16-يناير-2018

النشطاء المهرجون في الذكرى السابعة للثورة التونسية (ياسين القايدي/الأناضول)

منذ كانون الأول/ ديسمبر 2010، لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية يومًا في تونس، يختلف الإطار العام وتتغير الأسباب والغايات والفاعلون، لكن نبض الشارع لم يتوقف. طرق الاحتجاج تعددت في تونس الثورة أيضًا، بعضها كان مألوفًا بينما البعض الآخر أحدث المفاجأة. في هذا السياق، مثل "النشطاء المهرجون" علامة مميزة في الذكرى السابعة للثورة التونسية.

النشطاء المهرجون، شكل احتجاجي مألوف في أوروبا، ظهر مؤخرًا في تونس تزامنًا مع الذكرى السابعة للثورة ولفت الأنظار له

هكذا أطلقوا على أنفسهم، اقتداء بـ"La Brigade Activiste des Clowns" وهي مجموعات شهيرة فرنسيًا وفي عدة دول أوروبية، وهي ترفع لواء مقاومة الظلم في العالم. هذه المجموعات لا تُعرف عادة باعتماد العنف، وهي تُدين القمع الأمني، وتعتمد السخرية أسلوبًا. وعادة ما يحضرون في تجمعات احتجاجية أو غيرها من التجمعات، يستفزون الأمن وأهدافًا أخرى ويعبرون عن مواقفهم.

في تونس، يوم 14 من كانون الثاني/ يناير الحالي، أي في الذكرى السابعة لمغادرة رأس النظام التونسي سابقًا زين العابدين بن علي البلاد، خرجوا للعلن في شارع الثورة، شارع الحبيب بورقيبة. "نعتبره يوم تأسيس "لواء النشطاء المهرجين" في تونس، سنكون حاضرين في تحركات حملة "فاش نستناو" الميدانية وفي محطات نضالية أخرى، سنحضر أين وُجد الظلم وفي أي قضية تهم الشعب التونسي"، هكذا علق  أيوب الجوادي، أحد المتحدثين عن حملة فاش نستناو أي (ماذا نتتظر؟) ، لـ"الترا صوت".  

النشطاء المهرجون في الذكرى السابعة للثورة التونسية (ياسين القايدي/الأناضول)

اقرأ/ي أيضًا: الثورة والجرافيتي.. ذاكرة للحب والشهداء

يتابع الجوادي، وهو ممثل ومخرج مسرحي، يشتغل على الأشكال الفنية النضالية الجديدة وعلى فنون الفرجة والشارع: "هي تجربة عايشتها في أوروبا، ومنذ فترة تراودني فكرة تجسيدها على أرض الواقع في تونس. خلال النقاشات بين شباب حملة فاش نستناو، فكرنا في إطار التجديد، التنويع من أساليبنا وأدوات التواصل مع الناس، وكان التوجه نحو هذا الشكل الاحتجاجي الفني".

من نزل للشارع يوم "عيد الثورة"، من الأكيد أنه لاحظهم وتابع تحركاتهم. اعتمدوا ملابس وماكياج المهرجين، المضحك والمعبر واللافت في آن واحد، اقتربوا من مختلف التجمعات الحاضرة، المحتفلة والمحتجة، تفاعلوا وعبروا عن آرائهم وحاولوا حتى استفزاز الأمن، الذي كان حضوره، كالعادة خلال السنوات الأخيرة، مكثفًا في هذه المناسبة.

النشطاء المهرجون في الذكرى السابعة للثورة التونسية (ياسين القايدي/الأناضول)

"تحرك نوعي"، حسب تعبيرهم، شارك فيه سبعة مهرجين، مهرج وست مهرجات وكلهم من شباب حملة فاش نستناو. قاموا بمشاهد ارتجالية معبرة عن غلاء المعيشة وعن الوضع الحالي ووزعوا بيانات الحملة على المارة ودعوا لوقفة احتجاجية منتظرة يوم 20 كانون الثاني/ يناير بالقرب من مجلس النواب التونسي.  

يستنبط الشباب التونسي طرقًا فنية مختلفة في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، وهي لا تخلو من تحد لضوابط المجتمع وعاداته

عن هذه التجربة الأولى، يقول الجوادي لـ"الترا صوت": "يتعلق الأمر بمهرج ملتزم، له رسالة يعمل على إيصالها عبر الاستفزاز، من خلال وضعيات مختلفة، ينخرط فيها". ويوضح: "لم نشارك في مسيرة مستقلة بل اعتمدنا هذا الشكل الجديد،  كنا نتسلل داخل معظم المسيرات لمؤيدي الأحزاب الحاكمة أو المعارضة أو مسيرة اتحاد الشغل وحتى في أوساط الأمن".

أما عن ردود الفعل إزاء هذا الشكل الاحتجاجي المستحدث فيؤكد الجوادي أن "ردة فعل الناس كانت مميزة وإيجابية في معظمها، ما عدا بعض المضايقات من الأمن أو من مناصري حركة النهضة"، حسب تعبيره، والتي أكد أنها "لم تبلغ درجة العنف"، لذلك يفكر محدثنا، ومن خلاله شباب حملة "فاش نستناو"، تطوير هذا الشكل الاحتجاجي وانتهاج طرق أخرى لإيصال صوتهم ومطالبهم.

النشطاء المهرجون في الذكرى السابعة للثورة التونسية (ياسين القايدي/الأناضول)

يُذكر أن "فاش نستناو"، هي حملة شبابية، بدأت في النشاط منذ أسبوعين تقريبًا، وحظيت بتجاوب في الشارع التونسي، بعد أن ركزت شعاراتها ومطالبها على التنديد بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وطالبت بإيقاف العمل بقانون المالية الجديد، إضافة إلى مطالب اجتماعية أخرى، لكن الحملة لم تسلم من تشويه، من قبل بعض المسؤولين في السلطة أو من جزء من الإعلام المحلي، من خلال ربطها بعمليات السرقة والتخريب التي رافقت الاحتجاجات خاصة ليلًا وأضرت ببعض الأملاك الخاصة والعامة. 

اقرأ/ي أيضًا: بيروت الغاضبة برسم أبنائها

وكانت نقابة الصحفيين التونسيين قد أصدرت بيانًا في 11 من كانون الثاني/ يناير الحالي، دعت من خلاله وسائل الإعلام إلى "الالتزام بالمبادئ المهنية وأخلاقيات المهنة وعدم الوقوع في التوظيف لهذا الجانب أو ذاك ومراعاة حق الجمهور في معلومة دقيقة ومؤكدة وذات مصداقية" في علاقة بالتغطية الإعلامية للاحتجاجات الأخيرة. ويأتي هذا البيان إثر ما اعتبرته النقابة "تعاطيًا إعلامياً متذبذباً وموجهًا في أغلبه لصالح وجهة نظر الحكومة والمؤسسة الأمنية".

وقد تحول برنامج "75 دقيقة"، برنامج حواري مباشر على القناة الوطنية الأولى (حكومية)، مساء يوم  الثلاثاء 9 كانون الثاني/ يناير الجاري إلى "جلسة تحقيق أمني مع الضيف"، وهو من شباب حملة فاش نستناو، و"تم توجيه البرنامج بشكل لافت بهدف شيطنة الاحتجاجات الاجتماعية"، حسب بيان النقابة.

ويبدو أن التطورات الأخيرة لم تثن شباب حملة فاش نستناو. في هذا السياق، يعلق أيوب الجوادي، أحد متحدثي الحملة لـ"الترا صوت": "تحركاتنا الأخيرة نجحت، هذا ما نشعر به، والدليل هو قرارات الحكومة الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة، التي هي بالأساس جزء من مطالبنا، لذلك نحن أكثر عزمًا على المواصلة، من خلال أشكال احتجاجية مختلفة ومتجددة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بانكسي في ميونيخ.. درس الشارع وفنونه

هل ترّوض باريس الـ"ستريت آرت"؟