17-مايو-2024
حرية التعبير احتجاج وقفة

هيومن رايتس ووتش: ينبغي للسلطات التونسية احترام وحماية الفضاء المتاح للمجتمع المدني المستقل للعمل بشكل تام وحر (زينة البكري/ الترا تونس)

الترا تونس - فريق التحرير

 

قالت "هيومن رايتس ووتش"، الجمعة 17 ماي/أيار 2024، إنّ السلطات التونسية اعتقلت تسعة أشخاص على الأقل وسط تصاعد الإجراءات الحكومية في الأسابيع الأخيرة لإسكات التعبير الحر، ومحاكمة المعارضين، وقمع المهاجرين وطالبي اللجوء، مؤكدة أنه "ينبغي للسلطات التونسية احترام وحماية الفضاء المتاح للمجتمع المدني المستقل للعمل بشكل تام وحر".

 

  • اعتقالات متواترة

وقالت هيومن رايتس ووتش، في بيان لها، إنّ قوات الأمن في تونس اعتقلت بين 3 و13 ماي/أيار 2024، محاميَيْن بارزَيْن وصحفيَّيْن معروفين وخمسة أعضاء على الأقل في ثلاث منظمات غير حكومية مسجلة قانونيًا تعمل في مجال الهجرة واللجوء والعدالة العرقية "منامتي"، و"المجلس التونسي للاجئين"، و"تونس أرض اللجوء"، مشيرة إلى أنه "في المجمل، تم التحقيق مع أعضاء ثماني منظمات غير حكومية على الأقل أو استدعاؤهم".

هيومن رايتس ووتش: "تبعث الحملة ضد العمل المتعلق بالهجرة وتزايد الاعتقالات بحق منتقدي الحكومة والصحفيين برسالة مخيفة مفادها أنّ السلطات ستستهدف أي شخص لا ينصاع لها، باستهداف مجموعات المجتمع المدني"

وفي هذا الصدد، قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تبعث الحملة ضد العمل المتعلق بالهجرة وتزايد الاعتقالات بحق منتقدي الحكومة والصحفيين برسالة مخيفة مفادها أنّ السلطات ستستهدف أي شخص لا ينصاع لها، باستهداف مجموعات المجتمع المدني هذه"، معتبرة أنّ "السلطات التونسية تقوّض الدعم الحيوي الذي تقدمه هذه المنظمات إلى المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في أوضاع فائقة الهشاشة"، حسب تقديرها.

 

  • اقتحام دار المحامي

كما سلطت المنظمة الدولية الضوء على حادثتيْ اقتحام دار المحامي بتونس العاصمة، معلقة: "في 11 ماي/أيار، اقتحم أعوان الأمن مقر "الهيئة الوطنية للمحامين" خلال بث تلفزيوني مباشر، واعتقلوا المعلقة الإعلامية والمحامية سنية الدهماني لتعليقات ساخرة أدلت بها في 7 ماي/أيار تشكك في الادعاء القائل إن المهاجرين الأفارقة السود يسعون إلى الاستقرار في تونس. 

وتابعت رايتس ووتش أنّه "بعد رفض الدهماني الاستجابة لاستدعاء للاستجواب، استند توقيفها واحتجازها اللاحق إلى المرسوم عدد 54 بشأن جرائم أنظمة المعلومات والاتصال، الذي يفرض عقوبات سجن مشددة على نشر "أخبار أو.. إشاعات كاذبة" عبر الإنترنت وفي وسائل الإعلام.

 

 

وذكرت أنه "في المساء نفسه، اعتقلت السلطات صحفيَّين آخرَيْن وزميلين للدهماني هما مراد الزغيدي وبرهان بسيس لتصريحات غير متصلة بالموضوع أدليا بها في وسائل الإعلام وعلى الإنترنت، بموجب المرسوم 54 أيضًا. أودعا في الحبس على ذمة المحاكمة، التي ستعقد في 22 أفريل/نيسان".

وتابعت المنظمة الدولية أنه "في 13 ماي/أيار، اعتقل أعوان الأمن المحامي ومنتقد الحكومة مهدي زقروبة"، مستطردة أنّ "وزارة الداخلية قالت في بيان إن اعتقال زقروبة جاء لتعديّه على أعوان شرطة يومها قرب محكمة بتونس العاصمة". وأضافت أنه الرئيس قيس سعيّد قال في 15 ماي/أيار في بيان للرئاسة إنّ "من يُحقّر وطنه ومن ارتكب جريمة الاعتداء على موظف حال مباشرته لوظيفته لا يُمكن أن يبقى خارج دائرة المساءلة والجزاء"، في إشارة غير مباشرة إلى الدهماني وزقروبة.

 

  • حملة تشهير قبل اعتقال نشطاء

كما ذكّرت بأنّ قوات الأمن اعتقلت، في 6 ماي/أيار، رئيسة منظمة منامتي المناهضة للعنصرية سعدية مصباح، ومنسق البرامج في المنظمة زيد روين، وفتشت منزل مصباح ومكاتب المنظمة، وصادرت أجهزة ووثائق. في حين أُطلق سراح روين بعد استجوابه، احتجز وكيل الجمهورية مصباح 10 أيام كجزء من التحقيق في جرائم مالية مزعومة بموجب قانون مكافحة الإرهاب التونسي لعام 2015. ونقلت المنظمة عن مصدر مطلع بالقضية أنّ قوات الأمن استجوبت مصباح بشأن تمويل منامتي وأنشطتها.

هيومن رايتس ووتش: "الحسابات الموالية للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي شرعت في حملة تشهير شرسة عبر الإنترنت ضد الحقوقية سعدية مصباح زاد زخمها قبيل اعتقالها بأيام"

وقالت هيومن رايتس ووتش إنّ "الحسابات الموالية للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي شرعت في حملة تشهير شرسة عبر الإنترنت ضد مصباح زاد زخمها قبيل اعتقالها بأيام".

وأشارت المنظمة إلى أنه "في نفس يوم اعتقال مصباح، قال سعيّد إن التمويل الأجنبي الذي يُضخ في المنظمات الوطنية لتوطين المهاجرين في تونس يتم على نحو غير قانوني، واصفًا رؤساء المنظمات بـ "الخونة". 

كما لفتت رايتس ووتش إلى أنّ "قوات الأمن داهمت، في 3 و4 مايو/أيار، مخيمين مؤقتين ونزلًا للشباب في تونس العاصمة، وأجلت مئات المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، واعتقلت قرابة 80 منهم وطردت 400 إلى حدود البلاد، بحسب السلطات"، وفق ما داء في بيان المنظمة. 

واعتبرت هيومن رايتس ووتش أنّ هذه تشكل عمليات طرد جماعي غير قانوني، وهو ما يحظره "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب".

كما رأت أنّ "تعليقات سعيّد الأخيرة كانت صدىً لخطابه الذي ألقاه في فيفري/شباط 2023، والذي أفضى إلى تصاعد الهجمات والانتهاكات ضد الأفارقة السود في تونس على يد قوات الأمن والمواطنين التونسيين. وصفت "لجنة القضاء على التمييز العنصري" التابعة للأمم المتحدة حينها خطاب سعيّد بـ"العنصري"، واعتبرت أن مثل هذه التصريحات تنتهك "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، وتونس طرف فيها. 

هيومن رايتس ووتش:  "تعليقات قيس سعيّد الأخيرة عن المهاجرين كانت صدىً لخطابه الذي ألقاه في فيفري 2023، والذي أفضى إلى تصاعد الهجمات والانتهاكات ضد الأفارقة السود في تونس على يد قوات الأمن والمواطنين التونسيين.

وتابعت أنه "في 7 ماي/أيار، قال متحدث باسم المحكمة لوكالة الأنباء الوطنية إنه جرى احتجاز رئيس إحدى منظمات المجتمع المدني ونائبه في ذلك اليوم بمزاعم تهمتي الاختلاس والاحتيال المالي"، مشيرة إلى أنها "تأكدت أن هذه التصريحات كانت في إشارة إلى رئيس ونائب رئيس المجلس التونسي للاجئين، رغم عدم ذكر اسميهما".

وأردفت أنه "بحسب تصريحات المتحدث الرسمي، اتهمت النيابة العامة رئيس المجلس التونسي للاجئين ونائبه بتكوين جمعية إجرامية بهدف مساعدة الأشخاص على الدخول إلى تونس على نحو غير مشروع، متذرعةً بأن المجلس طرح طلب عروض لمؤسسات فندقية تونسية لإيواء المهاجرين الأفارقة بدون التنسيق مع السلطات الأمنية والإدارية، في إشارة إلى عمل المجلس مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

وذكّرت هيومن رايتس ووتش في هذا الإطار بأنّ "المجلس التونسي للاجئين شُكّل سنة 2016 وكان شريكًا رئيسيًا لمفوضية اللاجئين في تونس ومسؤولًا بشكل أساسي عن جمع طلبات اللجوء وفحصها بشكل أولي قبل معالجتها لاحقًا من قبل المفوضية، وهو يقدم أيضًا خدمات أخرى لدعم نطاق عمل المفوضية، مثل ترتيب أماكن الإقامة الطارئة والمساعدة الطبية للاجئين وطالبي اللجوء".

وأشارت إلى أنه "في 2 ماي/أيار، نشر المجلس مناقصة عامة للفنادق التونسية لدعم المستفيدين من خدماته، ما أثار ردود فعل عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي وبين أعضاء البرلمان".

وتابعت المنظمة أنّ "المتحدث باسم المحكمة قال أيضًا إنّ التحقيق جارٍ مع مجموعة أخرى تدعم طالبي اللجوء واللاجئين في تونس"، مشيرة إلى أنّ حسب ما وردها من مصادر أنّ المتحدث كان يشير إلى منظمة تونس أرض اللجوء، وأن شخصين على الأقل مرتبطين بالمنظمة اعتُقلا في 8 ماي/أيار.

 

  • انتهاكات في حق المهاجرين

وفي سياق متصل، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في بيانها ذاته، إنّ "الشرطة والجيش والحرس الوطني في تونس، بما في ذلك الحرس البحري، ارتكبوا انتهاكات خطيرة ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة السود في السنوات الأخيرة، مع تزايد الانتهاكات منذ العام 2023"، مشيرة إلى أنّها "وثّقت الضرب، واستخدام القوة المفرطة، وبعض حالات التعذيب، والاعتقال والاحتجاز التعسفيَّيْن، والطرد الجماعي، والأفعال الخطيرة في البحر أثناء اعتراض القوارب، والإخلاء القسري، وسرقة الأموال والممتلكات".

وتابعت أنه بحلول 30 أفريل/نيسان، سجِّل أكثر من 17 ألف لاجئ وطالب لجوء لدى مفوضية الأمم المتحدة للّاجئين في تونس، بينهم أكثر من 7 آلاف سوداني، أغلبهم فر من النزاع المستمر في السودان منذ أفريل/نيسان 2023.

هيومن رايتس ووتش: الشرطة والجيش والحرس الوطني في تونس، بما في ذلك الحرس البحري، ارتكبوا انتهاكات خطيرة ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة في السنوات الأخيرة، مع تزايد الانتهاكات منذ سنة 2023

وفي 15 ماي/أيار، أصدر الاتحاد الأوروبي وفرنسا بيانات تعرب عن قلقهما إزاء الاعتقالات الأخيرة بحق ممثلي المجتمع المدني في تونس. قال الاتحاد الأوروبي إن وفده في البلاد أجرى استفسارات مع السلطات حول أسباب الاعتقالات. أشار سعيّد بشكل غير مباشر إلى هذه التصريحات في وقت لاحق من ذلك اليوم، واصفًا إياها بالتدخل الأجنبي غير المقبول.

وذكرت هيومن رايتس بأنه "في 16 جويلية/تموز 2023، وقع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع تونس تتضمن حزمة تمويل تصل إلى مليار يورو، منها 105 ملايين يورو للحد من الهجرة غير النظامية، بدون أي ضمانات محددة للحقوق الإنسانية للمهاجرين وطالبي اللجوء".

وفي هذا الشأن، شددت المنظمة الدولية على أنه "ينبغي لمفوضية الاتحاد الأوروبي ضمان عدم صرف أي تمويل من الاتحاد الأوروبي للكيانات الحكومية التي ترتكب انتهاكات حقوقية ضد المهاجرين أو طالبي اللجوء، ويجب أن تربط التعاون المستقبلي في مجال الهجرة مع تونس بضمانات حقيقية تمكِّن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المهاجرين واللاجئين من أداء أنشطتها بلا خوف من مضايقة أو انتقام".

 

  • نحو تقويض حرية تكوين الجمعيات

وعلى صعيد آخر، قالت هيومن رايتس إنّ "وزارة العدل التونسية تضع حاليًا اللمسات الأخيرة على مشروع قانون بشأن الجمعيات. تشير المسودات المسربة منذ العام 2022 إلى أن الحكومة قد تمنح الإدارة صلاحيات واسعة للغاية وسلطة تقديرية للتدخل في طريقة تشكيل منظمات المجتمع المدني، ووظائفها وعملياتها، وتمويلها"، مذكرة بأنها "سبق أن أعربت عن مخاوفها بشأن مشروع قانون آخر للجمعيات".

هيومن رايتس ووتش: "استهداف المنظمات غير الحكومية التي تدعم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين هو جزء من جهد أوسع لتفكيك الفضاء المدني في تونس"

وقالت هيومن رايتس ووتش إنه "منذ 25 جويلية/يوليو 2021، فكك سعيّد المؤسسات الديمقراطية في تونس، وقوّض استقلال القضاء، وخنق ممارسة حرية التعبير والصحافة"، مؤكدة أنّ "على شركاء تونس الدوليين الضغط على الحكومة لإسقاط خطة اعتماد مشروع القانون المتعلق بمنظمات المجتمع المدني، الذي من شأنه في حال إقراره أن يقوّض حرية تكوين الجمعيات".

وقالت لما فقيه: "استهداف المنظمات غير الحكومية التي تدعم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين هو جزء من جهد أوسع لتفكيك الفضاء المدني في تونس"، مؤكدة أنّ "على الاتحاد الأوروبي، الذي تعهد بملايين الدولارات لتونس للتعاون في مجال الهجرة، ضمان أن تحمي السلطات الفضاء المتوفر للمجتمع المدني المستقل للعمل على هذه القضايا في تونس"، حسب ما جاء في نص البيان.