19-مارس-2019

"توثيق لشهادات مختلفة حول انتهاكات حقوق الإنسان في تونس قبل الثورة وبعدها (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

 

ليس لزامًا عليك أن تكون مثليًا لتدافع عن المثليين، ولا لادينيًا حتى تدافع عن اللادينيين، ولا أمًا عزباء حتى تدافع عن الأمهات العازبات ولا بهائيًا لتدافع عن البهائيين، ولكن لزام عليك أن تحترم حقّ غيرك في أن يكون مختلفًا عنك. والإنسانية في مفهومها الحق، تحتوي الكلّ وتعلي راية الاختلاف بل وتستمد منه مقوّمات الوجود والحياة وتخلق من رحمه جدلًا عذبًا ترتقي وتنمو به.

ولكن الإنسانية اليوم تشكو من علل عديدة، أنتجها التطرّف والتعصّب والتسليم بقدسية بعض الأفكار أو الآراء، وهي اليوم تواجه وسومًا اجتماعية ودينية وفكرية ومذهبية قد تقوّض حرّية الأفراد بتهمة الاختلاف وتحاصرها المحاكمات من كل صوب.

"يوم جاؤوا لاعتقالي" يوثّق شهادات مختلفة لانتهاكات حقوق الإنسان في تونس قبل الثورة وبعدها

اقرأ/ي أيضًا: "يوم جاؤوا لاعتقالي": إصدار جديد يروي قصص "المختلفين عنا والذين يشبهوننا"

وعن "تهمة " الاختلاف، التي ليست في حقيقة الأمر سوى قوالب جاهزة لمصادرة حق الآخر في ممارسة قناعاته، يروي كتاب "يوم جاؤوا لاعتقالي: عن السرية والمنافي وسجن المرناقية" للكاتب التونسي هادي يحمد "حكايات الآخرين.. قصص المُختلفين عنّا والذين يشبهوننا"، كما ورد في مقدّمة الكتاب.

والكتاب أُنجز في إطار مشروع الدفاع عن الحريّات الفردية والمساواة والذي أعدّته ونفّذته بتونس كل من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والجمعية التونسية للحرّيات الفردية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بدعم من مؤسسة هنريش بول.

شهادات توثّق لانتهاكات حقوق الإنسان..

"يوم جاؤوا لاعتقالي" يوثّق شهادات مختلفة لانتهاكات حقوق الإنسان في تونس قبل الثورة وبعدها، خمس شهادات تلخّص تجارب اجتمعت على قاعدة مواجهة فكرة أن يكون الكل متشابهًا على شاكلة قوالب السكّر، تجارب مسلم متديّن ومثلي وأم عزباء وبهائي وفتاة لادينية في مجتمع يعاني رهاب الاختلاف.

حسّان الدريدي، ونضال بلعربي، ورجاء الشامخ، ومحمد رضا بن حسين، ورحمة الصيد، مواطنون تونسيون جرّعهم الآخر الذي يختلفون عنه، سواء كان فردًا أو مجتمعًا أو سلطة، مرارة الحرية، لاحقهم الأمن ولاحقتهم أعين حماة الأخلاق والمتحدّثين باسم الرب ولكنّهم مضوا في الدرب الذي سلكوه ووخزتهم الأسلاك الشائكة التي تحيط بالحريات الفردية.

وحيد الفرشيشي: كتاب "يوم جاؤوا لاعتقالي" يوثّق لانتهاكات طالت خمس مواطنين تونسيين تنقّل إليهم الكاتب وسمعهم ونقل شهاداتهم

وعن فكرة الكتاب، يقول عضو الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية وحيد الفرشيشي إنّه ثمرة لقاء المنظّمات الأربع السابق ذكرها ومن ورائها المائة والعشرين جمعية الموقعة على إعلان تونس للكرامة، مشيرًا إلى أنّ الكتاب دعم لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ومناصرة لما جاء فيه.

وخلال تقديمه لمشروع إنجاز الكتاب في حفل توقيعه، يضيف الفرشيشي، أن الفكرة لصاحبتها يسرى فراوس، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تونس، عقبت سنة من الجدل والنقاش حول الحريات الفردية اتسمت أحيانًا بالهستيريا، لافتًا إلى أنّ الكتاب يوثّق لانتهاكات طالت خمس مواطنين تونسيين، تنقّل إليهم الكاتب هادي يحمد وسمعهم ونقل شهاداتهم.

اعتبر الكاتب هادي يحمد أن المعركة الكبرى لتونس هي معركة الحريات الفردية (يسرى الشيخاوي/ الترا تونس)

الحريات الفردية المعركة الكبرى لتونس..

بذرة الكتاب رأت النور في غرفة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في إطار خوض المعركة الكبرى لتونس وهي معركة الحريات الفردية، طبقا لقول الكاتب هادي يحمد خلال تقديمه للكتاب. وفي حديثه عن واقع الحريات الفردية في تونس ما بعد الثورة، يبيّن يحمد أنّ "الكثير تحقّق في تونس ولكنّ الأهم لم يتحقق وهو سعادة الإنسان فالمواطن التونسي اليوم يشعر أنه مهدّد في حرّيته الجسدية".

الكاتب هادي يحمد: ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان

"ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان"، يقول هادي يحمد وهو يتحدّث عن مغادرة المثليين والمختلفين في اعتقاداتهم لتونس لأنهم لم يجدوا لهم مكانًا فيها، معتبرًا الأمر نكسة من نكسات الثورة. وعن اختيار الشهادات الخمس التي تضمّنها كتاب "يوم جاؤوا لاعتقالي"، يشير يحمد إلى أنّ الاختيار جاء بعد تفكير لتستقر الشهادات على "الضحايا الأبطال"، كما وصفهم، وهم الذين مارسوا قناعاتهم ودفعوا الثمن.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح لمجلة الحقوق والحريات الفردية.. ماهي أهم محاورها؟

قصص حزينة لشخصيات متمردة..

"إنّه كتاب فريد في بابه وحيد في جنسه يخاتل لأنه يزعم أنه يحكي قصصًا لا تحدث إلا للآخرين لكن إذا ما طوينا الكتاب اكتشفنا أننا واهمون لأنه يحكي قصصنا نحن"، هكذا يصف الصحفي والكاتب مختار الخلفاوي "يوم جاؤوا لاعتقالي".

وفي قراءته النقدية للكتاب، يقول الخلفاوي "نحن نعيش سير أصحاب الشهادات وتغيب أسماؤنا وسيماؤنا لنواجه منزلتنا البشرية عارية، لنواجه محنة الوصم الاجتماعي والفكري والديني والمذهبي ونعيش تجربة عبثية مع حسان الدريدي الانتحاري الذي لن يفجر نفسه ونخبر معه معنى أن نكون إرهابيين رغم أنوفنا، نضال من نوع خاص هو، أن يثبت الإنسان أن جسده ملك له، وأن الجثة ليست ملكًا للدولة ولا المجتمع، رجاء الشامخ التي اختارت أن تكون أمًا عزباء عن قناعة وليس بسبب علاقة عابرة وواقع يراوح بين القسوة والتنكيل والتعذيب، يعيشه أيضًا محمد رضا بن حسين الذي اختار ضميره واختار أن يكون بهائيًا، جريمة لا تسامح معها، ورحمة الصيد التي اختارت أن تكون لادينية".

مختار الخلفاوي: الكاتب الرائي في "يوم جاؤوا لاعتقالي" يحفر في أجساد تتعرض للانتهاك والتنكيل قبل الثورة وبعدها ويغوض في ضمائر تونسيين وتونسيات يعيشون بيننا

و"الكاتب الرائي يحفر في أجساد تتعرض للانتهاك والتنكيل قبل الثورة وبعد الثورة ويغوص في ضمائر تونسيين وتونسيات يعيشون بيننا لكن تم إفرادهم بجريرة الاختلاف، هي قصص حزينة لكن شخصياتها متمردة على الأمر الواقع، كتبت بطريقة سردية تشد من بدأ القصة لكي ينهيها"، يضيف الخلفاوي.

تونس تجمعنا..

وخلال حفل توقيع الكتاب الذي حضره نشطاء في المجتمع المدني وإعلاميون وصحفيون وقدّمته الصحفية شادية خذير، قدّم المهرجون الملتزمون عرضًا مسرحيًا لو وضع له عنوان لكان " ونس تجمعنا". هيئات مختلفة وملابس ملوّنة، تعكس اختلاف الأفراد داخل المجتمع سواء على مستوى المظهر أو التفكير أو الدين أو الحالة الاجتماعية، وأنوف حمراء متشابهة قد تحيل إلى أنّنا قد نختلف في نقاط عدّة ولكنّنا نشترك في الإنسانية، ذلك الفضاء الذي يجمع المختلفين معًا على قاعدة التعايش والتسامح.

لأن الاختلاف قد يقود صاحبه إلى بوابات السجون، فإنّ الزندالي أو أغاني السجون كان لها نصيب من حفل توقيع  كتاب  يوم جاؤوا لاعتقالي"

وفي العرض إحالة إلى واقع الحريات الفردية في تونس، من الحريات الجنسية والفكرية وغيرها في مجتمع يتمسّك بثوابت بليت لكنّه يأبى أن يجدّدها، مجتمع مازال ينصّب نفسه وصيًّا على الأجساد والعقول.هو عرض لم تتجاوز مدّته ربع الساعة ولكنّه كان حمّال رسائل، إذ كشف بحركات بسيطة سطوة المجتمع الذي يمارس سلطة رقابية على الفرد ويصادر حقّه في أن يكون مختلفًا.

ومما لا شكّ فيه أن الإهانة والتنكيل سيكونان نتيجة حتمية لممارستك لقناعاتك وعدم رجوعك عن حرياتك الفردية، ولكن العرض المسرحي يفضي إلى كون مواجهة الممارسات القمعية مواجهة رجل واحد هي التي ستنهيها وتقطع دابرها. ورؤية المهرجين الملتزمين لواقع الحريات الفردية، تنتهي بالتغلّب على من ينصّب نفسه رقيبًا على الآخر لتُرفع راية تونس وتضلّل كل المختلفين.

الزندالي هنا..

ولأن الاختلاف قد يقود صاحبه إلى بوابات السجون، فإنّ الزندالي أو أغاني السجون كان لها نصيب من حفل توقيع  كتاب "يوم جاؤوا لاعتقالي"، من خلال عرض موسيقي قدّمه الفنان صالح الفرزيط.

"نيراني جاشي شاعلة ميقودة"، غنّى الفرزيط وسط تفاعل الحضور بما فيهم أصحاب الشهادات الموثقة بالكتاب، وهي أغنية ولدت كلماتها في السجن، وغنّى أيضًا "ارضي علينا يالميمة"، وتقول كلمات الأغنية "ارضي علينا يالميمة رانا مضامين  نستناو في العفو يجينا من ستة وسبعين". (رضاك يا أماه إننا مضامون ننتظر صدور العفو من سنة 1976).

ليس السياق ذاته، ولا الزمن، ولا الواقع، ولكن تظلّ كلمات الأغنية صالحة إلى اليوم وقد يردّد المأخوذون بجريرة الاختلاف كلمات تصب في نفس معنى هذه الأغنية من وراء القضبان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مؤتمر تونس للمساواة والحريات: دعوة للابتعاد عن "حائط المبكى"

من أجل حوار وطني حول المساواة والحريات الفردية