29-نوفمبر-2018

يعتبر البعض وفي مناسبات مختلفة أنّه لا يمكن اعتبار "النّهضويّ" مواطنًا تونسيّا (صورة أرشيفية/Getty)

جرت العادة في الدّول الدّيمقراطيّة أن يحدّد المواطن وجهة صوته في كلّ محطّة انتخابيّة استنادًا إلى البرامج السياسية، والاقتصاديّة والاجتماعيّة. لكن هنا في تونس، ننتخب كي لا نموت، أو ينتهي بنا المطاف في غياهب السّجون.

عادت مؤخرًا أجواء عام 2013 منذ إعلان رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي نهاية مرحلة "التّوافق" مع حركة النّهضة، كسرت الشّياطين قيودها بعد أن رُوّضت لسنواتٍ قليلة، فخرجت لنا برواية التّنظيم السري لحركة النّهضة. مؤتمراتً وندوات وحوارات، عمادها إلقاء التّهم جزافًا، منها ما صدر عن القياديّ بالجبهة الشعبية حمّة الهمّامي الذي تحدث عن مخطّط لـ"أخونة الجيش التونسي"، محذّرًا من مساجد قال إنّها موجودة في الثّكنات العسكريّة، ومنها حديث هيئة الدّفاع عن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي عن اكتشاف مخطط يعود لسنة 2013 يتعلّق بمحاولة صهر رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي، اغتيال الباجي قائد السّبسي والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

عادت مؤخرًا أجواء عام 2013 منذ إعلان رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي نهاية مرحلة "التّوافق" مع حركة النّهضة

وكانت قد شنّت أصوات شبيهة، في وقت سابق، هجومًا شرسًا على المهندس بمعهد الرّصد الجوّي عبد الرّزاق الرّحال، لمجرّد أنه هنأ ضحايا فيضانات مجينة "نابل" واصفًا من قضوا بفعل السّيول الجارفة بـ"الشهداء". ولم يمض الكثير من الوقت حتّى تمّ إيقاف الرّحال عن عمله، الأمر الّذي استحسنته البعض. كما عبّرت رئيسة لجنة الحرّيّات الفرديّة والمساواة، آنذاك، في تدوينة على حسابها الرّسميّ بمنصّة التّواصل الاجتماعيّ "فيسبوك" عن قلقها حيال أبناء عبد الرّزّاق الرّحّال، آملة "أن يكونوا أقوياء حتّى لا يتأثّروا بعقليّة والدهم المريضة"، وفق تعبيرها. نعم ففي آسيا الوسطى، أثناء الاحتلال السّوفياتي، كان الشّيوعيّون يفصلون الأبناء عن أولياء أمورهم، ليحولوا بين الجيل الجديد وتعاليم الإسلام!

صرّح، في الأثناء، المنجي الرّحوي، النّائب عن حزب الوطنيّين الدّيمقراطيّين الموحّد، منذ أسابيع "إمّا نحن أو النّهضويّون في تونس". وللإشارة، فإنّ "النّهضويّ"، وفق تعريفات أغلب السّياسيّين المعارضين للإسلام السّياسيّ، قد يكون المواطن الذي يرفض مبادرة رئيس الجمهوريّة للمساواة في الميراث بين الجنسين. حيث اتّهم القياديّ بحزب التّيار الدّيمقراطيّ محمّد عبّو، ما وصفها "ميليشيات حركة النّهضة الإلكترونيّة" بالوقوف وراء هجمة إلكترونيّة تعرّض لها عقب إعلان موقفه المؤيّد لتقرير لجنة الحرّيّات الفرديّة والمساواة من إلغاء تجريم المثليّة الجنسيّة وتمكين التّونسيّات من الزّواج من غير المسلمين والمساواة في الميراث بين الجنسين.

اقرأ/ي أيضًا: توماس فريدمان و"إعلام العار"!

بدورها، استغربت بشرى بالحاج حميدة في وقتٍ سابقٍ معارضة أطراف "تختلف مع حركة النّهضة"، لقانون المساواة في الميراث، أي أنّك إمّا مع المبادرة أو أنّك "نهضويّ" بالنسبة إليها. كما وصفت قيادات من الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل، معارضين للإضراب العام بدعوة ضرورة الحفاظ على حدّ أدنى من استقرار واقتصاد البلاد، بانهم تابعين لحركة النّهضة.

إعلاميًا، قد يُعرّف "النّهضويّ" بأنه الوليّ الّذي رفض العام الماضي ما اقترفته إحدى المعلّمات بولاية صفاقس في حقّ تلاميذها الّذين أكّدوا أنّها كانت، كلّما نادى المؤذّن بالصّلاة، أغلفت شبابيك قاعة التّدريس وأنكرت أمامهم وجود الله. ظهر يومها الإعلاميّ محمّد بوغلاّب، ليخبرنا أنّ الأولياء هم نهضويّون، وانبرى يحدثنا عن سعيٍ حثيث من الإسلاميّين للسّيطرة على التّعليم وعقول أطفال تونس.

وشغل وسائل الإعلام في تونس، الصيف الماضي، سؤالٌ حول علاقة حركة النّهضة برئيس جامعة كرة القدم وديع الجرئ وبالمدرّب الأسبق للمنتخب الوطني التّونسي نبيل معلول، فقط لأنّهما ردّدا رفقة اللاّعبين، سورة الفاتحة قبيل المباريات الثّلاث التي خاضوها في نهائيّات كأس العالم في روسيا. طفت، آنذاك، تحاليل عن تمكّن الإسلاميّين حتّى من الرّياضة في تونس، تجدّدت مع التّحوير الوزاريّ الأخير، حينما تحدّث النّائب عن حركة نداء تونس عن وقوف رئيس حركة النّهضة راشد الغنّوشي وراء إقالة وزيرة الرّياضة السّابقة ماجدولين الشّارني.

عندما كنت طالبًا بجامعة خاصّة للصّحافة كان لي زملاء ذوي توجّه إسلاميّ كانوا إذا ما أفصحوا عن ميولاتهم السّياسيّة جاءتهم النّصائح بإبقاء آرائهم قيد الكتمان

وبالحديث عن التّمكين، عندما كنت طالبًا بجامعة خاصّة للصّحافة، كان لي زملاء ذوي توجّه إسلاميّ، كانوا إذا ما أفصحوا عن ميولاتهم السّياسيّة جاءتهم النّصائح بإبقاء آرائهم قيد الكتمان، "فالنّهضويّون لا مكان لهم في الإعلام التّونسيّ، وهو حكر على اليسار"، يقول لهم البعض. وبالإضافة إلى تصنيفهم لكلّ من يعارضهم في خانة "النّهضة"، يعتبر البعض وفي مناسبات مختلفة أنّه لا يمكن اعتبار "النّهضويّ" مواطنًا تونسيّا.

في أثناء الحملة الانتخابية في الانتخابات البلدية وما أثاره ترشّح سعاد عبد الرّحيم القياديّة بحركة النّهضة لمشيخة مدينة تونس من جدل، كان للعميد فاضل موسى، رئيس بلدية أريانة، مداخلة إذاعيّة في الخصوص. وبسؤاله عن موقفه من ترشّح امرأة لمشيخة مدينة تونس للمرّة الأولى في تاريخ البلاد، تملّص من الإجابة، وأمام إصرار الصّحفيّ تجنّب الفاضل موسى إبداء تأييدٍ واضحٍ لسعاد عبد الرّحيم بتعلّة ضمنيّة مفادها أنّ "النّهضويّين لا يزالون غير مقبولين بشكل كامل في المجتمع التّونسيّ".

يذكر أنّ حركة النّهضة تحصّلت في تلك الانتخابات البلديّة على المركز الأوّل، فهل أنّ من صوّت لها بالأغلبيّة غير تونسيّين؟ ولعلّهم كذلك في نظر منافسيهم، إذ أذكر جيّدًا عندما رفض الممثّل توفيق الغربي الإجابة على سؤال الصّحفيّ شكيب درويش في إحدى حلقات برنامج "كلام النّاس"، وقد كان السّبب آنذاك "حضور شكيب درويش لإحدى اجتماعات حركة النّهضة". نفس الممثّل، صاح في الحاضرين خلال عرضٍ قدّمه بمدينة سليانة أنّه "لا مجال لتعليق لافتات حركة النّهضة"، ليصفّق الجمهور. ومدينة سليانة بحسب الجيلاني الهمّامي، القياديّ بالجبهة الشّعبيّة، ممنوعة على الحبيب اللّوز، القياديّ بحركة النّهضة.

كلّ هذا، يقودنا حتمًا إلى التّفكير بأنّ هؤلاء إذا ما مكّننتهم صناديق الاقتراع من السّلطة، قد يملؤون الزّنازين بكلّ من يرفض المساواة في الميراث، وكل منّ يسجد إذا ما سجّل هدفًا خلال مباراة كرة قدم، وكلّ من يردّد الفاتحة في العلن وبكلّ من صدّق بالحور العين في الجنّة. فبالنّسبة لهم، ما سبق ذكره من أوصافٍ إذا ما اجتمعت في شخصٍ ما فهو "نهضويّ وليس بتونسيّ".

يقول راشد الغنّوشي إنّ همّ النّهضة العبور بالبلاد إلى المحطّات الانتخابيّة المقبلة في كنف الاستقرار والسّلم الاجتماعيّ، وتقول بسمة بلعيد، أرملة شكري بلعيد، إنّ حركة النّهضة لن تبلغ أيّ محطّة انتخابيّة قادمة. في الأثناء، تدعوكم الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات إلى التّسجيل، فلم تعد تفصلنا سوى أشهر قليلة، فسجّلوا وصّوتوا حتّى لا يحول المجرمون بيننا وأبنائنا، وبيننا وبين دين آبائنا وأجدادنا، وذلك حتّى لا يخشى الصّحفيّ أن يقطّع تقطيعًا وأن يتلو لاعب كرة القدم الفاتحة وقتما شاء، وليكفر من يشاء ويؤمن من يشاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في تونس.. التافهون أسياد الموقف

إضراب عام في الوظيفة العمومية.. الرّسائل المشفّرة