15-ديسمبر-2022
ختام الناصر

ختام الناصر، شاب ثلاثينيّ أصيل مدينة قليبية التابعة لولاية نابل

 

لا تقتصر علاقته بالبحر على فصل الاصطياف كعامة الناس، بل إنّ العلاقة التي تربطه بالعالم المائي أعمق بكثير.. الشغف والولع بهذا الفضاء الأزرق الساحر جزء من جيناته، فلا يثنيه برد ولا عتمة عن خوض مغامرته اليومية في جوف البحر. هناك في أعماق العالم الساحر المليء بالأسرار، ملاذه الآمن وقلعته الواقية من كل ما يحدث في العالم. فضاء واسع رحب يتيح له فرصة الاستمتاع بهوايته المفضلة التي دأب على ممارستها منذ نعومة أظافره، ويلبي نزعته الفضولية في استكشافات يومية فريدة من نوعها ينأى بها عن رتابة الأيام ويضفي بها على حياته معنى للحياة.

ختام الناصر لـ"الترا تونس": أقضّي 12 ساعة وأكثر بين الأمواج، الحياة بالنسبة إليّ مغامرة تبدأ من قاع البحر وفي قلب الخطر، ببساطة أنا مدمن أدرينالين

ختام الناصر شاب في أوائل الثلاثينات أصيل مدينة قليبية التابعة لولاية نابل الواقعة في الشمال الشرقي لتونس، اكتشف مهارته في الصيد بالغوص منذ سنواته الأولى، كبر وكبر معه "غرامه" لرياضة الغوص حتى تجاوز مرحلة الهواية وأصبح أسلوب حياة، يقول الناصر إنه لا يميز بين الفصول ولا بين الليل والنهار، وبالتالي يقضّي جزءًا هامًا من يومه في البحر.

"أقضّي 60% من وقتي في قاع البحر"

يقول الناصر في حديثه لـ"الترا تونس": "عندما أكون في أعماق البحر، تضيع علاقتي بالوقت وأنسى نفسي في ذلك العالم الذي أحببت، يحدث أن أقضّي 12 ساعة وأكثر بين الأمواج، أتّبع التيارات المتناقضة أو ألاحق سمكة تسحبني لعيش مغامرة معها.. الحياة بالنسبة إليّ مغامرة تبدأ من قاع البحر وفي قلب الخطر، ببساطة أنا مدمن أدرينالين".

 

 

ويضيف ختام الناصر: "أقضّي 60% من وقتي في قاع البحر، عالم آخر مختلف عن عالم الأرض جعلني أتحول من إنسان عادي إلى كائن بحري مخلوق من ملح وماء، تمكّنت في وقت وجيز من تطوير قدراتي في الغوص وكتم النفس، هذه الرياضة دفعتني لتحدى نفسي وتحدي هذا الجسم البشري الذي خُلق للحياة على الأرض وليس تحت الماء، فأصبحت قادرًا على كتم أنفاسي لمدة تتجاوز الخمس دقائق، وتمكّنت من الغطس في عمق يتجاوز الـ45 مترًا أي غطس حر بدو أجهزة تنفس.. هذه الموهبة أتاحت لي فرصة الانضمام إلى المنتخب الوطني لرياضة الصيد بالغطس كما توّجت بالعديد من الجوائز والميداليات التي تثبت أني نجم من نجوم العالم في هذه الرياضة".

ختام الناصر لـ"الترا تونس": أصبحت قادرًا على كتم أنفاسي لمدة تتجاوز 5 دقائق، وتمكّنت من الغطس في عمق يتجاوز الـ45 مترًا

تمثل رياضة الغطس لختام الناصر هواية ومصدر دخل في آن واحد، فاستثماره في السمك الذي يصطاده خلال رحلته في قاع البحر، يمكّنه من تحصيل قوت يومه، وقد اعتبر أن أهم الصفات التي على الغطاس التحلي بها هي الثقة في النفس والصبر، ومعرفة الغطاس لقدراته وحدوده، لتفادي مخاطر الغوص التي يمكن أن تودي بحياة الرياضي، إذا حمّل نفسه ما لا يطيق. ومن بين الحوادث الخطيرة ذكر حالات الإغماء نتيجة نقص الأكسجين في الدم الذي يحدث إثر البقاء لوقت طويل تحت الماء وبذل مجهود شاق.

وأفاد المتحدث بأن جميع أنواع السمك الموجودة في البحر الأبيض المتوسط يعاينها خلال رحلته في الأعماق، لكنه يختار منها الأنواع باهظة الثمن كـ"المناني" و"الدنديق" و"الجغالي" و"العروس" و"السيقال" و"القاروس" و"الدوراد روايال" وغيرهم.

 

ختام الناصر لـ"الترا تونس": تمثل رياضة الغطس بالنسبة إليّ هواية ومصدر دخل في آن واحد

 

وعن أدوات الغوص، بيّن ختام الناصر أن هذه الرياضة تستوجب استعمال البذلة الواقية من البرد وزعانف الأرجل وقناع الوجه للرؤية تحت الماء، وبندقية الصيد. مبينًا أن ثمن هذه المعدات يبلغ خمسة آلاف دينار، فبذلة الغوص يبلغ سعرها 1000 دينار والزعانف من ألياف الكربون سعرها يقارب الـ 1500 دينار وقناع الوجه بـ 150 دينار، أما بندقية الصيد فيختلف سعرها من 800 إلى 3000 دينار، وفقه.

وتحدث الناصر عن غياب دور الدولة في الإحاطة بهذه المواهب الشابة ودعمها رغم ما يحصدونه من جوائز هامة، قائلًا: "أنا بمفردي دولة، لأنه على ضفاف هذا الوطن المهمل لشبابه يكون البحر في انتظاري، البحر هو مكتبي ومكسبي ووطني.. الدولة غير قادرة على توفير معدات الغوص كحد أدنى للاعبي منتخبها الذي يمثلها بين دول العالم، وترمي على عاتقهم شراء معداتهم بأنفسهم، وهذا صراحة يجعلني أخجل من التصريح بأني ألعب في المنتخب الوطني".

ختام الناصر لـ"الترا تونس": الدولة غير قادرة على توفير معدات الغوص كحد أدنى للاعبي منتخبها الذي يمثلها بين دول العالم، وهذا صراحة يجعلني أخجل من التصريح بأني ألعب في المنتخب الوطني

كما ختم المتحدث بالتثمين على دور عائلته في تشجيع موهبته وصقلها مؤكدًا أنه يتوخى الحذر لكنه لا يهاب المخاطر لأن "الخوف لا يمنع من الموت بل يمنع من الحياة".

الغوص بين الترفيه والضرورة المهنية

لئن يعدّ الغوص هواية لدى العديد من المحترفين، فإن الولوج تحت الماء أصبح يجذب العديد من التونسيين من مختلف الشرائح والأعمار، وقد ساعدت نوادي تعليم الغوص الخاصة المنتشرة بالسواحل التونسية في تأمين متعة الغوص في عالم البحار للهواة ومحبي المغامرات والاكتشافات، حتى إنّ البعض يختار الاحتفاء بمناسبات خاصة كحفلات الخطوبة وغيرها تحت الماء بطريقة فريدة ومختلفة عن السائد.

 

ختام الناصر لـ"الترا تونس": أختار اصطياد الأنواع باهظة الثمن كـ"المناني" و"الدنديق" و"الجغالي" و"العروس" و"السيقال"..

 

مركز الغوص "نجمة البحر" بطبرقة هو من بين المراكز الخاصة التي تؤمن دورات تكوينية تصنع غواصين محترفين، كما يؤمن رحلات غوص ترفيهية لعموم التونسيين والسياح الأجانب، وقد أكد "أيمن" مدرب غوص عن "نجمة البحر" أن مدينة طبرقة من أفضل وجهات الغوص في تونس لتوفر العديد من الأماكن الخلابة للغوص والمواقع المحمية، علاوة على طفرة الكائنات البحرية التي يمكن مشاهدتها والتعرف عليها.

ويقول أيمن في حديثه لـ"الترا تونس" أن تجربة الغوص تحظى بإقبال هام من قبل التونسيين خاصة في فصل الصيف، فمنهم فئة تقتصر على الغوص لمرة واحدة إرضاء لفضولهم في اكتشاف تجربة جديدة، وفئة أخرى تختار المركز كوجهة للتدرب على الغوص والحصول على شهادة معترف بها على اعتبار أن الغوص شرط أساسي للعمل في بعض المجالات على غرار اللحام تحت الماء وتربية الأسماك، وهناك من يتعلم الغوص أيضًا بدافع الشغف بهذه الرياضة لا غير.

 

ختام الناصر لـ"الترا تونس": معدّات الغوص من بذلة واقية من البرد وزعانف الأرجل وقناع الوجه، وبندقية الصيد تبلغ خمسة آلاف دينار

 

وفي تفاصيل دورات التكوين، بيّن المتحدث أن المجال مفتوح للجميع وأن المستوى الأول موجه للمبتدئين، فيقع الغوص في حدود 5 أو 6 أمتار تحت الماء بمرافقة مدرب غوص محترف، أما المستوى الثاني فيقع الغوص ما بين 25 و40 مترًا، وبالنسبة للمستوى الثالث فيمكن أن يصل العمق إلى 60 مترًا.

ويختص المركز بتوفير أدوات الغوص للمتكونين والمتمثلة في بدلة غوص وزعانف وأسطوانة التنفس وقناع الغطس، أما عن الأسعار فتتراوح بين 700 دينار و2500 دينار حسب اختلاف المستويات، أما الغوص الترفيهي فلا يتجاوز 60 دينارًا.

مدرب غوص لـ"الترا تونس": هناك 3 مستويات للغوص، وأسعارها تتراوح من 60 دينار إلى 2500 دينار

لمحة تاريخية

تفيد العديد من المنحوتات الأثرية أن تاريخ الغوص يعود إلى ما قبل الميلاد بقرون، تحديدًا مع الآشوريين، وتبرز المنحوتات المذكورة جنودًا يعبرون النهر باستخدام عوامات مصنوعة من جلد الماعز. وقد كان الغوص في أعماق البحار مقترنًا أساسًا بالحروب، إذ يعتبر وسيلة ناجعة لتخريب سفن العدو تحت الماء، كما اقترن أيضًا بالتغذية، فهو وسيلة لكسب قوت اليوم من خيرات البحر، وهو كذلك وسيلة للبحث عن اللؤلؤ والمرجان والكنوز التي تزخر بها السفن الغارقة في قاع البحر.

 

 

ولم تكن عملية الغوص في السابق مؤمنة كما في الحاضر، فالأدوات المستعملة كانت بدائية أو معدومة، وبالتالي يتطلب الغوص مهارات وشجاعة كما لا يخلو من مخاطر جمة تهدد حياة الغواص.  

أما اليونان فقد دأبوا على الغوص لأسباب تجارية واقتصادية، فيتمكنون من استخراج الإسفنج والمرجان الأحمر والأصداف الثمينة من أعماق البحر وقد كان الغواصون يستعملون تقنية غوص بدائية تتمثل في تثقيل الغواص بعشرات الكيلوغرامات ليبلغ القاع بأقصى سرعة ممكنة وعلى كل غواص أن يكتسب مهارة كتم الأنفاس لغياب معدات تنفس ولافتقارهم لتقنيات الغوص الحديث.