مع منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم افتتاح موسم جني التمور بربوع الجنوب الغربي التونسي، خاصة بولاية قبلي. افتتاح موسم وقع الاحتفاء به من خلال تنظيم تظاهرة بضيعة السميدة من معتمدية دوز الجنوبية، تمّ خلالها استعراض مشهد لعملية جني التمور بمختلف مراحلها، وتكريم عدد من العاملات في القطاع الفلاحي، إلى جانب تقديم عرض لمختلف أنواع التمور التي تنتجها الجهة.
- "موسم ممتاز من حيث الكمية والجودة، لكن.."
محمد، وهو فلاح من جهة قبلي، أكد، في حديثه لـ"الترا تونس"، أنّ الموسم انطلق فعليًا يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنّه تم الإعلان عن افتتاحه رسميًا بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول ذاته، متوقعًا أنّ الصابة ستكون قياسيّة أي في حدود 270 ألف طن مقابل 250 ألف طن في العام الفارط من صنف دقلة النور.
إلّا أنه استدرك قائلًا إنّ "موجة الحرّ المتواصلة أثّرت على النوعية الممتازة فجفّت كميات منها وأصبحت من الصنف الأقلّ جودةً (الشّايحة)".
محمد (فلاح من قبلي) لـ"الترا تونس": من المتوقّع أن تكون صابة التمور قياسيّة في هذا الموسم أي في حدود 270 ألف طن مقابل 250 ألف طن في العام الفارط من صنف دقلة النور.. لكنّ موجة الحرّ المتواصلة أثرت على النوعية الممتازة
كما أكّد محدثنا أنّ من أصعب التحديات التي اعترض الفلاحين في هذا الموسم، الشح الكبير على مستوى السيولة، مشيرًا إلى أنّ "الفلاح مرهقٌ من التكاليف المشطّة التي كابدها على مدار العام لاقتناء الأدوية المضادة للعنكبوت، والسّماد، ولتغذية النخيل، والتعديل والغلاف وغيرها"، مشددًا على أنّ "هذه المصاريف أصبحت مكلفة جدًا ومتعبة، إلى جانب نقص المياه، فالفلاح يتحمل لوحده مصاريف الطاقة الشمسية وتكلفة المياه"، وفق روايته.
كما لفت إلى أنّ "تدخل البنك التونسي للتضامن كان متأخرًا بعض الشيء، فالقروض الصغرى تسلمها الفلاح في أكتوبر/تشرين الأول، في حين أنّ المصاريف تبدأ مع شهر جوان/يونيو".
محمد (فلاح من قبلي) لـ"الترا تونس": الفلاح مرهقٌ من التكاليف المشطّة التي يكابدها على مدار العام لاقتناء الأدوية المضادة للعنكبوت، والسّماد، ولتغذية النخيل، وما زاد المعاناة النقص الكبير في المياه
من جهة أخرى، أكدت مصادر من المندوبية الجهوية للفلاحة بقبلي أن "صابة تمور هذا العام يمكن أن تبلغ أكثر من 280 ألف طن، غالبيتها المطلقة من الجودة العالية (دقلة النور)، ممّا يعني تسجيل زيادة بقرابة 15٪ مقارنة بالموسم الفارط".
- صعوبات في الترويج
أولًا، نشير إلى أنّ الموسم الفارط شهد تصدير 128 ألف طنّ من التمور التونسية بعائدات مالية بلغت 779 مليون دينار، مع العلم أنّ تمور تونس تتوفر على أكثر من سبعين وجهة تصدير.
وتراود الفلاحين بعض المخاوف في علاقة بالتسويق والتسريع في عمليات البيع سواء على رؤوس النخيل أو بعد الجني والفرز، إذ تأخرت شركات التجميع والمصدرين إلى حد الآن في لعب دورها، حسب ما أكده لنا بعض الفلاحين.
تراود الفلاحين بعض المخاوف في علاقة بالتسويق والتسريع في عمليات البيع سواء على رؤوس النخيل أو بعد الجني والفرز.. وككلّ موسم، يتجدد مطلبهم ببعث ديوان للتمور يكون منظّمًا للقطاع ومسهلًا خاصة لعمليات التسويق والترويج
وينتظر الفلاحون الأطراف المتدخلة للتحرك والإسراع باتّخاذ إجراءات وخطوات تسهل عملية الترويج والتسويق للمُنتج، إلى جانب المساعدة على تأمين عمليات التخزين بما تحتاجه من مستلزمات وصناديق وغيرها.
وككلّ موسم، يتجدد مطلب الفلاحين ببعث ديوان للتمور يكون سندًا للفلاحين ومنظّمًا للقطاع ومسهلًا خاصة لعمليات التسويق والترويج، على شاكلة ديوان الحبوب والديوان الوطني للزيت، وغيرها.
- معضلة شحّ المياه
أسامة (فلاح بقبلي) لـ"الترا تونس": نكابد معاناة كبيرة في ظلّ نقص المياه فقد أجبر شحّ الطبقة المائية الفلاحين على الاعتماد على الآبار العميقة وهو ما يرفع كلفة الإنتاج
يظلّ شحّ المياه أحد أبرز المعضلات التي تعترض الفلاحين في تونس من أجل الحفاظ على محاصيلهم، خاصّة في ظلّ موجات الحرّ الحارقة التي عرفتها البلاد التونسية هذه الصائفة.
أسامة، وهو أحد الفلاحين بولاية قبلّي، تحدث لـ"الترا تونس" عن معاناته في ظلّ النقص الكبير في المياه، موضحًا أنّ "شحّ الطبقة المائية أجبر الفلاح على الاعتماد على الآبار العميقة (صنداج) وهو ما يرفع كلفة الإنتاج ويزيد من أتعاب الفلاح"، وفقه.
أسامة (فلاح بقبلي) لـ"الترا تونس": الفلاحون بالمنطقة يطالبون بدعمهم بمنظومة ريّ قطرة قطرة حفاظًا على ثروة المياه الباطنية في ظلّ النقص الكبير في الماء بالجهة
وأشار إلى أنّ الفلاحين بالمنطقة يطالبون بدعمهم بمنظومة ريّ قطرة قطرة حفاظًا على ثروة المياه الباطنية، مضيفًا أنّهم في حاجة ماسة إلى ديوان وطني للتمور ينظّم ويراقب القطاع.
- تحديد الأسعار المرجعية للتمور
تم خلال بداية شهر سبتمبر/أيلول 2023، عقد جلسة جمعت ممثلين عن وزارة الفلاحة التونسية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، تحديد أسعار التمور على النحو التالي:
- الكيلوغرام الواحد من تمور دقلة نور شمروخ صنف 1 أحجام جيدة: سعر 5 دنانير
- الكيلوغرام الواحد من تمور دقلة نور شمروخ صنف 2 أحجام متوسطة: 4.4 دنانير
- الكيلوغرام الواحد من تمور دقلة نور بث صنف 1: 3 دنانير
- النخلة ومراحل الإنتاج وتسويق الصابة
يكون موسم الجني تتويجًا لعمل طويل ومسترسل يسبقه يقوم به الفلاح في واحته بعد الانتهاء من موسم سابق مباشرة.
وأوّل عملية يقوم بها الفلاح تحضيرًا لموسم جديد تتمثل في تنظيف الواحة وحرثها ومدها بالغبار، ثم في شهر مارس/آذار تبدأ النخيل بإظهار كتلة العراجين ثم تتفرع وتتفتح في أواخر أفريل/نيسان، ويقع تلقيحها إلى حدود نصف ماي/أيار (التذكير/الإخصاب) بلقاح أو "ذكار النخيل" ويحبذ أن يكون جديدًا.
يتم تشغيل عمّال للفرز والتصنيف فالعراجين تُصفَّف وتُحمَّل إلى المعامل وتوضع في المبردات ثم تسوق إمّا خارجيّا أو داخليًّا، أمّا "البث" فيحمل إلى مستودعات للفرز، الحبّات الجيدة منه تلحق بتمر العراجين إلى المعامل فيما تباع البقية في الأسواق الداخلية
يكون موسم الجني تتويجًا لعمل طويل ومسترسل يسبقه يقوم به الفلاح في واحته بعد الانتهاء من موسم سابق مباشرة
وبعد مدة، حين يمتلئ العرجون، يقع توزيع نشره وسط النخلة وحسن تركيزه لتسهل عملية التغليف والقطع فيما بعد (مفارزة) وتحطيب النخلة، أي إزالة وحذف الجريد اليابس القديم. ثم تكبر الثمرة ويبدأ البلح (المسترطب) بالتساقط فيتم تخفيف العرجون.
وبعد مدة، يحلّ "الغَلّال" (المُخضّر) ومعه "الخراز" وهو الخبير الذي يقيّم الكميات على رؤوس النخيل وأوزان العراجين بخبرته ودرايته، فيقوم بتفقد الواحة ويعدها ويرجّح الكمية القصوى والدنيا للنخلة، ليخلص إلى معدل إنتاجٍ يتراوح بين 70 و90 كيغراومًا في النخلة الواحدة، في الصابة العادية، وتكون أقل في السّنوات التي يكون فيها الإنتاج متدنيًا. فبشكل عام، تنتج النخلة ما بين 30 كيلوغرامًا كأقلّ حد و150 كيلوغرامًا كأقصى حد.
ويقوم "الخزار" بحساب السعر الجملي بضرب كمية الإنتاج في السعر المحدد والمتفق عليه والذي يعرضه ويحدده أيضًا الخراز حسب جودة المُنتج، ثم يباشر "المخضّر" عمله بمداواة العراجين ثم تغليفها (كل عرجون لوحده) في أواخر جوان/يونيو وبداية جويلية/يوليو، وينتظره حتى ينضج مع موفى سبتمبر/أيلول وبداية أكتوبر/تشرين الأوّل وينطلق موسم الجني والبيع.
يقع أولًا فرز التمر، بفصل العراجين عن "البثّ"، ويتم تشغيل عمّال للفرز والتصنيف، فالعراجين أو ما تُلقّب بـ"الشماريخ" تُصفَّف وتُحمَّل إلى المعامل وتوضع في المبردات ثم تسوق إمّا خارجيّا أو داخليًّا. أمّا البث فيحمل إلى مستودعات تُشغل فيها عاملات للفرز، يقمن بفرز الحبّات الجيدة منه لتلحق بتمر العراجين إلى المعامل، فيما تباع البقية في الأسواق الداخلية.
- بعض أنواع التمور
نجد في التمور أنواعًا عديدة، أبرزها وأجودها دقلة النور وهي الأكثر إنتاجًا.
كما توجد أنواع أخرى أقلّ جودةً منها كـ"الفطيمي"، "أخت فطيمي"، "العليق"، "الكنتيشي". كما نجد أيضًا "القندي" و"الغرس" و"القصبي" و"العماري" و"الطنطبشتا"، وغيرها من الأسماء التي تبلغ أكثر من 300، اندثرت بعضها.