20-سبتمبر-2022
 علي الكعبي ـ صورة الترا تونس

كان لعلي الكعبي شرف تسجيل أوّل هدف للمنتخب في تاريخ كأس العالم (ألترا تونس)

 

للمرة السادسة يتمكن المنتخب التونسي من ضمان مقعد ضمن صفوة الأمم المشاركة في تصفيات كأس العالم لكرة القدم، بداية من الأرجنتين (1978) وانتهاء إلى قطر (2022) ومرورًا بفرنسا (1998) وكوريا واليابان (2002) وألمانيا (2006) وروسيا (2018).

ما يُنتظر من الرياضي والفنان والباحث والإعلامي والدبلوماسي عند تمثيل تونس في الخارج هو السعي إلى نحت صورة مشرفة لبلاده تتجسد من خلالها كونية الانفتاح على قيم الاجتهاد والإبداع والمنافسة الشريفة واحترام الآخر كما تتجسم في ثنايا هذا كله الخصوصية التونسية المتمثلة في القدرة على التكيّف من جهة والتمرّد على الحسابات والتكهنات والتوقعات من جهة ثانية، هذا شأن التونسيين في السياسة والانتفاضات والثورة والانتخابات، فما بالك في كرة القدم!

لذلك حافظت هذه الرياضة في بلادنا شأنها شأن مجالات أخرى على متعة التشويق ونكهة الانتظار ولذة الرهان، وقد تواتر هذا المشهد حتى أصبح سمة مميزة للمنتخب التونسي في جلّ المسابقات القارية والعالمية، كم مرّة حسبنا الانتصار في "الجيب" فخاب رجاؤنا، وكم مناسبة خشينا فضيحة مدوية ضدّ أحد عمالقة الكرة فقدمنا أداء بطوليًا ظلّ عالقًا في النفوس والأذهان وسائرًا على الألسن، ولنا في ذلك أمثلة عديدة يمكن أن نعود إليها بالتفصيل في مقالات لاحقة.

علي الكعبي المدافع الأيسر للمنتخب التونسي سنة 1978 كان له شرف تسجيل أوّل هدف للمنتخب في تاريخ كأس العالم

تجاذبت مشاركات المنتخب التونسي في كأس العالم ثنائيّة النجاح والإخفاق، وأكاد أجزم أنّ من أكثر النجوم الذين تجسدت في سيرتهم الرياضية هده الثنائية هو علي الكعبي المدافع الأيسر لمنتخب 1978، فقد كان له شرف تسجيل أوّل هدف في المباراة الافتتاحية ضد المكسيك في المقابل كان المتسبب في الهدف الذي سجله لاتو اللاعب البولندي في مرمى النايلي، لذلك حقَّ فيه القول تلك الأيام "هو من أسعد التونسيين وهو الذي أبكاهم وأورث في نفوسهم شعورًا بالحسرة على ترشح إلى الدور الثاني كان في المتناول"، كيف لا وقد تمكّن الشتالي أنذاك من تأليف منظومة تكتيكية رائدة عزّ على المكسيكيين والألمان فكّ شفراتها، مدافعوها هدافون ومهاجموها أول المنقضين على الكرة لاستردادها من المنافسين.

من جهة أخرى، كان الكعبي قد تحصّل على الدرجة الأولى في التدريب، وهو ما يزال لاعبًا ولم يُشارك بعدُ في كأس العالم، وساهم لاحقاً في صعود عديد الفرق إلى الرابطة الأولى لكنه لم ينحت مسيرة كبرى في المجال الفني، ولم ينل حظّه في تدريب المنتخبات وتلك مفارقة ثانية في مسيرة هذا اللاعب المتميز.

قبل نهاية عقده السابع بسنة (69)، أتمّ علي الكعبي خوض غمار المراتب والمقامات الخمسة للأنشطة ذات الصلة بكرة القدم، بدأ لاعبًا محليًّا ووطنيًا ومحترفًا، ثم خاض تجربة التدريب، وترأس في الأثناء جمعية الأولمبي للنقل، ومارس التحليل الرياضي، وانتهى أخيرًا إلى مرتبة المستشار لدى الإدارة الفنية في صنف الشبان.

سجل علي الكعبي أول هدف للمنتخب التونسي في كأس العالم في مباراته ضد المكسيك التي انتهت بفوز تونس بنتيجة 3-1 وهي أول مباراة تشهد فوز منتخب إفريقي في بطولة كأس العالم

هذه التجربة الغنية المتقلبة سلبًا وإيجابًا صعودًا ونزولاً جعلت علي الكعبي مرجعًا يمكن الاستئناس برأيه في رسم المسارات التقريبية حول مشاركة المنتخب التونسي في مونديال قطر 2022، فكان لنا معه الحوار التالي:


  • في مناسبة عالمية تقتضي التسلح بالخبرة، ألا ترى أنّ التعويل على جلال القادري ذي التجربة القصيرة مع المنتخب ينطوي على مجازفة؟

هذا الأمر أخذ حظّه من الجدال في بداية مشوار جلال القادري مع المنتخب، ولكن بعد ذلك بدأ المدرب الحالي ينحت لنفسه شروط الاستمرار، فقد تخطّى مخلفات الانسحاب في الربع النهائي لكأس إفريقيا ضدّ بوركينا فاسو لمّا كان مساعدًا لمنذر الكبيّر، فمن حيث النتائج تمكّن من اقتلاع ورقة الترشح للمونديال بعد الفوز على غينيا وبلغ نهائي البطولة العربية ولولا الحظ لكان اللقب من نصيبنا.

أمّا من حيث الكفاءة العلمية فأنا أجزم أن المدرب الحالي للمنتخب التونسي لكرة القدم هو الأكثر حرصًا على تطوير زاده الفنّي، فما أعرفه عنه شخصيًا أنه يكرّس وقته وماله وطاقته الذهنية وعلاقاته في سبيل الاطلاع على كلّ الدقائق والإحاطة بكل جديد في ميدانه.

  • هل تقول هذا بدافع التحفظ باعتبارك تنتمي إلى الطاقم الموسع للمنتخبات الوطنية في تونس بخطّة مستشار في منتخبات الشبان؟

الحقَّ أقول في غير خشية ولا طمع، إنّ جلال القادري بصرف النظر عن المقارنات التي تستهوي الكثيرين قبل بداية كل مسابقة وبعدها هو من المدربين الأقل إثارة للجدال والسجال حول نزاهة اختياراته، أي نعم، يمكن أن نختلف معه في هذه العناصر أو تلك، لكن ذلك يدخل في باب التباين في التقييم، فكرة القدم رياضة  تنحو منحًا علميًا لكنها تظلّ في كلّ الأحوال مجالاً إنسانيًا يُبيح هامشًا من الخطأ.

علي الكعبي: جلال القادري بدأ ينحت لنفسه شروط الاستمرار في المنتخب وهو من المدربين الأقل إثارة للجدال والسجال حول نزاهة اختياراته

  • دعا القادري 25 لاعبًا (دون اعتبار حراس المرمى) منهم 4 فقط ينشطون في البطولة التونسية المحلية، أي بنسبة تقل عن عشرين بالمائة، والبقية في أوروبا ومصر والخليج، هل أصبح الاحتراف هو السبيل الأمثل للالتحاق بالمنتخب؟

لا بدّ من الاعتراف بأنّ الاحتراف قد أكسب العديد من اللاعبين استقرارًا في النشاط والعطاء فضلًا عن الخبرة وهو ما ساهم في بروزهم في أنديتهم ممّا جعل دعوتهم إلى المنتخب أمرًا وجيهًا. قديمًا كان المنتخب هو المطيّة الأمثل للبروز عالميًّا والاحتراف في الأندية الأوروبية، الآن نظرًا إلى اعتبارات عديدة بات الاحتراف السبيل إلى بلوغ بوّابة المنتخب.

 

 

  • ألا ترى أن تأخير انطلاق نشاط البطولة ودخول العديد من الأندية في عطلة اضطرارية مطولة قد حال دون بروز عديد اللاعبين المحليين في فترة ذروة التركيز على اختيار الأنسب للمشاركة في المونديال؟

للأسف، هذا صحيح، لكن للأمانة يمكن القول إن عدد اللاعبين الذينن حرموا من البروز لن يتخطّى في كلّ الأحوال اللاعبَين أو الثلاثة.

  • من يتحمّل مسؤولية هذا "الحيف الرياضي" الذي تضّرر منه اللاعبون المحليّون؟

أنا شخصيًا لا أُحمل الجامعة التونسية لكرة القدم مسؤولية تعطّل البطولة وتأخر انطلاقها، فالنزاع حول النزول إلى الرابطة الثانية والأجدر بالبقاء في الرابطة الأولى قد اتخذ في نهاية الموسم المنقضي أشواطًا خطيرة ومعقدة أفضت إلى الاعتصامات والمظاهرات والمحاكم، ومع ذلك فقد حرصنا على حماية المنتخبات من مشاكل الجمعيات، بما فيها منتخبات الشبان.

  • كيف ذلك؟

بالنسبة إلى منتخبات الشبان تمّ بين 2020 و2022 فتح مركز تكوين في صفاقس يتدرب فيه مواليد 2007 و2008، كما وقع تدعيم هذا الإنجاز بمركز آخر بعين دراهم لمواليد 2008، هذا فضلًا عن تواصل أنشطة لاعبي النخبة بالمعهد الرياضي بالعاصمة ومركز التكوين ببرج السدرية لفائدة مواليد 2003 و2005 و2006.

  • هل يُغني ما ذكرته عن النشاط المنتظم للأندية في أصناف الشبان والأكابر؟

ما تقوم به هذه المراكز لا يعوّض بطبيعة الحال المنافسات المنتظمة في البطولة التونسية، لكنه يحدّ نسبيًا من خطورة تعطل النشاط الرياضي بصرف النظر عن أسبابه، وبائية أو تنظيمية أو ماديّة أو جزائية. كما يعالج النقص في تكوين الشبان داخل الجمعيات، وقد اقترحتُ أنا وغيري في مناسبات عديدة الحزم في تفعيل القانون الذي يُلزم الجمعيات بإنفاق نسبة هامة من الميزانية للتكوين، كما أدعو من خلال هذا الحوار إلى تحفيز مدربي الشبان برواتب محترمة حتى يتحسن أداؤهم، فما يقومون به يمثل عماد الأندية والمنتخبات، فلا مستقبل لكرة القدم إذا تواصل إهمال التكوين والمُكونين.

علي الكعبي: أدعو إلى تحفيز مدربي الشبان برواتب محترمة حتى يتحسن أداؤهم، فما يقومون به يمثل عماد الأندية والمنتخبات، فلا مستقبل لكرة القدم إذا تواصل إهمال التكوين والمُكونين

 

 

  • هل يمكن اعتبار ضعف البطولة التونسية ومعضلة التكوين في الأندية سببًا في لجوء القادري إلى جيل نشأ كرويًا في أوروبا؟

هذا التوجّه مقنع في انتظار أن تستعيد البطولة الوطنية عافيتها في مختلف المستويات والأصناف.

 

 

  • ما رأيك في برنامج المباريات الوديّة للمنتخب التونسي استعدادًا لمونديال قطر 2022؟

لا شدّ أنّ مواجهة جزر القمر أولًا والبرازيل ثانيًا ستمثل فرصة جديدة للوقوف على إمكانية المنتخب التونسي في التنشيط الهجومي والتنشيط الدفاعي في مبارتين تبدو الأولى في المتناول في حين تعدّ الثانية فرصة للتحقّق من قوة شخصية المنتخب في مواجهة المنتخبات العملاقة، لكن مهما كانت النتيجة لا ينبغي أن نعتبرها مقياسًا في تقييم المنتخب، ولنا في المنافسات السابقة خير مثال، فقبل الذهاب إلى الأرجنتين لم تكن النتائج في التحضيرات مشعة لكن الأداء جعلنا واثقين من خوض المونديال بكل اقتدار، في المقابل تمكن المنتخب التونسي في مشاركات أخرى من تحقيق نتائج باهرة في التحضيرات لكنه أخفق في المباريات الرسمية.

  • تبدو مستبشرًا، هل ثمة أسباب موضوعية تبرر تفاؤلك بالمنتخب؟

ثلاثة أسباب تجعلني أتوقع التألق للمنتخب التونسي في مونديال 2022، الأوّل هو أن زملاء يوسف المساكني سيواجهون بقية المنتخبات "في دارهم" كأنهم يستقبلونهم في رادس أو المنزه، فالعديد من أبناء المنتخب قد تعوّدوا على النشاط في ملاعب قطر التي ستحتضن المسابقة العالمية كما أتيحت للبقية فرصة اللعب في العديد من هذه الملاعب خلال البطولة العربية.

علي الكعبي: زملاء المساكني سيواجهون بقية المنتخبات "في دارهم" كأنهم يستقبلونهم في رادس أو المنزه، فالعديد منهم متعودون على النشاط في ملاعب قطر

العنصر الثاني الذي سيخدم المنتخب التونسي هو الجمهور الذي نتوقع أن تتآلف فيه تشجيعات التونسيين مع أهازيج بقية العرب في كل مباراة يكون فيها نسور قرطاج طرفًا.

العنصر الثالث يرتبط بالعقلية الاحترافية التي تميز لاعبي المنتخب التونسي، فقد اختفت في هذه النسخة الصراعات التي يغذيها التعصب للنوادي والجمعيات المحلية وأصبح المحرك الأساسي لكل لاعب هو التسويق لنفسه وهذا أمر مشروع في تناغم مع روح المجموعة والنزعة الوطنية.

  • تُصرّ على مبدأ التناغم و"روح المجموعة " داخل الفريق، ألا تعترف بالدور الاستثنائي لنجوم الفريق على غرار المساكني؟

أنا لا أميل إلى استعمال مصطلح نجوم، أُفضلُ الحديث عن الركائز، فالمساكني وفرجاني ساسي والسليتي والسخيري على سبيل المثال، يمثلون أعمدة لا غنى عنها في الفريق، لأسباب فنية وتكتيكية معلومة، ولأنهم يتصفون بقوة الشخصية داخل الملعب والقدرة على المبادرة الفردية وإحداث الفارق ومفاجأة الخصم.

علي الكعبي: أتوقع أن تترشح تونس إلى الدور الثاني صحبة زملاء مبابي، فنحن جديرون بذلك في مونديال قطر

  • ماهي المنتخبات التي تراها قادرة على المضي بعيدًا في المونديال وهل تتوقع مفاجآت؟

المنتخبات التقليدية ستواصل هيمنتها وتؤكد جدارتها بتزعم المسابقة العالمية، أقصد البرازيل وانجلترا وألمانيا والأرجنتين، أمّا المنتخب الفرنسي منافسنا في المجموعة فسيكون له شأن كبير بالنظر إلى الرصيد البشري الذي يمتلكه، وأتوقع أن تترشح تونس إلى الدور الثاني صحبة زملاء مبابي، فنحن جديرون بذلك في هذه النسخة من كأس العالم.

 

 

المدرب علي الكعبي ومراسل الترا تونس

مراسل "ألترا تونس" خلال حواره مع المدرب علي الكعبي