مرّ عقد من الزمن على صدور قرار مصادرة إذاعة شمس أف آم ودار الصباح في تونس، هذه الفترة الزمنية الطويلة لم تكن كافية لتهدئة الاتهامات المتبادلة والشد والجذب بين الهيئات المسؤولة عن الإعلام في تونس والحكومات المتعاقبة التي إلى حد اليوم لم توفّق في إيجاد حلّ جذري لهذه الوضعية المتأرجحة والتي فاقمت الأزمات المالية والتسييرية من حدّتها مما يشكّل تهديدًا لوجود هذه المؤسسات الصحفية وتواصلها.
قررت الدولة سنة 2011 وإبان الثورة وهروب صهر بن علي صخر الماطري مصادرة عدد من أملاكه ومن بينها إذاعة شمس أف أم ودار الصباح
للتذكير فإن الدولة التونسية قررت سنة 2011 وإبان الثورة وهروب صخر الماطري، صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مصادرة مؤسسة الأميرة الماطري القابضة، التي تضم 20 شركة ومؤسسة من بينها إذاعة شمس أف أم ودار الصباح، كمؤسسات إعلامية، وتغيير تسميتها إلى الكرامة القابضة وأوكلت إليها مهمة بيعها والتفويت فيها للقطاع الخاص إضافة إلى كونها الهيكل الوحيد الذي تمرّ من خلاله عمليات بيع كل الأملاك الراجعة إلى عائلة الرئيس السابق وأصهاره.
وعادت مسألة تعاطي الحكومة مع وسائل الإعلام المصادرة وحتى غيرها إلى واجهة الأحداث في تونس إثر صدور تعيينات في مراكز إدارية عليا في البعض منها مثيرة جدل جدية الدولة حيال هذا الملف والأهداف غير المعلنة التي يمكن أن تخفيها هذه القرارات التي اعتبرها البعض بداية لمرحلة جديدة تهدف إلى ترويض المنابر الإعلامية عن طريق إخضاعها إداريًا و تجفيف منابعها المالية.
إذاعة شمس أف أم، التي تعتبر حاليًا في قلب معركة الإعلام المصادر مع الجهات الحكومية المسؤولة عن ملف التفويت وهي الكرامة القابضة ولجنة التصرّف الراجعة بالنظر إلى وزارة المالية التونسية، تواصل حالياً اعتصامها الثالث على التوالي منذ 36 يوماً في محاولة لدفع ملف هيكلة المؤسسة والتفويت فيها نحو الحل.
عادت مسألة تعاطي الحكومة مع وسائل الإعلام المصادرة إلى واجهة الأحداث إثر صدور تعيينات في مراكز إدارية عليا في البعض منها مثيرة للجدل
اقرأ/ي أيضًا: حوار|هشام السنوسي: هناك مؤسسات إعلامية تعتمد التهريب وتهدد الأمن القومي للبلاد
إذاعة شمس.. التموقع أو التجفيف
تقول خولة السليتي، رئيسة فرع نقابة الصحفيين بإذاعة شمس أف أم، لـ"الترا تونس" إن غياب رؤية واستراتيجية واضحة للدولة إلى يومنا هذا يمثل تهديدًا لاستمرارية المؤسسة التي أصبحت في مرحلة إنعاش نتيجة تهالك قدراتها التقنية التي تؤثر بشكل مباشر وخطير على سير العمل الإعلامي في ظروف ملائمة وتعتبره وسيلة ضغط تمارس على حرية الإعلام في تونس نظرًا لتجاهل الحكومة لإشعارات المؤسسة بضرورة تجديد وتعصير التجهيزات والمعدات التي تعتبر شريان حياة ضروري لكل مؤسسة إعلامية".
وتضيف لـ"الترا تونس" أن هذا الحصار الذي ينهك الإذاعة امتد إلى تحجيم قدراتها على المنافسة عن طريق التضييق عليها مالياً حيث تعمد "لوبيات" من رجال الأعمال إلى حجب وعرقلة أي معاملات إشهارية معها رغم امتلاكها سابقاً لأسهم فيها وهذا ينمّ – حسب تعبيرها – عن إرادة واضحة في تعميق الأزمة داخلها عن طريق تجفيف مواردها المالية رغم نسبة الاستماع المحترمة التي تحظى بها.
السليتي لـ"الترا تونس": غياب رؤية واستراتيجية واضحة للدولة يمثل تهديدًا لاستمرارية شمس أف أم التي أصبحت في مرحلة إنعاش نتيجة تهالك قدراتها التقنية
وبخصوص التعيينات الأخيرة على رأس المؤسسة، تقول محدثتنا إنها تهدف إلى السيطرة على الخط التحريري للإذاعة وتهيئ لبسط اليد على حرية الإعلام في تونس عن طريق محاولة فرض وجوه إعلامية معيّنة وجدولة تغطيات لأحداث دون أخرى عوض الانكباب على معالجة المشاكل الأساسية لإذاعة شمس، الأمر الذي تصدى له الصحفيون الذين تمارس عليهم سياسة التجويع وحجب الأجور نظير موقفهم الرافض لكل وصاية على المصدح، وفق تعبيرها.
سياسياً، ترى خولة السليتي أن إذاعة شمس تدفع ثمن عدم التموقع السياسي واختيار نهج الحياد رغم العروض التي قدّمت بصفة غير مباشرة من بعض الأطراف، دون ذكر للأسماء والجهات التي تقف وراءها، مضيفة أن المؤسسات الإعلامية التي تتمتع أو اختارت حزامًا سياسيًا وقعت تسوية وضعياتها والتغاضي عن تجاوزاتها المفضوحة من ناحية مضمون الخطاب أو حتى وضعياتها غير القانونية.
السليتي لـ"الترا تونس": من مطالب الصحفيين في الإذاعة شطبها من قائمة المؤسسات المصادرة وتعيين كفاءة إدارية واقتصادية قادرة على الإصلاح داخلها
مطالب الصحفيين في إذاعة شمس أف أم، على لسان خولة السليتي، تتلخّص في "شطب الإذاعة من قائمة المؤسسات المصادرة، تعيين كفاءة إدارية واقتصادية قادرة على الإصلاح وعلى معالجة الأزمة المالية المتفاقمة والتي انجرت عن "تعيينات المكافأة" وأخيرًا إبعاد شمس عن التجاذبات السياسية".
للتذكير فإن وحدة الرصد بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري كانت قد أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 أن إذاعة شمس أف أم كانت من أكثر وسائل الإعلام توازنًا في تغطية الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية.
دار الصباح.. كنز مالي مفقّر
أكد وجيه الوافي، عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والصحفي بجريدة الصباح المصادرة، لـ"الترا تونس" أن وضعية الصحيفة المتأرجحة فاقمت من تداين المؤسسة، إذ على سبيل المثال بلغت قيمة الديون المتوجّب دفعها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وللعديد من المزودين الذين تتعامل معهم المؤسسة 21 مليون دينار.
هذا التداين المرتفع اعتبره محدّثنا مسؤولية الدولة والحكومات المتعاقبة التي قامت بتعيينات على رأس دار الصباح أفضت إلى هذه النتائج الكارثية مما يثير عديد نقاط الاستفهام حولها والغرض منها، وفق تقديره.
ويعتبر الوافي في تصريحه لـ"الترا تونس" أن سوء التصرّف والتسيير الذي عانت منه المؤسسة منذ الثورة ساهم في استنزاف المقدّرات المالية والعقارية الهائلة التي تمتلكها والمتمثلة في عقارات وأراض في مناطق حيوية من العاصمة ذات قيمة مالية تقدّر بعشرات ملايين الدينارات الأمر الذي يجعل من التفويت فيها مهمة يسيرة نظرًا لقيمتها المالية الثابتة التي تتمتع بها ولكن رغم ذلك يتعثر الملف في كل مرّة و بصفة مفاجئة، يرى أنها لأهداف سياسية بغية توظيف الإعلام المصادر عن طريق القيام بتعيينات تسبق أو ترافق المحطات الانتخابية التي عرفتها البلاد.
الوافي لـ"الترا تونس": سوء التصرّف والتسيير الذي عانت منه دار الصباح منذ الثورة ساهم في استنزاف المقدّرات المالية والعقارية الهائلة التي تمتلكها
ويبدي محدث "الترا تونس" تخوّفه من أن ملف المؤسسات الإعلامية المصادرة رهين قرار سياسي يرمي إلى العودة به إلى مربّع الإعلام الحكومي الموجّه عن طريق تكوين قطب إعلامي يخدم جهات سياسية معينة دون أخرى وهو نفس التوجّه الذي كان النظام السابق ينتهجه للسيطرة على الإعلام وتوجيه الرأي العام.
أي رأي للكرامة القابضة؟
في تعليقه على وضعية المؤسسات الإعلامية المصادرة، يقول عادل قرار، مدير عام الكرامة القابضة، لـ"الترا تونس" إنها تقف على نفس المسافة من جميع المؤسسات التي تقع تحت تصرّفها والبالغ عددها 68 شركة، مضيفًا أن الدور الذي تضطلع به تقني بحت ويتعامل بنفس المقاييس الإدارية والقانونية مع كل المؤسسات مهما كانت نشاطاتها أو الخدمات التي تقدّمها.
ويضيف في تصريحه لـ"الترا تونس" أن الكرامة القابضة غير معنية بالكواليس أو التوافقات السياسية بين رئاسة الحكومة و لجنة التصرّف "إن وجدت حقاً"، نافيًا وجود أي اتصالات أو تواصل مع الأحزاب السياسية معتبرًا من جهة أخرى أن مطالب نقابة شمس أف أم بسحب الإذاعة من قائمة الأملاك المصادرة تكتسي طابعًا سياسيًا بعيدًا عن المشاكل المهنية والشغلية الحقيقية وعن الإطار القانوني الحالي الذي تعمل الكرامة القابضة ضمنه.
وتعليقًا على التحركات الاحتجاجية التي تقوم بها نقابة شمس أف أم والصحفيون بها، يقول محدثنا إنه من شأنها أن تعرقل مسار التفويت، معتبرًا أن استعمال الإذاعة كوسيلة ضغط نقابي كفيل بإبعاد المستثمرين عوض جذبهم واستشهد بجملة من الشركات التي ألغت عقود استشهار مع هذه الإذاعة نتيجة التوتر الحاصل في ردهاتها، متمنيًا في الآن نفسه وجود عرض جدي يخوّل تحقيق تقدّم ملموس ونهائي في هذا الملف، وفقه.
عادل قرار، مدير عام الكرامة القابضة، لـ"الترا تونس": مطالب نقابة شمس أف أم بسحب الإذاعة من قائمة الأملاك المصادرة تكتسي طابعًا سياسيًا بعيدًا عن المشاكل المهنية والشغلية الحقيقية وعن الإطار القانوني الحالي
أما فيما يخص وضعية دار الصباح، فإنه يرى أن الصحيفة نجحت في إيجاد توازن مالي يكفل تغطية نفقات وأجور المؤسسة وأقرّ بوجود بعض النقائص التي من الممكن تلافيها عن طريق استغلال بعض من الممتلكات العقارية الخارجة عن الاستغلال للصحيفة.
وكان المستشار الإعلامي لدى رئاسة الحكومة مفدي المسدي قد أعلن، الاثنين 19 أفريل/ نيسان 2021، عن قبول طلب الإعفاء الذي تقدّمت به حنان الفتوحي التي أثار تعيينها على رأس إذاعة شمس أف أم جملة من الاحتجاجات وأنه تم تحديد الأيام المقبلة كآجال للتفويت فيها عقب اجتماع جمع في وزارة المالية الكرامة القابضة ومستثمرًا جديدًا عبّر عن رغبته في شراء أسهم الدولة في الإذاعة المذكورة.
وأضاف المسدّي، في تصريح لإذاعة موزاييك، أن كمال بن يونس المعيّن أخيرًا متصرّفًا ممثّلاً للدولة في وكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) اعتذر بدوره عن الخطّة.
وكانت هذه التعيينات التي جدت مؤخرًا، على رأس وكالة تونس إفريقيا للأنباء وإذاعة شمس أف أم قد أثارت جدلاً و جملة من الاحتجاجات من طرف الصحفيين والهياكل النقابية.
اقرأ/ي أيضًا:
وصفتا ذلك بـ"السابقة": نقابتا الإعلام تنددان باقتحام الأمن الوكالة الرسمية