04-أغسطس-2023
صيدلية

ما فتئت أزمة نقص وفقدان الأدوية في تونس تتفاقم اليوم تلو الآخر (صورة تعبيرية/ Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

ما فتئت أزمة نقص الأدوية في تونس، وخاصة منها أدوية الأمراض المزمنة، تتعمّق اليوم تلو الآخر، وسط تشكيات متواصلة من المرضى الذين باتوا يعجزون عن إيجاد أدويتهم ويضطرون للبحث عن سبل "موازية" لتحصيلها، وآخرين ما انفك وضعهم الصحي يتردى دون أن يجدوا حلًا لهم. 

لطيفة، خمسينية مصابة بمرض القلب وأمراض أخرى، أصبحت منذ فترة تجد صعوبة في الحصول على الدواء المضاد للتخثر في الدم في ظلّ فقدانه من الصيدليات، وفق ما أكدته ابنتها منى لـ"الترا تونس"، مشيرة إلى أنها باتت تضطرّ إلى البحث عن سبل لاقتناء الدواء من الخارج.

ما فتئت أزمة نقص وفقدان الأدوية في تونس، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، تتعمّق وسط تشكيات متواصلة من المرضى الذين باتوا يعجزون عن إيجاد أدويتهم ويضطرون للبحث عن سبل "موازية" لتحصيلها

تقول في هذا الصدد: "هناك مجموعات على منصات التواصل الاجتماعي تم إحداثها لمثل هذه الأغراض، فمن يعجز عن إيجاد دواء لمرض ما ينشر تدوينة في المجموعة عساه يجد من يوصله له من دول أجنبية"، مشيرة إلى أنّ هناك من يقومون بذلك من باب إنساني وآخرون يطلبون عمولة كمقابل لكلّ عملية إيصال دواء ما.

وأقرّت محدثة "الترا تونس" بأنّها تدرك أنّ ذلك يندرج إلى حدّ ما في سياق المسالك الموازية للأدوية، مستطردة أنه ليس أمامها أيّ خيار آخر لإنقاذ صحة والدتها خاصة وأنّه لا يبدو أنّ هناك أفقًا لحلحلة أزمة الأدوية في تونس، على حد تصورّها.

توقعات منى بخصوص أزمة الأدوية لا تبدو بعيدة عن الواقع كثيرًا، وهو ما أكده الكاتب العام للجامعة العامة للصحة حسن المازني حين قال، الخميس 3 أوت/أغسطس 2023، إنّ "القطاع الصحي في تونس اليوم يشكو من نقص فادح في الأدوية ومن تدهور الخدمات ومن نقص كبير في الأعوان، بينما ترفض وزارة الصحة التونسية سماع الطرف النقابي لتلافي ذلك"، وفقه.

كاتب عام جامعة الصحة: الأدوية الحياتية لعدة أمراض مزمنة وخطيرة كضغط الدم والعجز الكلوي وغيرها لم تعد متوفرة في تونس وهو ما ستكون له عدة انعكاسات خطيرة

وأشار المازني، في مداخلة له على إذاعة "موزاييك" (محلية)، إلى أن "سياسة وزارة الصحة في التخفيض من ميزانية التدخل بـ25% ما تسبب في انعدام الأدوية تقريبًا، وجعل كل المؤسسات الصحة العمومية دون استثناء تعاني من عجز مالي كبير وأصبحت غير قادرة على إدارة شؤونها الداخلية"، لافتًا إلى أنه "لمّا يشتكي مديروها بأن لديهم عجزًا ماليًا وأنهم غير قادرين على خلاص المزودين واقتناء الأدوية، فإنهم لا يجدون تجاوبًا من الوزارة"، على حد قوله.

وأكد كاتب عام جامعة الدولة أنه لا يوجد أيّ مجهود من جانب الدولة حتى يتحمّل الصندوق الوطني للتأمين على المرض "الكنام" مسؤوليته ويسدد ديونه للمستشفيات حتى تنهض قليلًا وتتمكن من اقتناء أدوية وتقديم خدمات صحية للمواطنين، وفقه. وتابع في السياق ذاته أنّ "الأخطر من ذلك هو أن الأدوية الحياتية لعدة أمراض مزمنة وخطيرة كضغط الدم والعجز الكلوي وغيرها لم تعد متوفرة، وهو ما ستكون له عدة انعكاسات"، حسب تصوره.

 

 

  • ما علاقة نقص الأدوية بانخفاض قيمة الدينار؟

اختلال قدرة الصيدلية المركزية التونسية على تزويد البلاد بالأدوية أرجعها المرصد التونسي للاقتصاد إلى ما اعتبره "التخفيض الحاد في قيمة الدينار منذ سنة 2016"، وفق تقديره.

واعتبر المرصد، في مذكرة له أصدرها بتاريخ 26 جويلية/يوليو 2023 تحت عنوان  ''نقص الادوية يشكل ازمة يفاقمها التخفيض في الدينار والتعويل على التوريد" وتحصلت عليها الوكالة الرسمية التونسية للأنباء، أنّ التخفيض في قيمة الدينار قد أدى إلى تسجيل الصيدلية لخسارة 62% من نتيجتها الصافية سنة 2018 مقارنة بعام 2017 حيث تراجعت من 144.8 مليون دينار إلى 234.6 مليون دينار.

المرصد التونسي للاقتصاد: نهاية شحّ الأدوية وندرتها ترتبط ببدائل تخفض من التعويل على التوريد وتدعم قطاعات التصنيع المحلي للدواء

ويرى أنّ "التخفيض في قيمة العملة الوطنية قد أثّر أيضًا وبشكل مباشر على القطاعات المحلية لإنتاج الأدوية، إذ أنّ معظم المعدات والمواد الأولية المستخدمة في صناعة الأدوية الجنيسة هي موردة من الخارج بالعملة الأجنبية"، مؤكدًا ضرورة استقرار سعر الصرف والتوازنات المالية العمومية خصوصًا في قطاع الصحة وعلى مستوى صناديق الضمان الاجتماعي بما من شأنه أن يعيد التوازن إلى قطاع الصناعات الدوائية على المدى القصير والمتوسط.

وعلى المدى الطويل، اعتبر المرصد أنّ نهاية شحّ الأدوية وندرتها ترتبط كذلك ببدائل تخفض من التعويل على التوريد وتدعم قطاعات التصنيع المحلي للدواء.

 

  • فقدان الأدوية ينعش المسالك الموزاية

يبحث كثيرون عن ضالتهم من الأدوية التي يحتاجونها في مجموعات على فيسبوك أو عبر التعامل مع أشخاص يعملون في مجال التوصيل من الخارج لاقتناء أدوية وإيصالها لهم بمقابل، وهو ما يعتبر إلى حد ما مسلكًا موازيًا وغير قانوني

على خطى منى، التي ارتأت التعامل مع أشخاص طبيعيين لاقتناء الأدوية سبيلًا لإنقاذ صحة والدتها، كثيرون يسلكون هذا الاتجاه بعد أن سئموا انتظار دواء لن يأتي، فيبحثون عن ضالتهم من الأدوية التي يحتاجونها في مجموعات وصفحات على فيسبوك، أو عبر التعامل مع أشخاص يعملون في مجال التوصيل من الخارج، لاقتناء أدوية وإيصالها لهم بمقابل، وهو ما يعتبر إلى حد ما مسلكًا موازيًا وغير قانوني، وهو ما انفكت تحذّر منه الهياكل الصحية في تونس.

وكان رئيس النقابة التونسية للصيدليات الخاصة نوفل عميرة، قد تحدث، في 20 جويلية/يوليو 2023، عن "تنامي ظاهرة بيع الأدوية الطبية أو شبه الطبية عبر مسالك غير قانونية أو على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة خلال العام الجاري"، مؤكدًا أن نقص الأدوية يفتح المجال أمام السوق الموازية.

رئيس نقابة الصيدليات الخاصة: أزمة نقص الأدوية في تونس مرشحة للتفاقم أكثر وهو ما ينعش ظاهرة بيع الأدوية الطبية أو شبه الطبية عبر مسالك غير قانونية أو على مواقع التواصل الاجتماعي

ونبّه عميرة، في مداخلة له على إذاعة "موزاييك" (محلية)، إلى أنّ الوضعية المالية للصيدلية المركزية صعبة للغاية وهو ما يُهدّد بانهيار المنظومة بأكملها، لافتًا إلى أنّ أزمة نقص الأدوية في تونس مرشحة للتفاقم أكثر، بالنظر إلى أنه لم يتمّ إيجاد حلول جذرية للمشكل القائم، حسب تصوره.

 

 

  • شح سيولة الصيدلية المركزية

وسبق أن فسّر رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، علي بصيلة، في 5 أفريل/نيسان 2023، تواصل نقص الأدوية منذ عدة أشهر، بـ"تراكم مديونية الصيدلية المركزية لدى كبار المزودين ومخابر الأدوية بالخارج".

رئيس مجلس هيئة الصيادلة: تواصل نقص الأدوية منذ عدة أشهر سببه تراكم مديونية الصيدلية المركزية لدى كبار المزودين ومخابر الأدوية بالخارج وهو ما يستوجب ضرورة توفير السيولة لها 

ودعا، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إلى "ضرورة توفير السيولة المالية للصيدلية المركزية حتى تستعيد إمكانياتها في ضمان انتظامية التزويد بالأدوية".

واني الصيدلية المركزية من شح في السيولة بسبب تراكم مستحقاتها المالية لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) ولدى المؤسسات الصحية، إذ يصل مجموع مستحقات الصيدلية لدى الصندوق والمؤسسات الصحية إلى 1238 مليون دينار إلى موفى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فيما تقدر مستحقات الصيدلية المركزية لدى المستشفيات العمومية بـ 741 مليون دينار، هذا بالإضافة إلى 41 مليون دينار غير مستخلصة لدى بعض حرفاء الصيدلية المركزية.