08-نوفمبر-2022
 المنتخب التونسي

وهبي الخزري يحتفل إثر تسجيله أمام منتخب بنما في مونديال روسيا 2018 (Getty)

 

"الكرة في الشبكة.. يسجّل، هدف، جوووووول"، هي المفردات والعبارات الأكثر سريانًا على ألسنة المعلقين والأشدّ تأثيرًا في نفوس السامعين والمشاهدين، ألا ترى أنّ اهتزازات الجماهير تعلو وتخفت في المدارج وأمام شاشات التلفاز حسب طبيعة الأداء فوق الميدان لكنها تدرك ذروة التهيّج العصبي عند تسجيل الأهداف، وكأنّ الوعي الكروي الجمعي ينطوي على مقاربة مفادها أن الأشياء تُعرف وتحدّد قيمتها بنتائجها وخواتيمها.

ظلّت أسماء الهدافين في الذاكرة الرياضية عامّة والتونسية خاصّة أعلق بالأذهان عبر الأجيال والأزمان

ولعلّ أكثر المجالات التي تتجسّد فيها فلسفة النجاعة هي بلا شكّ كرة القدم، فالمراوغة الجميلة الرشيقة والتمريرة الذكية الدقيقة والتسديدة القويّة المؤطّرة كلّها لقطات فنيّة تكاد تسقط من الذاكرة ما لم تتوج بأهداف. لذلك ظلّت أسماء الهدافين في الذاكرة الرياضية عامّة والتونسية خاصّة أعلق بالأذهان عبر الأجيال والأزمان، إلا في حالات استثنائيّة من قبيل تسديدة لاعب المنتخب التونسي تميم الحزامي التي ارتطمت بالعارضة الأفقية لمرمى المنتخب الألماني وقد ظلّ جيل الأرجنتين يذكر تلك اللقطة أكثر من تذكره لحامل اللقب في ذاك المونديال.

لكن لو تمعنّا في نوعيّة الأهداف وأساليبها والجمل الكروية التي ساهمت في بلوغها لاهتدينا إلى نتائج في غاية الأهمية تتجّلى من خلالها فضلًا عن الاختيارات التكتيكية والمهارات الفنية بعض المؤشرات المتصلة بالبنية النفسية والذهنية للاعبين والمدربين والأندية والمنتخبات.

 

 


  • هجوم المنتخب التونسي.. من التوازن إلى العجز إلى النجاعة المطعونة من الخلف

خاض المنتخب التونسي في كأس العالم 15 مباراة فقط وتلك ضريبة الخروج من الدور الأوّل بعد خوض ثلاث مباريات في كلّ مونديال وهي الحدّ الأدنى المتاح في الدور الأوّل.

مجموع الأهداف التي سجلها النسور في تاريخ المونديال بلغ 13 هدفًا من بينها 5 في مونديال روسيا

مجموع الأهداف التي سجلها النسور بلغ 13 هدفًا توزّعت على النحو التالي، ثلاثة في الأرجنتين وهدف يتيم في فرنسا ومثله في كوريا واليابان ثمّ ارتفعت الحصيلة لتدرك الثلاثة في ألمانيا وتبلغ الخمسة في روسيا.

تزامنت النجاعة الهجومية في المشاركتين الأخيرتين مع انهيار الدفاع فقد قبل زملاء شكري الواعر ستّة أهداف، واهتزت شباك معز حسن وفاروق بن مصطفي والبلبولي ثمانية مرات في ثلاث مباريات في المونديال الأخير.

بهذا يكون المنتخب التونسي قد مرّ من التوازن في الأرجنتين (سجّل ثلاًثا وقبل اثنين) إلى الشحّ والعجز في فرنسا وكوريا واليابان إلى النجاعة الهجومية التي طعنتها من خلف الهشاشة الدفاعية (تسجيل 5 وقبول 8).

أقلّ من هدف في كلّ مباراة ( 0.86) هو معدّل حصيلة أهداف المنتخب في 5 كؤوس عالم قد شارك فيها

أقلّ من هدف في كلّ مباراة ( 0.86) هو معدّل حصيلة أهداف المنتخب في المونديالات الخمس التي شارك فيها، هذا المعطى تتضح تفاصيله النوعية والكمية والفردية والتكتيكية من خلال الجداول الخمسة التالية:

  • المشاركة الأولى: الأرجنتين 1978    

 

المشاركة الأولى: الأرجنتين 1978

  • المشاركة الثانية: فرنسا 1998

 

المشاركة الثانية: فرنسا 1998

  • المشاركة الثالثة: كوريا واليابان 2002
     

المشاركة الثالثة: كوريا واليابان 2002

  • المشاركة الرابعة: ألمانيا 2006

 

المشاركة الرابعة: ألمانيا 2006المشاركة الرابعة: ألمانيا 2006

 

 

  • المشاركة الخامسة: روسيا 2018

 

المشاركة الخامسة: روسيا 2018المشاركة الخامسة: روسيا 2018

 

التمعّن في هذه الجداول يكشف لنا عددًا من الظواهر المتواترة التي تساهم في الكشف عن بعض ملامج الكرة التونسية نذكر منها الآتي:

  • هدافو المنتخب.. يمينيون دون 18

كشفت هذه الجداول عن عجز لاعبي المنتخب التونسي عن التسجيل من خارج منطقة 18 مترًا، فالأهداف التي جسمها علي الكعبي ونجيب غميض والمختار ذويب في الأرجنتين وهدف اسكندر السويح في فرنسا وأهداف زياد الجزيري والجعايدي والمناري في ألمانيا وأهداف فرجاني ساسي وديلان براون وفخر الدين بن يوسف ووهبي الخزري كلّها سدّدها أصحابها من مسافات قريبة من المرمى، لا تتخطّى في كلّ الأحوال 16 مترًا، الاستثناء الوحيد يتمثّل في هدف رضوان بوزيان الذي سجله في مرمى المنتخب البلجيكي في مونديال كوريا واليابان من خلال ضربة حرة مباشرة بالساق اليسرى.

معظم أهداف المنتخب التونسي في مشاركاته في كأس العالم سدّدها أصحابها من مسافات قريبة من المرمى، لا تتخطّى في كلّ الأحوال 16 مترًا

الخصوصية الثانية التي افتقر إليها الهدافون التونسيون هي التهديف بالساق اليسرى، فباستثناء هدف بوزيان بهذه الساق الذهبية وهدفين بالرأس من الجعايدي ( ضد السعودية) وديلان براون (ضد بلجيكا) فإن العشرة أهداف المتبقية كانت بالساق اليمنى فنصيب اليسرى لا يزيد عن 1/11 وحظ اليمنى 10/11 هذا ما جعلنا نقرّ على سبيل المجاز بأنّ هدّافي المنتخب "يمينيون أقل من الثامنة عشر (-18)".

 

 

  • من سنفونيات الشتالي إلى نشاز البقية

أمّا على مستوى صناعة الأهداف فيمكن الإقرار في غير تردّد بأنّ أهداف زملاء طارق ذياب ونجيب غميض كانت تكتيكيًا أقرب إلى الجمل الكروية الجماعية القائمة على التمريرات القصيرة والدقيقة، فالهدف الأول ضد المكسيك سجله علي الكعبي مستفيدًا من توزيعة نصف فضائيّة من حمادي العقربي بعد تبادل الكرة بينه وبين طارق ذياب.

وتكررت سنفونية الهدف الأول من خلال الهدف الثاني إذ تدرج اللاعبون بالكرة من وسط الميدان فانتهت إلى تميم الحزامي ثم طارق ذياب الذي مرّرها بمنتهى الدقة إلى نجيب غميض فلم يتردد في ترويضها ترويضًا موجهًا إلى الأمام ثم التسديد بخارج الساق اليمنى لتستقر الكرة في شباك الحارس المكسيكي، نفس اللاعب تحوّل في الهدف الثالث إلى صاحب تمريرة حاسمة استفاد منها المختار ذويب ممضيًا بيمناه على الثلاثية التاريخية في الأرجنتين.

البناء التدريجي المحكم للأهداف تراجع بشكل لافت في مشاركات المنتخب التونسي في المونديال

هذا البناء التدريجي المحكم للأهداف تراجع بشكل لافت في المشاركات اللاحقة لتحلّ محله المهارات الفردية للجزيري على سبيل المثال ضد إسبانيا والسعودية في ثلاث مناسبات تمريريتين حاسمتين واحدة في كل مباراة بعد سلسلة من المراوغات، وهدف التقطه هو بنفسه مستفيدًا من خطأ المدافع السعودي، وتأكيدًا لتراجع العمل الجماعي يمكن التذكير ببقية الأهداف التي كانت إثر كرات ثابتة أهمها ضربتي جزاء جسمها إسكندر السويح ضد رومانيا في مونديال ألمانيا وفرجاني ساسي ضد انجلترا في سنة 2018 بروسيا هذا فضلاً عن هدف براون إثر مخالفة نفذها وهبي الخزري.

تراجع الأهداف ذات البناء الجماعي المتدرج يجعلنا نثني على الكفاءة التكتيكية للمدرب الشتالي ونلقي بمستوى بقية المدربين في مدارج النقد والتشكيك.

  • القادمون من الخلف والجزيري أول مهاجم يسجل في المونديال!

صام مهاجمو المنتخب التونسي على امتداد ثلاث مشاركات في المونديال، فقد كانت الأهداف في الأرجنتين وفرنسا وكوريا واليابان من أقدام لاعبي الدفاع ( الكعبي، مختار ذويب ضد المكسيك ورضوان بوزيان ضد بلجيكا ) أو وسط الميدان الدفاعي (نجيب غميض) أو وسط الميدان الهجومي (ضربة جزاء من إسكندر سويح ضد رومانيا) ولم يتحرّر المهاجمون الهدافون نسبيًا وبصفة فردية محتشمة إلا بداية من مونديال ألمانيا فتوزعت الأهداف الثلاثة آنذاك بين المهاجم المتألق زياد الجزيري والمدافع راضي الجعايدي (ضد السعودية) ولاعب وسط الميدان جوهر المناري (في لقاء إسبانيا).

فشل الكرة التونسية عبر أجيال في صناعة المهاجمين الهدافين وتواصل الضعف الفادح في استعمال الساق اليسرى والعجز عن التسجيل من خارج منطقة الجزاء

وتواصلت استفاقة المهاجمين في مونديال روسيا التي سجل فيها المهاجم فخر الدين بن يوسف هدفًا وبلغ من خلالها وهبي الخزري مرتبة هداف المنتخب بإحرازه هدفين واحد ضدّ بلجيكا وثان ضدّ بنما.

بناء على ما تقدّم يمكن الانتهاء إلى النتائج التالية:

  • الأولى: تظلّ مجموعة الأرجنتين هي الأفضل من حيث عدد الأهداف المسجلة في مباراة واحدة (3- ضدّ المكسيك)، وقد قارب زملاء أسامة الحدادي بلوغ هذا الرقم لولا اكتفائهم بانتصار خفيف ضد منتخب بنما الضعيف (2-1) في مونديال روسيا
  • الثانية: قوة شخصية لاعبي أبناء الشتالي تجلت خاصة في المواجهة الندية لألمانيا وفرض نتيجة التعادل على حامل اللقب في النسخة السابقة لمونديال الأرجنتين، في المقابل أظهرت بقية الأجيال هشاشة واضحة في مواجهة الكبار إسبانيا ( 3-1) وبلجيكا ( 2-5)
  • الثالثة: فشل الكرة التونسية عبر أجيال في صناعة المهاجمين الهدافين وتواصل الضعف الفادح في استعمال الساق اليسرى والعجز عن التسجيل من خارج منطقة الجزاء وهي نقيصة يمكن إرجاعها إلى أسباب ذهنية ونفسية (الافتقار إلى روح المبادرة) وفنية (الضعف في التسديد المؤطّر) وبدنية ( سيقان تحتاج إلى المزيد من تمارين التقوية).