. وهي حركات خطيرة جدًا وفق قوله يتعلّمها أغلب الفرسان منذ الصغر.

ويلفت محدّثنا إلى أنّ تلك العروض اليوم تشهد مشاركة حتى الفتيات ولم تعد حكرًا على الرجال وذلك تخليدًا لتراث لن يندثر وفق تصريحاته.

الطفلة مريم (17 سنة) تشارك في عروض الفروسية منذ خمس سنوات بعد أن تعلّمت أغلب الحركات عن والدها. وتشارك هي الأخرى في أغلب المهرجانات الصحراوية بقبلي ودوز وتطاوين وغيرها من المهرجانات الوطنية. لكنّها لم تشارك في أي من المهرجانات العربية الأخرى على غرار الجزائر والمغرب رغم سعيها إلى ذلك. وقد رفضت أغلب محاولاتها بسبب سنّها كما تقول لـ"الترا تونس".

وتبقى الفروسية أحد أهم أعمدة التراث التونسي والتي تحتاج إلى التأطير والدعم لمزيد تطويرها وإعطائها ما تستحقه من أهمية من أجل أن تكون لها مساهمة فاعلة في تحسين السياحة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بدون تونس".. محرومون من المشاركة في الانتخابات

عن عبدو السينغالي.. بائع أساور في "لافيات" وصاحب حكمة