25-يوليو-2020

تفاقم الكارثة البيئة في عدد من شواطئ ولاية نابل (صورة تقريبية/ getty)

موضوع تلوث الشواطئ بمياه الصرف الصحي ليس بالجديد في تونس. لكنّ العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية في عدّة جهات بولاية نابل أكدت تردّي الوضع أكثر بالولاية خلال السنوات الأخيرة. وبات الواقع البيئي في الجهة يُنذر بكارثة على كلّ المستويات، وهاجسًا يُؤرق الأهالي بعد الآثار الخطيرة للتلوث على كلّ مقومات الحياة اليومية من فلاحة وصيد بحري وسياحة، وبالأخص على الجانب الصحي وعلى التربة ومياه البحر. حقيقة بات يعيشها سكان العديد من المناطق على غرار قليبية ودار شعبان الفهري وبني خيار، سببها التلوث الناتج عن العديد من المصانع المتمركزة بالمنطقة وصب مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر دون معالجة.

سامي خلف الله (خبير بيئي) لـ"ألترا تونس": العديد من الشواطئ في نابل تعاني وضعًا بيئيًا كارثيًا

اقرأ/ي أيضًا: القرصنة في تونس.. السلاح السيبرني الصامت

وككل سنة، وخلال بداية الموسم الصيفي، تُصدر وزارة الصحة قائمة بالشواطئ السوداء التي تُمنع فيها السباحة. وقد حجّرت الوزارة هذا العام السباحة في 23 شاطئًا من بينها شاطئان في ولاية نابل قبالة محطة التطهير SE4  بدار شعبان وقبالة القطب التكنولوجي بسليمان.

لكن العديد من أهالي قليبية وبني خيار وغيرها من المناطق، أكدوا تلوث بعض شواطئ المنطقة نتيجة تدفق مياه الصرف الصحي منذ عدّة سنوات، مما جعل السباحة في العديد من النقاط خطرة على المواطنين. كما أثرت على الشاطئ والتربة.

مياه الصرف الصحي تصب دون معالجة في "وادي الحجر" (مريم الناصري/ ألترا تونس)

مناطق سوداء

وسبق وقامت إدارة الصحة الوقائية الجهوية بنابل بتحاليل لمياه البحر في قرابة 60 نقطة تمتد على مسافة 200  كلم من شواطئ الحمامات إلى شاطئ سليمان. وقد أثبتت التحاليل عدم صلوحية ثلاث نقاط للسباحة والصيد، وصنفتها بالنقاط السوداء،  ومن ضمنها الشاطئ الواقع قبالة المصب النهائي للمياه المعالجة المتأتية من محطة التطهير بدار شعبان الفهري بسبب صب مياه الصرف الصحي.

من جهته، قام سامي خلف الله، الخبير البيئي في الجهة، بعدّة دراسات حول تلوث بعض شواطئ نابل خلال السنوات الأخيرة. وأكد خلف الله لـ"ألترا تونس"، أنّ العديد من الشواطئ في الجهة تعاني وضعًا بيئيًا كارثيًا بسبب سكب كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي ومياه بعض المصانع القريبة من عدّة شواطئ في نابل"، مشددًا على "تفاقم الأمر في ظل عدم التدخل لإيجاد حل، خصوصًا لمياه المصانع بالجهة".

من جهته، بيّن محمد بن حميدة، ناشط مجتمع مدني بقليبية، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أنّ مياه الصرف الصحي تصب دون معالجة في "وادي الحجر" الذي يصب مباشرة في البحر منذ سنوات، إلى جانب مياه العديد من مصانع المواد الغذائية ومصانع السمك الأزرق التي تصب مياهها أيضًا في البحر مباشرة دون معالجة".

محمد بن حميدة (ناشط) لـ"ألترا تونس": مياه الصرف الصحي تصب دون معالجة في "واد الحجر" الذي يصب مباشرة في البحر منذ سنوات

اقرأ/ي أيضًا: مياه صرف صحي وملوثات مصانع وتسربات نفطية.. كارثة تلوث شواطئ تونس

تفاقم الكارثة البيئية بسبب محطتي تطهير (مريم الناصري/ ألترا تونس)

وأضاف بن حميدة "رغم وجود قرابة 1200 ساكن تقريبًا بالجهة، إلى جانب العديد من المنشآت السياحية، إلاّ أنّ الوكالة الوطنية لحماية المحيط لم تتدخل على الرغم أيضًا من مراسلاتنا المستمرة، إلى جانب اتصالنا بوزارة البيئة والبلدية، لكن لا إجابات واضحة ولا تفاعل من أي جهة رسمية، ولا تحاليل لكشف حجم الكارثة. كما لم يقع أي تدخل واضح، وذلك لا يدل إلاّ على غياب أي إرادة لإيقاف جرائم في حق البيئة والبشرية خاصة في فصل الصيف الذي يشهد سكب أكثر كميات من مياه الصرف الصحي".

عبد الرحمان، أحد مواطني الجهة، ويُعتبر من أكثر المواطنين الذين وثقوا بالصور والفيديو الكارثة البيئية بالجهة، أكد لـ"ألترا تونس" أنّ الوضع يسير نحو الأسوء بسبب عدم التدخل من أي جهة رسمية، وهو ما أدّى إلى اتساع رقعة المياه الملوثة بالشاطئ، مبينًا أن ذلك أمر واضح بسبب تغيّر لون مياه البحر في عدّة نقاط باتت ممنوعة من السباحة، وقلّصت من مساحات الاصطياف التي يُقبل عليها المصطافون من عدّة جهات.

وقد راسلت النائب إيمان بالطيب رئيس مجلس النواب في جوان/يونيو الماضي لتوجيه سؤال كتابي إلى وزير البيئة. وذكرت بالطيب في المراسلة أنّ سبخة عين قرنز بقليبية، التي تعتبر محطة للطيور المهاجرة، تشهد تلوثًا على امتداد سنوات بسبب مياه الصرف الصحي لبعض البناءات الفوضوية المتاخمة وغير المرتبطة بشبكات التطهير، إلى جانب مياه أخرى مجهولة المصدر، إضافة إلى إلقاء فضلات المنازل.

أكدت العديد من الجمعيات البيئية  تفاقم ظاهرة الانجراف البحري في عدّة شواطئ في ولاية نابل نتيجة الأودية التي تصب مباشرة في البحر

في بني خيار، لا يختلف الوضع كثيرًا. إذ أكد العديد من الأهالي والمنظمات البيئية تفاقم الكارثة البيئية بسبب محطتي تطهير ومجموعة كبيرة من أقفاص تربية الأسماك. وعلى الرغم من تنفيذ أكثر من وقفة احتجاجية تنديدًا بتدهور الوضع البيئي، إلاّ أنّه لم يقع حلّ الإشكال مما جعل شاطئ بني خيار مصبًا لمحطتي التطهير خاصة بمنطقة الشراشر.

كما سبق وأكد أحمد بوعجينة، المستشار البلدي لبلدية بني خيار، في تصريحات إعلامية، تسبب مياه محطتي التطهير في تصريف كميات كبيرة من المياه غير المعالجة في شاطئ بني خيار، إضافة إلى تركيز أحواض تربية أسماك لم يلتزم أصحابها بما ورد في كراس الشروط التي تنص على ضرورة تغييرها كل سنتين، لكن أغلبها لم يتم تغييرها لأكثر من خمس سنوات لتتحول فضلات الأسماك إلى سموم في البحر.

تفاقم ظاهرة الانجراف البحري في عدّة شواطئ في ولاية نابل (مريم الناصري/ ألترا تونس)

انجراف في عدّة شواطئ

على صعيد آخر، أكدت العديد من الجمعيات البيئية بالجهة تفاقم ظاهرة الانجراف البحري في عدّة شواطئ في ولاية نابل نتيجة الأودية التي تصب مباشرة في البحر، وتشييد العديد من المباني على الشواطئ بشكل قريب جدًا من البحر خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تقدّم مستوى البحر لاسيما في دار شعبان الفهري وبني خيار وسليمان والحمامات، وفق دراسة أعدّتها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، التي أكدت أنّ أكثر من 300 كلم من السواحل التونسية مهدّدة بالزوال بسبب الانجراف البحري، وأنّ البحر قد يغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات القريبة من خليج الحمّامات وغار الملح وبنزرت وجزيرة جربة وقرقنة وسوسة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"المد الأحمر" في تونس .. الأسباب والانعكاسات

شواطئ الساحل التونسي.. تحدي التلوث واستغلال الملك العام