05-يناير-2019

الجهاز يتولى مراقبة مدى احترام تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة (مريم الناصري/الترا تونس)

 

تأجل إطلاق جهاز الشرطة البيئية أكثر من مرّة منذ جانفي/ كانون الثاني 2017، لينطلق في جوان/ يونيو من نفس السنة في عمليات بيضاء تتعلّق بحملات تحسيسية في حفظ الصحة، ليتم فيما بعد تحديد مهامه المتمثلة أساسًا في ردع المخالفات المتعلقة بعدم الالتزام بتراتيب الصحة والنظافة والحد من ظاهرة انتشار الفضلات ومخلفات البنايات.

وقد رصدت للجهاز موارد مادية ولوجستية تقدر بحوالي 6 مليون دينار، لاقتناء 105 سيارة خاصة مخصصة بخدمات تحديد المواقع GPS، إلى جانب تأمين 30 ألف حاوية جديدة في البلديات وأزياء خاصة، وتكوين 300 عون شرطة.

بدأ نشاط جهاز الشرطة البيئية في تونس في جوان 2017 وسط شكوك حول نجاعته وتداخل مهامه مع أجهزة رقابية أخرى

أثار، مع ذلك، إحداث جهاز الشرطة البيئية حفيظة البعض منذ إحداثه لاسيما وحدات الأمن وجهاز الشرطة البلدية وأعوان المراقبة الصحية والمراقبة الاقتصادية، وطرح عدّة تساؤلات لدى الرأي العام عن جدوى هذا الجهاز في ظل وجود العديد من أجهزة الرقابة من أعوان أمنية وصحية وتجارية، وعن جدوى إثقال كاهل الدولة بمصاريف إضافية وأموال وتجهيزات وسيارات قيل إنها فارهة، بالقول إنه كان من الأجدر دعم الاجهزة الرقابية الموجودة ماديًا ولوجستيًا بدل إحداث جهاز جديد.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة البيئية أخيرًا في تونس.. الأمر بالنظافة والنهي عن التلوث!

كما أثار هذا الجهاز المستحدث تحفظات أيضًا لدى الأمن ووحدات التدخل خصوصًا من ناحية التسمية. إذ نشرت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل والنقابة القطاعية لموظفي الشرطة البلدية في 13 جوان/يونيو 2017 بيانًا اعتبرت فيه "ما جاء في برنامج تركيز الشرطة البيئية تداخلًا للأدوار وازدواجية وعدم مراعاة لمصالح المواطن ومصداقية الإدارة وهيبتها" مطالبة وزارة الداخلية النظر في التسمية المقترحة "شرطة" على هيكل رقابي بيئي باعتبار الانتداب والتكوين والرسكلة والمهام المناطة بعهدتهم متساءلة هذه النقابات عما اعتبرته صمت الوزارة.

يعمل أعوان الشرطة البيئية في غياب نص تشريعي ينظم أهداف الجهاز وهيكلته (مريم الناصري/الترا تونس)

وقد أكّد وزير البيئة والجماعات المحلية حينها رياض المؤخر أن عمل الشرطة البيئية لا يتعارض مع عمل الشرطة البلدية، وأنّ المقصود من تسمية "شرطة" هو الجانب الردعي للحدّ من ظاهرة التلوّث وانتشار الفضلات.

وقد تواصلت الانتقادات في ظل غياب نص تشريعي ينظم الجهاز ويضبط أهدافه وهيكلته، أو قانون أساسي يضمن حقوق أعوان الشرطة البيئية ويوضح واجباتها. وشملت التحفظات عزم أعوان هذا الجهاز تنفيذ إضراب لتتواتر التعليقات الساخرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل أن الجهاز المحدث منذ مدة وجيزة انطلق أعوانه في الاحتجاجات والإضرابات قبل رؤية نتائج عمل هذا الجهاز على أرض الواقع.  

وينتقد المواطن، كذلك، هذا الجهاز بسبب استمرار انتشار النفايات والمصبات العشوائية في كل مكان، ثم وكأن الجهاز أحدث لرفع الفضلات بدل عمال النظافة.

تساؤلات عدّة جعلتنا نخرج في جولة يومية مع أعوان الشرطة البيئية للإطلاع أكثر على عمل هذا الجهاز لمعاينة عمله الذي يلاقي انتقادات، وهو الجهاز الذي يتولى ضبط مخالفات خرق تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة.

يفتقد جهاز الشرطة البيئية لنص تشريعي يضبط أهدافه وهيكلته ولقانون أساسي يضمن حقوق أعوانه وواجباتهم

كانت انطلاقة عملهم على الساعة الثامنة والنصف من إدارة حفظ الصحة بالعاصمة، يخرجون في مجموعات لتقسم المهام فيما بينهم مع تحديد وجهة كل فريق. بداية الرقابة انطلقت ببعض المقاهي لمراقبة مدى احترامها لاستغلال الرصيف وفق ما يفرضه القانون، ومدى التزامها بقواعد حفظ الصحة.

لم يسجل فريق المراقبة أي مخالفة، في هذا الجانب، إذ يلتزم أغلب أصحاب المقاهي بالتنبيهات التي توجه إليهم. ويُشار أن عناصر الشرطة البيئية يقومون بحجز بعض كراسي أو طاولات كل مقهى يستغل الرصيف دون وجه حق، مع تحرير مخالفات في الغرض وخطايا مالية تختلف حسب نوع المخالفة المرتكبة.

الجولة الثانية للمراقبة تعلقت ببعض المطاعم، إذ توجهنا إلى عدّة محلات بيع الأكلة الخفيفة لمعاينة التزامها بالنظافة وقواعد حفظ الصحة، والتثبت من الأكل وطريقة حفظ المواد الغذائية وعدم استعمال مواد غذائية منتهية الصلوحية، ليقع تحرير مخالفات في الغرض لأكثر من ثلاث محلات لم تتقيد أساسًا بقواعد حفظ الصحة وطريقة حفظ بعض المواد الغذائية، إضافة إلى غياب مواد التنظيف في بعض المطاعم.

تراقب الشرطة البيئية مدى الالتزام بقواعد النظافة وحفظ الصحة (مريم الناصري/الترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا: مياه صرف صحي وملوثات مصانع وتسربات نفطية.. كارثة تلوث شواطئ تونس

وكان ختام الجولة الرقابية بمحل بيع مرطبات تمت فيه معاينة العديد من المخالفات بدءًا بغياب النظافة مرورًا بطريقة حفظ بعض المواد واستعمال مواد منتهية الصلوحية لصنع المرطبات.

يفيدنا الطاهر، وهو أحد أعوان الشرطة البيئية، لـ "ألترا تونس" أنه يتم يوميًا حجز العديد من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك، إلى جانب تحرير مخالفات بمعدل 14 مخالفة في اليوم الواحد وللفريق الواحد. وتتعلق أغلب المخالفات، وفقه، بعدم التقيد بقواعد حفظ الصحة أو استغلال الأرصفة إلى جانب معاينة مخالفات تتعلق بإلقاء الفضلات أو مخلفات البنايات والحجارة في غير الأماكن المخصصة لها.

ويضيف في حديثه لـ"الترا تونس" أنّه رغم عمل أعوان الشرطة البلدية يوميًا وبصفة خاصة في المواسم الاستهلاكية الكبرى إلا أنّهم مازالوا يواجهون انتقادات عدّة عن جدوى هذا الجهاز الذي يقوم بدور كبير في التحسيس والتوعية ومعاينة الجنح والمخالفات، وفق تأكيده.

الفريق الواحد من الشرطة البيئية يعاين 14 مخالفة كمعدل يومي (مريم الناصري/الترا تونس)

وقد لاحظنا خلال جولتنا مع فريق الشرطة البيئية خلال عمله أنه لم يكن يتعرّض لعدم الاستجابة أو تعطيل أداء مهامه أو العنف، رغم بعض التململ الظاهر لدى صاحب المحلّ.

وتأتي هذه الملاحظة على ضوء تأكيد أعوان المراقبة الصحية وفرق المراقبة الاقتصادية في أكثر من مناسبة عن تعرّضهم إلى اعتداءات لفظية بل وجسدية خلال القيام بأعمال الرقابة، وهو الأمر الذي يجعلهم يلجؤون إلى التنسيق مع بعض العناصر الأمنية لحمايتهم من الاعتداءات. مع ذلك قد يرافق أعوان من الحرس والأمن أحيانًا أعوان الشرطة البيئية أثناء القيام بحملات الرقابة.

نموذج لمحضر معاينة مخالفة يحرره أعوان الشرطة البيئية (مريم الناصري/الترا تونس)

وقد تمكن جهاز أعوان الشرطة البيئية سابقًا من الكشف عن أطنان من المواد الغذائية المختلفة والتي لم تحفظ وفق الشروط الصحية أو تكون في الغالب فاسدة وغير صالحة للاستهلاك.

ختامًا مع وارتفاع وتيرة الغش التجاري وانتشار المخالفات خاصة في المطاعم ومحلات بيع المواد الغذائية وبيع اللحوم البيضاء والحمراء في الآونة الأخيرة، لعلّه لا خلاف أن كلّ الفرق الرقابية، مهما اختلفت تسميتها صحية كانت أو تجارية أو بيئية أو أمنية، تصب في نهاية الأمر في مصلحة المواطن.

غير أنه تداخل المصالح أو المهام بين هذه الفرق الرقابية، قد يطرح السؤال حول مسألة التنسيق والحساسية فيما بينها في أداء المهام، وإن يؤكد العديد أن هذا التداخل لا يؤثر على عمل جهاز أو آخر بقدر ما يكثف عمليات الرقابة في وضع ارتفعت فيه المخالفات البيئية والصحية في جميع القطاعات وفي جميع المناطق لاسيما المدن الكبرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خاص: شبهة فساد في مناظرة انتداب عمّال حضائر ببلدية طبربة (وثائق)

تربية الأسماك في تونس: قطاع واعد ومخاوف صحية وبيئية