الحرب على الكورونا هي معركة غير تقليدية يقودها الجيش الأبيض ذودًا عن التونسيين بقيادة الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي وهو ما يستوجب، بداية، حفظ سلامة هؤلاء المحاربين في معركة لا خيار فيها غير الانتصار. وإذا "لم تحمي الحكومة أعوان الصحة كمن يطلق النار على قدميه، لكن كأي جيش يقاتل يصاب فيه جنود، يقع إجلاء الجريح والتكفل به فيما يواصل الجيش القتال"، هكذا تحدث وزير الصحة عبد اللطيف المكي في علاقة بسلامة الإطارات الطبية وشبه الطبية المتواجدين في الخط الأول لمواجهة "كورونا".
يسلط "ألترا تونس" الضوء على استعدادات الأقسام الاستعجالية، والتقى أطباء بهذه الأقسام من مستشفيات مختلفة في تونس ليحدثونا عن استعداداتهم وخططهم لمواجهة فيروس كورونا
يتواصل، في الأثناء، ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بالفيروس، ويظل الرهان على الالتزام بالوقاية، والتنظيم الدقيق، والشراكة بين القطاع العام والخاص، وتطوّع المنظمات والطاقات الوطنية سبيلًا للقضاء على الوباء وحصر البؤر التي ظهر فيها.
اقرأ/ي أيضًا: طبيبة تونسية في إيطاليا تروي لـ"ألترا تونس" تجربتها في مواجهة كورونا
وتتكفل وحدات الطب الاستعجالي الطبي للنجدة والإنعاش المعروفة اختصارًا باسم "SAMU"، منذ بداية انتشار الوباء، بالتنقل ليلًا نهارًا للمبلغ عنهم في حالات اشتباه إما لرفع العينات أو للإيواء بالمستشفيات أو المراقبة الدورية، لكن قد نتجاوز هذه المرحلة إلى أخرى أكثر خطورة وهي استقبال المستشفيات والأقسام الاستعجالية للمشتبه بهم أو المصابين بأعداد هامة للتكفّل بهم وعلاجهم.
"ألترا تونس" يسلط الضوء على استعدادات الأقسام الاستعجالية، والتقى أطباء بهذه الأقسام من مستشفيات مختلفة في تونس ليحدثونا عن استعدادتهم وخططهم لمواجهة فيروس كورونا.
ضياء الخشين (استعجالي مستشفى القيروان): توفر التجهيزات يمنح الثقة للطبيب
ضياء الخشين، وهو طبيب مقيم ومتطوع بقسم الاستعجالي بمستشفى القيروان، يؤكد، في بداية حديثه معنا، على أن الاستراتيجيا المعتمدة في المستشفى الذي يعمل فيه جيدة إلى حد الآن قائلًا: "بالنسبة لي كطبيب عند الالتحاق بحصة الاستمرار، أجد حقيبة تتضمن جميع وسائل الوقاية من العدوى، وتتضمن نوعين من الأردية الشفافة التي تحمي الجسم والثياب وهي ذات خصوصية طبية إضافة للرداء خاص بالكشف وقفازات وأقنعة ضد الكورونا ذات حماية عالية مع غطاء للشعر ومطهر طبي".
ضياء الخشين (طبيب مقيم): أدت أزمة "كورونا" إلى نقص كبير في الوافدين على الأقسام الاستعجالية
يخبرنا أن هذه التجهيزات تمنح منذ البداية الثقة لدى الطبيب لمزاولة مهنته في أريحية من ناحية الوقاية الذاتية مشيرًا إلى تحديد استراتيجيا في قسم الاستعجالي للتعامل مع المرضى والوافدين من مرافقيهم أخذًا بفرضية الاشتباه بإصابتهم بالفيروس.
اقرأ/ي أيضًا: في زمن الحرب الصامتة.. "الجيش الأبيض" يتحدّى كورونا
يوضّح، في هذا الإطار، أنه تم تقسيم الاستعجالي إلى قسمين عبر إحداث قسم خاص بفيروس "كورونا" وذلك بفرز أولي للوافدين الذين يدخلون في دائرة المشتبه بهم إذا ظهرت عليهم علامات الوباء، ويضم هذا القسم طبيبين متطوعين، فإذا استوجبت حالة المصاب العودة إلى الحجر الصحي الفردي تقع مراقبته والاتصال به دوريًا، أما إذا استوجبت حالته إضافة الأوكسجين يُحال إلى الإنعاش في القسم الاستعجالي في الحالات الخطرة مع تخصيص غرفة لرفع العينات للتحليل.
ودعا محدثنا إلى دعم أقسام الإنعاش بالتجهيزات والآلات المستوجبة مشيرًا إلى أن أزمة "كورونا" أدت إلى نقص كبير في الوافدين على الأقسام الاستعجالية.
أما عن بادرة عمادة الأطباء في دعوة المتطوعين للالتحاق عند الحاجة، وصفها الطبيب المقيم، في ختام حديثه لـ"ألترا تونس"، بالبادرة الاستباقية والممتازة معبرًا عن أمله في التحاق أطباء الاختصاص بكثافة لقائمة المتطوعين.
زيادة مزقار (استعجالي مستشفى سوسة): قدمنا نموذجًا وطنيًا لحسن الاستعداد
من جهته، اعتبر الدكتور زياد مزقار، وهو أستاذ مبرّز في الطب ومنسق قسم استعجالي المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن الاستعجالي بهذا المستشفى "كان سباقًا في وضع حجر أساس الفرز الاستباقي للتحديد السريع والفعال للمرضى المشتبه بإصابتهم"، مبينًا أنه تم تحديد مسار إيواء أو إجلاء المرضى من خلال تفعيل المركز الطبي المتقدم والذي هو في الأصل مقر العيادات الخارجية للمستشفى وذلك طبقًا للمخطط الأبيض للمستشفى.
من استعدادات قسم الاستعجالي بمستشفى فرحات حشاد بسوسة (ماهر جعيدان/ألترا تونس)
هذه المبادرة من استعجالي فرحات حشاد دفعت وزارة الصحة، وفق محدثنا، لاعتماد هذه التجربة وتعميمها في كامل أرجاء الجمهورية ملاحظًا أن "الهاجس الكبير" هو نقص المعدات والإعياء الذي من شأنه أن يعيق مجهودات أعوان الصحة وفق قوله.
وفي هذا الإطار، أشاد الأستاذ المبرّز في الطب بدور أعوان الصحة نظرًا لمجهوداتهم الذاتية إثر الدعوة للتبرع من "أصحاب الخير" مبينًا أنهم كانوا سباقين بمد المستشفى بالمواد الطبية للحماية بمختلف أشكالها، صحية كانت أو جسدية، مشددًا أن تظافر الجهود الشخصية لكل أعوان الصحة باستعجالي فرحات حشاد ووحدته المتنقلة للنجدة والإنعاش دفع نحو تجاوز عديد الصعوبات
حمدي قزارة (استعجالي مستشفى المنستير): لم ننتظر وزارة الصحة للتحرّك
الدكتور حمدي قزارة تحدث بدوره لـ"ألترا تونس" أن القسم الاستعجالي بمستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير هو "أنموذج ممتاز ومثال يُحتذى به في التعامل مع جائحة الكورونا"، مشيرًا إلى تهيئة القسم الاستعجالي بالتعاون بين الإطار الطبي وشبه الطبي ومتطوعين من متساكني الجهة وذلك بإحداث مسالك خاصة لاستقبال المرضى وحمايتهم من احتمال العدوى.
حمدي قزارة (طبيب في مستشفى المنستير): أخذ استعجالي المنستير الإجراءات الوقائية اللازمة دون انتظار الوزارة وذلك عبر إنشاء وحدة للفرز والعزل خارج الاستعجالي
كما تم توفير السكن والنقل لأعوان الصحة العاملين في المستشفى مع توفير جزء هام من حاجيات الوقاية بمجهود من المشرفين على القسم والمتبرعين إضافة للسلطات المحلية مضيفًا: "بشيء من الاجتهاد والإرادة، نحن قادرون على تقديم أفضل الطرق لمقاومة هذه الجائحة" ملاحظًا أن مستشفى فطومة بورقيبة قدم نموذجًا جيدًا مختلفًا عما حدث في مستشفى صفاقس.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة "كورونا".. أين ذهب مرضى العيادات الطبية الخاصة؟
واعتبر الطبيب، في حديثه معنا، أن استعجالي المنستير استبق وأخذ الإجراءات الوقائية اللازمة دون انتظار الوزارة وذلك عبر إنشاء وحدة للفرز والعزل خارج الاستعجالي. وأوضح، بخصوص السترات الواقية، أن المجتمع المدني تحرّك بإيعاز من استعجالي المنستير ووفر إلى حد الآن أكثر من خمسمائة سترة واقية إضافة للعديد من الإجراءات الوقائية الأخرى.
مهدي جعيدان (عمادة الأطباء): عدد هامّ من طلبات التطوّع
من جهته، أكد الدكتور مهدي جعيدان، ممثل عمادة الأطباء بالمجلس الجهوي بالوسط، في تصريح تلفزي، جاهزية الإطار الطبي عبر إعداد قائمات المتطوعين وتوجيه نداء للأطباء في الوسط، سوسة والمنستير والمهدية والقيروان، وكل من يرى نفسه قادرًا على تقديم يد العون من أجل مهام التعبئة.
مهدي جعيدان (عمادة الأطباء): سنلبي حاجيات الإمداد وكل من موقعه لأنها حرب تهم جميع التونسيين
وأوضح أنه يمكن عمليًا تعمير استمارة في الموقع الإلكتروني للعمادة تتضمن كافة المعطيات مؤكدًا تجهيز قائمات لأطباء هم تحت الطلب حال الاستدعاء من "القيادة الصحية" في إشارة لوزارة الصحة مضيفًا "سنلبي حاجيات الإمداد كل من موقعه لأنها حرب تهم جميع التونسيين".
وأضاف أن كل الأطباء من جميع الاختصاصات مدعوون للتطوع للقيام بعدم مهام أهمها المراقبة الطبية للمواطنين في الحجر الصحي، وتقديم الرعاية الصحية وكذلك تعزيز طلبات الأقسام الاستعجالية.
وأكد أن العمادة تلقت عددًا هامًا من طلبات التطوع قائلًا: "سنكون في الخدمة سواء طب عام أو خاص، فجميع القطاعات مجندة. نشيد بالتخطيط المحكم لكن يجب أن نستعد للمرحلة القادمة بقرارات استباقية".
اقرأ/ي أيضًا:
يوميات التونسي في زمن الكورونا.. الدفء العائلي في مواجهة كآبة الحجر الصحي
الحجر الصحي الإجباري للعائدين من بؤر "كورونا".. القصة الكاملة