12-مارس-2022

أكدت أن ذلك "سيكون بمثابة ضربة أخرى يوجهها الرئيس سعيّد لضمانات حقوق الإنسان في تونس (Christopher Furlong/Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

دعت منظمات حقوقية تونسية ودولية، الجمعة 11 مارس/آذار 2022، السلطات التونسية إلى "التخلّي فورًا عن خططها لفرض قيود جديدة على منظمات المجتمع المدني"، معتبرة أنه إذا تم تنفيذ هذه الخطط "ستعصف بالمكاسب الكبيرة لحريّة تكوين الجمعيات التي تحققت عقب الثورة، وستكون ضربة أخرى يوجهها الرئيس التونسي قيس سعيّد لضمانات حقوق الإنسان منذ استحواذه على السلطة في جويلية/يوليو 2021"، وفق تقديرها.

وأكدت المنظمات، في بيان مشترك لها نشرته منظمة العفو الدولية، أن "تونس مُلزمة باحترام وحماية وتعزيز وإعمال الحق في حرية تكوين الجمعيات، المنصوص عليه في المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب".

منظمات تونسية ودولية: تنفيذ خطط فرض قيود جديدة على منظمات المجتمع المدني سيكون ضربة أخرى يوجهها الرئيس سعيّد لضمانات حقوق الإنسان منذ استحواذه على السلطة

وشددت، في هذا الصدد، على أنه "لا يُسمح بفرض قيود على هذا الحق إلا إذا كانت محدّدة بقانون، وضرورية في مجتمع ديمقراطي، أي باستخدام الوسائل الأقل تقييدًا والتي تعكس المبادئ الأساسية للتعدّدية والتسامح"، حسب تقديرها، معقبة: يجب أيضًا أن تكون القيود "الضرورية" متناسبة – أي متوازنة بعناية مع السبب المحدّد لفرضها، وغير تمييزية، بما في ذلك على أساس الأصل القومي أو الرأي السياسي أو المعتقد، على حد ما ورد في البيان.

اقرأ/ي أيضًا: جمعيات تدعو لتكوين جبهة للتصدي لـ"محاولة السلطة التنفيذية قمع العمل الجمعياتي"

وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، آمنة القلالي: "يُدرك التونسيون من واقع تجربتهم المخاطر التي يُمكن أن تُشكّلها القوانين التقييدية على المجتمع المدني والنقاش العام. استخدمت السلطات أثناء حقبة بن علي القمعيّة للغاية قوانين تعسّفية للجمعيات وإجراءات إدارية مرهقة كأدوات أساسية لخنق المعارضة".

نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش": لعبت المنظمات غير الحكومية في تونس دورًا حاسمًا في توفير الخدمات الأساسية للناس ومحاسبة الحكومة. لذلك، ينبغي تعزيز عملها وحمايته وليس تهديده"

ومن جهته، قال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إريك غولدستين: "خلال هذه السنوات العشر منذ الإطاحة ببن علي، لعبت المنظمات غير الحكومية في تونس دورًا حاسمًا في توفير الخدمات الأساسية للناس ومحاسبة الحكومة. لذلك، ينبغي تعزيز عملها وحمايته وليس تهديده"، حسب رأيه.

اقرأ/ي أيضًا: رفض جمعياتي واسع لمشروع تنقيح المرسوم 88 المنظم للجمعيات

وقد سلطت المنظمات الموقعة على البيان الضوء على مشروع تنقيح القانون المنظم لعمل الجمعيات الذي تم تسريبه مؤخرًا، معتبرة أن "يمنح للسلطات صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية للتدخل في طريقة تكوين منظمات المجتمع المدني، ووظائفها، وأعمالها، وتمويلها، وقدرتها على التحدث علنًا عن عملها والتعبير عن آرائها". 

كما أشارت إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قد "اتهم في خطاب مصوّر ألقاه يوم 24 فيفري/شباط 2022، منظمات المجتمع المدني بخدمة مصالح أجنبية ومحاولة التدخل في السياسة التونسية، وقال إنه ينوي حظر جميع أشكال التمويل الخارجي عليها".

مدير "مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية":  "يتعيّن على السلطات التخلّي فورًا عن مواصلة النظر في مشروع القانون المسرّب، والتأكد من أن تلتزم أيّ قوانين مستقبليّة بشأن تنظيم منظمات المجتمع المدني بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان"

واستطردت المنظمات أنه "وفقًا للمرسوم عدد 88-2011، يجوز للتونسيين والمقيمين الأجانب تكوين منظمات المجتمع المدني بحرّية، والقيام بمجموعة واسعة من الأنشطة، والضغط على السلطات في ما يتعلّق بالقوانين والسياسات، والتحدث علنًا عن عملها وآرائها، والحصول على تمويلات أجنبيّة دون ترخيص من الحكومة"، معقبة أن السلطات "لم تؤكد رسميًا أنها ستُعدّل القانون الحالي، ولم تنشر مشروع القانون، ومازال من غير الواضح ما إذا تمّ إدخال تغييرات على النُسخة المسرّبة"، وفق ما جاء في ذات البيان.



ومنذ 2011، ازدهر المجتمع المدني التونسي. بحسب بيانات رسمية، هناك أكثر من 24 ألف منظمة مجتمع مدني مسجلة حاليا لدى السلطات، رغم أنه من غير الواضح عدد المنظمات النشطة اليوم، حسب ذات البيان الذي أكد أن "العديد من منظمات المجتمع المدني تعمل في مجالات مثل التعليم والحياة الثقافية، وتسعى أخرى إلى مساعدة ضعاف الحال والمهمّشين والمستضعفين. بالإضافة إلى ذلك، لعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في جهود الانتقال إلى مجتمع أكثر حرّية وعدالة في تونس ما بعد الثورة، عبر ترسيخ قِيَم حقوق الإنسان وسيادة القانون في النقاش العام، ودفع صانعي السياسات إلى تضمينها في السياسات العامة".

منظمات تونسية ودولية: مشروع تنقيح القانون المنظم لعمل الجمعيات الذي تم تسريبه مؤخرًا، يمنح السلطات صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية للتدخل في طريقة تكوين منظمات المجتمع المدني، ووظائفها، وأعمالها، وتمويلها

وفي هذا الصدد، قال مدير "مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية" أمين الغالي: "يتعيّن على السلطات التخلّي فورًا عن مواصلة النظر في مشروع القانون المسرّب، والتأكد من أن تلتزم أيّ قوانين مستقبليّة بشأن تنظيم منظمات المجتمع المدني بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان"، حسب قوله.

اقرأ/ي أيضًا: رئيس مركز الكواكبي: نرفض المشروع الحكومي المُسقط لتنقيح مرسوم الجمعيات

وعن تفاصيل ما ورد في مشروع القانون المسرب، قالت المنظمات إنه "بموجب القانون الحالي، يُمكن تكوين منظمة مجتمع مدني تحظى تلقائيًا بوضع قانوني بمجرّد إعلام السلطات المعنيّة. لكن الفصول 10-12 من المشروع المُسرّب ستعيد شرط الحصول على ترخيص حكومي قبل أن تتمكن المنظمة من العمل بشكل قانوني، كما كان الحال في فترة بن علي".

وينصّ مشروع القانون على أن الجمعيات لا يمكنها "تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري والديمقراطي"، وينصّ على أن تلتزم موادها المنشورة بـ "النزاهة والحرفيّة والضوابط القانونيّة والعلميّة المستوجبة"، وهو ما اعتبرته المنظمات "صياغة فضفاضة من شأنها فتح باب التعسّف أمام السلطات"، حسب تصورها.

وتابعت: "وفقًا للقانون الحالي، يتعيّن على منظمات المجتمع المدني نشر تفاصيل كل التمويلات الأجنبيّة. بينما سيفرض الفصل 35 من المسودّة المسرّبة شرطًا جديدًا يقضي بموافقة اللجنة التونسية للتحاليل المالية، وهي وحدة تابعة للبنك المركزي التونسي مكلّفة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".

منظمات تونسية ودولية: رغم أنّ مكافحة غسيل الأموال والإرهاب أهداف مشروعة، لا يجب استخدامها كذريعة لحظر التمويل الأجنبي على منظمات المجتمع المدني عبر اشتراط الحصول على موافقة مسبقة

وأكدت المنظمات الممضية على البيان أنه "رغم أنّ مكافحة غسيل الأموال والإرهاب أهداف مشروعة، لا يجب استخدامها كذريعة لحظر التمويل الأجنبي على منظمات المجتمع المدني عبر اشتراط الحصول على موافقة مسبقة"، مشيرة إلى أنه "وفقًا لمسح شمل 100 منظمة مجتمع مدني في تونس نُشر في 2018، قالت منظمتان من خمسة إنها تعتمد جزئيًا أو بشكل أساسي على تمويل من الخارج"، وفق ذات البيان.

اقرأ/ي أيضًا: واقع حرية تأسيس الجمعيات في تونس

كما لفتت إلى أنه "وفقًا للقانون الحالي، لا يُمكن حلّ منظمات المجتمع المدني إلا بإرادة أعضائها، أو عبر المحاكم من خلال عريضة تقدّمها الحكومة. بينما سيُمكّن المشروع المُسرّب السلطات في الإدارة المكلّفة بالجمعيات برئاسة الحكومة من حلّ منظمات المجتمع المدني التي ظلّت غير نشطة لفترة زمنية دون سابق إنذار. وقد يسمح أيضًا للسلطات بحلّ هذه المنظمات متى شاءت وخارج الأطر القضائية، رغم أنّ الأحكام ذات الصلة غامضة"، حسب تقديرها.

وأشارت إلى أنه "وفقًا للمادة 38 من المبادئ التوجيهيّة بشأن حريّة تكوين الجمعيات والتجمّع في أفريقيا، لا يجوز للحكومة فرض حظر شامل على التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني أو إخضاعه لترخيص حكومي"، متابعة "تعكس هذه المبادئ التوجيهيّة أحكام الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وتونس طرف فيه"، وفق ما جاء في البيان ذاته.


 

اقرأ/ي أيضًا:

توجه قيس سعيّد لـ"منع تمويل الجمعيات من الخارج" يثير الجدل في تونس

دور الأجسام غير المنتخبة في العملية السياسية في تونس(2): المجتمع المدني