19-مايو-2024
أول منصة رقمية لتعليم الصم والبكم في تونس

مؤسسة المنصة لـ"الترا تونس": الدولة لا توفر لذوي الإعاقة الإمكانيات اللازمة لتعليمهم ودمجهم في المدارس العادية

 

في مارس/آذار 2023، انطلقت منصة "آس دي أكاديمي" في العمل بشكل رسميّ، وهي أول منصة رقمية مختصة في تعليم الصم والبكم في تونس، حيث تقدم دروسًا تعليمية ونصائح وجلسات علاج نفسي لهذه الفئة التي يعاني الآلاف منها من الأمية والانقطاع المبكر عن الدراسة.

أسّست المنصة الشابة فرح التونسي (24 سنة)، أصيلة ولاية مدنين، والمتحصلة على الإجازة في التحاليل البيولوجية الطبية، بالتعاون مع شقيقتها ميْ التونسي، إيمانًا منهما بأحقية فئة الصم والبكم في التعلم والدراسة وعيش حياتهم بشكل طبيعي داخل المجتمع.

  • فرح التونسي: البداية كانت صعبة لكننا نجحنا وبدأنا العمل

مثل أغلبية الباعثين الشبان في تونس، تؤكد فرح في حديثها مع "الترا تونس"، أن البداية لم تكن سهلة، حيث واجهت صعوبات عديدة منها عدم التعاون معهم من قبل بعض مؤسسات رعاية الصم والبكم، وغياب التمويل وهو ما دفعها للاعتماد على التمويل الذاتي.

فرح التونسي (مؤسسة المنصة) لـ"الترا تونس": أسست بالتعاون مع شقيقتي ميْ التونسي، هذه المنصة إيمانًا منا بأحقية فئة الصم والبكم في التعلم والدراسة وعيش حياتهم بشكل طبيعي داخل المجتمع

ومن بين الصعوبات الأخرى، تذكر فرح التونسي عدم تقبل العائلات في البداية فكرة تعليم أبنائهم فاقدي السمع والنطق عن بعد، لكنها تؤكد أنّهم اقتنعوا لاحقًا بالفكرة وأقبلوا عليها واصفة ما حدث بـ"الثورة الفكرة والذهنية".

ومع مرور الوقت، تبددت الصعوبات أمام تمسك الشابة التونسية بحلمها، إلى جانب حصولها على الدعم من عائلتها وأصدقائها، كما تلقت رفقة شقيقتها تدريبًا في ريادة الأعمال لتقديم خدمات تتماشى مع متطلبات هذه الفئة التي تعاني من التهميش.

 

فرح التونسي وفريقها
مؤسسة المنصة لـ"الترا تونس":  العائلات في البداية لم تتقبّل فكرة تعليم أبنائهم فاقدي السمع والنطق عن بعد

 

وفي سبتمبر/ أيلول 2023، تحصلت منصة "آس دي أكاديمي" على علامة المؤسسة الناشئة بعد توفر كل الشروط المطلوبة بها، لتبدأ بذلك فرح رحلتها في تحقيق حلمها وحلم الآلاف من فاقدي السمع والنطق الذين حرموا من التعليم.

  • كيف تعمل منصة "آس دي أكاديمي"؟

في البداية فكرت فرح التونسي في فتح مقر رسميّ يقدم دروسًا مباشرة للتلاميذ من ذوي وذوات الإعاقة من الصم والبكم، لكن بعد قيامها بدراسة للسوق وتعرفها على مشاكل الصم والبكم في تونس، قررت الشابة التونسية أن يكون التعليم الموجه لهذه الفئة رقميّ وعن بعد.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": البداية لم تكن سهلة، وواجهت صعوبات عديدة منها عدم التعاون معهم من قبل بعض مؤسسات رعاية الصم والبكم، وغياب التمويل

وتؤكد فرح التونسي أنّ هذا التوجه جاء بعد وجود أدلة ومؤشرات تؤكد عدم قدرة الآلاف على العودة للتعلم في المدارس بطريقة تقليدية، بعد أن تعرضوا للإساءة والعنف والإقصاء، وفقها.

وعلى الرغم من المدة الزمنية القصيرة لعمل المنصة، ترى فرح التونسي أنّ الإقبال كان جيدًا ومحترمًا، خصوصًا مع بداية العام الدراسي الجاري، مشيرة أنّ المنصة تقدم حاليًا خدمات لـ6 أقسام يحتوي كل قسم على 7 أطفال تتراوح أعمارهم من 6 إلى 17 سنة.

وفي تقييمها لمدى تفاعل الأطفال مع الدروس المقدمة لهم واستيعابها، أكدت التونسي أنّ التلاميذ في البداية كان باديًا عليهم الخوف والتوتر لكن بمرور الوقت تأقلموا مع زملائهم ومعلميهم وبدأوا في استيعاب الدروس المقدمة لهم بسرعة كما استعادوا ثقتهم في أنفسهم بدعم من المختصين.

 

فرح التونسي
فرح التونسي (24 سنة، أصيلة ولاية مدنين) مؤسسة منصة "آس دي أكاديمي"، وهي أول منصة رقمية مختصة في تعليم الصم والبكم في تونس

 

وتضيف التونسي أنّ المنصة لم تقم بوضع عمرٍ محدد للتعليم وأنها اختارت ألا يتجاوز عدد التلاميذ بالقسم الواحد سبعة تلاميذ، لتسهيل عملية التدريس وإيصال المعلومة في أفضل الظروف.

ووفق التونسي، فإن المنصة تقدم دروسًا يومية مبنية على البرنامج التعليمي لوزارة التربية التونسية، كما تقدم دروس دعمٍ ودروس لغة إشارة وحصص تقويم نطق فضلًا عن التأطير النفسي وحصص التربية المختصة الموجهة للأولياء لتدريبهم على كيفية التعامل مع أطفالهم.

كما تقدم المنصة خدمات وورشات تدريب لفائدة الصم والبكم المتقدمين في السن، وتكون هذه الخدمات حسب متطلبات الشخص المعنيّ وتدوم لمدة زمنية معينة ويقدمها مختصون وخبراء، وفق ما كشفته فرح التونسي.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": التوجه لتعليم هذه الفئة عن بعد جاء بعد وجود مؤشرات تؤكد عدم قدرة الآلاف من الصم والبكم على العودة للتعلم في المدارس بطريقة تقليدية، بعد أن تعرضوا للإساءة والعنف والإقصاء

وتضيف قائلة: "كل تلميذ يقوم بالتسجيل لتلقي تعليمه عبر منصتنا نقوم أولاً بتقييم مكتسباته مع مختص تربوي ثم يتم انطلاقًا من نتائج التقييم اتخاذ القرار بوضعه في قسمه لتلقي تعليمه حسب مستواه".

ويتلقى التلميذ على امتداد السنة الدراسية دروسه طبقًا للمناهج التربوية، كما يخضع للامتحانات إلى جانب الأعمال المنزلية والزيارات الميدانية.

ومع نهاية كل ثلاثية، يجتمع المشرفون على المنصة مع الأولياء لتقييم مستوى التلاميذ ونتائجهم وللتشاور حول الإضافات أو التعديلات التي يمكن إضافتها لتحسين جودة التعلّم حفاظًا على مصلحة التلاميذ.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": اختارت المنصة ألا يتجاوز عدد التلاميذ بالقسم الواحد 7 تلاميذ، لتسهيل عملية التدريس وإيصال المعلومة في أفضل الظروف

ويعمل في منصة "آس دي أكاديمي" 10 مدرسين في مختلف الاختصاصات إلى جانب تعاقدها مع مختصين يعملون على تقديم ورشات تدريب وخدمات أخرى في فترات محددة وحسب طلب الحرفاء.

وترى الشابة التونسية أنّ الخدمات التعليمية التي تقدمها المنصة في متناول الجميع، حيث تتراوح أسعار الدروس بين 60 و200 دينار، كما تؤكد أنها نجحت في كسب ثقة الأولياء وحققت حلمها في تمكين هذه الفئة من التعلّم.

وفي السياق ذاته، أكدت فرح أنّ المنصة تستعد لتوقيع أول شراكة رسمية مع وزارة التربية التونسية، على أن يتم بعد ذلك إطلاق النسخة الثانية من منصة "آس دي أكاديمي" والتي ستحتوي على عديد الإضافات وستستهدف دولًا أخرى غير تونس.

 

فرح ومي التونسي
مؤسسة المنصة لـ"الترا تونس": المنصة تقدم حاليًا خدمات لـ6 أقسام يحتوي كل قسم على 7 أطفال تتراوح أعمارهم من 6 إلى 17 سنة

 

وبعد نجاح المنصة في تونس، تستعدّ فرح لتطبيق برنامج جديد أطلقت عليه "برنامج القفز"، وذلك من خلال عرض خدماتها على دول إفريقية أخرى، خصوصًا وأن الأرقام تشير إلى أنه يوجد 70 مليون أصم في العالم منهم 30% متواجدين في إفريقيا، وفقها.

وأكدت أنهم يعملون على عقد شراكة مع دولة تنزانيا التي يوجد بها نحو 7 ملايين أصم، مشيرة إلى أنّ تطبيق هذا الهدف سيتم بدعم من منظمات دولية.

  • فرح التونسي: الأمية والتسرب المدرسي يلاحقان الصم والبكم في تونس

خلال رحلتها لإنشاء المنصة، بحثت فرح التونسي عن دراسات دقيقة حول أعداد الصم والبكم في تونس، لكنها أكدت لـ"الترا تونس" أنّ الأرقام لم يقع تحيينها منذ سنة 2014.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": الخدمات التعليمية التي تقدمها المنصة في متناول الجميع، حيث تتراوح أسعار الدروس بين 60 و200 دينار

تضيف التونسي، أنه بعد بحث طويل وبدعم من بعض الجمعيات غير الحكومية توصلت إلى أنّه يوجد في تونس حوالي 200 ألف أصمّ، 95% منهم أميّون، وأنّ 3% منهم فقط أنهوا التعليم الثانوي و2% فقط وصلوا إلى مرحلة التعليم العالي.

وأوضحت فرح أنّ الدولة التونسية لا توفر لذوي وذوات الإعاقة الإمكانيات اللازمة لتعليمهم ودمجهم في المدارس العادية، ما يدفع الأولياء إلى إبقائهم في المنزل عوض تعليمهم، مشيرة إلى أنّ هذا التقصير يحرم الآلاف من حقهم في التعليم ويرمي بهم إلى براثن الأمية والعزلة وفقدان الثقة في النفس وعدم الاندماج داخل المجتمع.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": يوجد في تونس حوالي 200 ألف أصمّ، 95% منهم أميّون، وأنّ 3% منهم فقط أنهوا التعليم الثانوي، والأرقام الرسمية لم يقع تحيينها منذ 2014

ومن بين الأسباب الأخرى التي ساهمت في ارتفاع نسب الأمية في صفوف الصم والبكم في تونس، أكدت فرح التونسي أنّ الأولياء بدورهم يخافون من إخراج أطفالهم لمواجهة المجتمع ويختارون عزلهم داخل المنزل، ما دفعها إلى التفكير رفقة شقيقتها في إضافة قسم لتدريب الأولياء وتقديم الدعم النفسي لهم لضمان تعاملهم السليم مع أطفالهم المختلفين.

كما تعتبر محدثنا أنّ المنهج التعليمي في تونس لا يتناسب كثيرًا مع احتياجات هذه الفئة من الأطفال، مؤكدة أن منصة "آس دي أكاديمي" تقدم بالتعاون مع مرشد تربويّ منهجية تعليمية تتطابق مع منهجية التعليم في تونس لكنها تعتمد أكثر على التدريس عن طريق الصور عوضًا عن الحفظ.

فرح التونسي لـ"الترا تونس": نستعدّ لعرض خدماتنا على دول إفريقية أخرى، خصوصًا وأن الأرقام تشير إلى أنه يوجد 70 مليون أصم في العالم منهم 30% متواجدين في إفريقيا

ولم تخفِ التونسي صدمتها من هول الحكايات التي سمعتها أثناء عملها خصوصًا في علاقة بتعرض الأطفال فاقدي النطق والسمع إلى التنمر والضرب، كما ذكرت قصصًا عن مشاركة معلمين ومديري مدارس في كتابة عرائض إلى مندوبيات التربية لطرد الصم والبكم من المدارس.

وتؤمن فرح التونسي أنّ التعليم من حق الجميع دون استثناء، مؤكدة على أنّ الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة في تونس يجب أن يتلقوا تعليمهم ويتم إدماجهم في المجتمع ليكونوا فاعلين فيه عوص إقصائهم وتهميشهم.