منذ أكثر من خمس سنوات بدأ الفلاح عبد الحميد العلوي المقيم بمنطقة فرنانة من ولاية جندوبة في خلط الخبز اليابس والذرة المرحية والعشب اليابس لصناعة علف لمواشيه وأبقاره. يقول إنّ "نقص الأعلاف والمراعي إضافة إلى فقدان العلف المركب من السوق دفعه إلى اللجوء إلى البحث عن بديل علف المواشي".
ويؤكد عبد الحميد "أن الآلاف من الفلاحين يعانون نفس الأمر، خاصة مع فقدان العلف المركب والمدعم، إذ نتج عن نقص الأمطار خلال السنوات الأخيرة ارتفاع غير مسبوق في سعر الأعلاف، سواءً محلية الصنع أو المستوردة، إضافة إلى انتعاشة السوق السوداء للعلف".
- فقدان العلف دفع الفلاحين للبحث عن بديل علف المواشي
ومنذ سنوات، أطلق صغار الفلاحين صيحة فزع بسبب أزمة الأعلاف، محذرين من خسارة القطيع بسبب فقدان العلف وانعدام المراعي الطبيعية نتيجة نقص الأمطار. فأزمة الأعلاف ليست بالجديدة خصوصًا بعد ظهور سوق سوداء لتجارتها لا سيّما مادة السداري.
منذ سنوات أطلق الفلاحون في تونس صيحة فزع بسبب أزمة فقدان الأعلاف محذرين من خسارة القطيع خاصة في ظل انعدام المراعي نتيجة نقص الأمطار الأمر الذي دفعهم للجوء لاستعمال الخبز اليابس كبديل علف المواشي
وتشرف الدولة عبر ديوان الحبوب الحكومي على توزيع مادة السداري المدعمة، لكن على مدى سنوات يؤكد الفلاحون وجود فساد كبير في توزيع تلك المادة والتلاعب بحصص كل شخص.
ويمثل ثمن العلف حوالي 70% من كلفة تربية الماشية، وفق ما يؤكده أغلب مربي المواشي الذين التقيناهم في عدّة جهات. وهو ما يعني أن البحث عن بدائل للأعلاف بات هاجس مربي المواشي والأبقار.
وازدادت الحاجة إلى هذه البدائل خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب، من بينها الظروف المناخية والجفاف بسبب نقص الأمطار، إضافة إلى تقلص مساحات الأراضي الزراعية التي كانت مخصصة للزراعات العلفية.
وقد بحث صغار الفلاحين عن بدائل للعلف المركب ونقص المراعي، من بينها الخبز القديم واليابس. ولطالما استخدم المربون الخبز اليابس في التعليف، نظرًا لتوفره، خاصة وأنه يقع اتلاف 900 ألف خبزة في اليوم، ما يعادل 320 مليون خبزة في السنة، وفق وزارة التجارة التونسية.
ومع انقطاع الأعلاف زاد تحوّل المربين إليه كعنصر داعم، مثل عامر الرياحي، وهو مربي أغنام بولاية باجة، الذي يشتري الخبز اليابس من الباعة.
يقول عامر إنه اتجه إلى شراء الخبز اليابس وخلطه بالشعير بسبب عدم توفر الأعلاف لإطعام أغنامه، خاصة الأعلاف المركبة المدعمة، إذ يحصل المربون المسجلون على حصص أقل من حاجتهم بكثير، مع فساد في توزيعها".
وأضاف أنّ الخبز وحده لا يكفي، بل يقع خلطه مع الشعير والذرة الصفراء، لكنها هي الأخرى باتت غير متوفرة بسبب أزمة الحبوب في العالم، ولم يعد بالإمكان تأمين هذه المواد التي شهدت أسعارها ارتفاعًا.
في السنوات الأخيرة ازدهت تجارة الخبز اليابس الذي يوجَّه أساسًا إلى مربي المواشي ممن يرغبون في شرائه لاستعماله علفًا لمواشيهم فيتعاملون سواء مع المخابز ومنتجي الخبز بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء يتعاملون مع جامعي الخبز
وازدهرت بذلك تجارة الخبز اليابس الذي بات يعرض حتى على منصات التواصل الاجتماعي وبكميات كبيرة، يوجَّه أساسًا إلى مربي المواشي ممن يرغبون في شراء الخبز لاستعماله علفًا لمواشيهم.
فيما يتعامل العديد من مربي المواشي بطريقة مباشرة مع منتجي الخبز والمخابز. كما يتعامل البعض مع من يجمعون الخبز اليابس من المخابز ويبيعونه إلى الفلاحين. أو يتوجه بعض مربي المواشي إلى وسطاء ممن يتعاملون مع عدة جامعين صغار لتجميع كميات كبيرة من الخبز وبيعه في الأرياف حسب الطلب.
- أزمة الخبز تؤثر على مربي المواشي
وتشكو المخابز التونسية في الآونة الأخيرة من أزمة شح في الموارد الأساسية لتصنيع الخبز وأبرزها الدقيق، إضافة إلى النقص الكبير المسجل في توفر مادتي الفارينة والسميد.
الأزمة الأخيرة التي تعرفها تونس في علاقة بتوفّر الخبز في المخابز أثرت بشكل غير مباشر في الفلاحة التونسية إذ أنّ كميات الخبز اليابس الذي كان يلجأ إليه مربو المواشي كعلف بديل لمواشيهم تراجعت
وتتعدد عوامل نقص تلك المواد، ولعل أبرزها تداعيات الحرب على أوكرانيا، التي تمثّل أحد أكبر مصدّري الحبوب في العالم، إذ تستورد تونس نحو 60% من القمح من روسيا وأوكرانيا. بالإضافة إلى العوامل المناخية التي باتت تشهدها تونس على غرار بقية دول العالم والمتمثلة أساسًا في الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، والجفاف الذي أدى إلى تراجع في المحاصيل الزراعية وتقلّص المساحات المخصصة للمراعي وللزراعات العلفية بالخصوص.
وكان المجمع المهني للمخابز العصرية بوكالة الأعراف "كونكت" قد أعلن أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة عن إيقاف إنتاج الخبز في أغلب المخابز التابعة له نتيجة عدم توفر الدقيق.
يذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أكد في أكثر من مناسبة أن فقدان الخبز ببعض المناطق سببه سعي البعض إلى اختلاق الأزمات بهدف تأجيج الأوضاع، وليست إلا قضية مفتعلة، على حد قوله.
أحد وسطاء بيع الخبز اليابس لـ"الترا تونس": مادة الخبز اليابس كانت متوفرة بكميات كبيرة ويقع بيعها بالكيلوغرام الذي يتراوح سعره بين 200 و300 مليم، لكننا اليوم بتنا نشهد أزمة في توفر الخبز اليابس بسبب أزمة المخابز والحبوب عمومًا
وسط الشد والجذب بين تصريحات المسؤولين ومشاكل مهنيي قطاع الخبز، تأثر المواطن بدرجة أولى بسبب فقدان الخبز في أغلب الأوقات وفي أغلب الجهات خاصة الخبز المدعم "الباقات". ونتيجة لنقص مادة الخبز، تراجعت بالضرورة كميات الخبز اليابس الذي كان يلجأ إليه مربو المواشي كعلف بديل لمواشيهم.
يقول كمال الهمامي، أحد وسطاء تجميع الخبز اليابس، إنه " يتعامل مع عدة عمال وصغار جامعي الخبز ممن يجمعونه بالخصوص من المخابز أو المتاجر أو حتى القمامات، ليقع فرزه وتجميعه في أكياس، ثم يتم بيعه للفلاحين في عدة جهات".
ويؤكد، في حديثه مع "الترا تونس"، أنّ "مادة الخبز اليابس كانت متوفرة بكميات كبيرة ويقع بيعها بالكيلوغرام، ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 200 و300 مليم، لكننا اليوم بتنا نشهد أزمة في توفر الخبز اليابس بسبب أزمة المخابز وعدم توفر الدقيق".
من جهته، يقول بشير بن صالح أحد مربي المواشي إن الخبز اليابس يستعمل دومًا في علف المواشي مع خلطه طبعًا بعدة مواد أخرى كالشعير والذرة والأعشاب والتبن وحتى بالصبار والتين الشوكي. وهي طرق تقليدية تستعمل منذ القديم قبل ظهور العلف المركب وغيره، واليوم بتنا نعول على تلك الطرق التقليدية بسبب أزمة العلف"، مستدركًا القول: "لكنّ العلف البديل أيضًا بات غير متوفر سواء الخبز أو حتى الشعير، ناهيك عن تراجع الزراعات العلفية نتيجة نقص الأمطار".
أحد مربي المواشي لـ"الترا تونس": في ظل أزمة العلف يقع استعمال الخبز اليابس في علف المواشي مع خلطه بعدة مواد أخرى كالشعير والذرة والأعشاب لكنّ العلف البديل أيضًا بات غير متوفر سواء بالنسبة للخبز أو حتى الشعير
وأضاف محدث "الترا تونس": "حتى الوسطاء الذين نشتري منهم الخبز القديم أكدوا عدم توفره بالكميات اللازمة مثل السابق بسبب أزمة المخابز اليوم".
ويؤكد أغلب المتدخلين في قطاع تربية الماشية وخاصة منهم الفلاحون تراجع عدد قطيع المواشي بسبب عدم توفر الأعلاف. كما تسبب فقدان العلف في نفوق عدد كبير منها في عدة جهات خاصة في ولاية زغوان، نتيجة غياب العلف المدعم وغياب بدائل عنه بسبب الجفاف ونقص الأمطار. أزمة طالت حتى الخبز اليابس الذي كان يعول عليه الكثير من مربي المواشي.