04-يناير-2020

إذا مرت حكومة الجملي.. هل ستصمد فعلاً؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

كانت ولادتها عسيرة جدًا لدرجة أنه خُيّل للبعض أنها لن ترى النور. حكومة أفصح عن تركيبتها، ظهر الخميس 2 جانفي/ يناير الجاري، بعد يوم شابه الكثير من الدراما الهوليودية. بلاغات متغيّرة ومتضاربة بين رئاسة الجمهورية وحركة النهضة، الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة والذي كلّف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة وبين ما جاء على لسان هذا الأخير أيضًا.

الفوضى شملت كل شيء، تاريخ الإعلان عن تشكيلة الحكومة ومدى جاهزيتها ومدى رضا الأحزاب التي من المنتظر أن تدعمها، وانتهت إلى إعلان "تركيبة حكومة الحبيب الجملي" بعد تسريبها ليلًا في مواقع التواصل الاجتماعي. إليكم قراءة أولية في الأسماء المكونة لها والدعم الذي من المنتظر أن تتحصل عليه للظفر بثقة البرلمان.

حكومة يصفها مكوّنها بـ"حكومة الكفاءات المستقلة عن الأحزاب" أو "حكومة الإنجاز" لكن المتثبت في الأسماء المكونة لها قد لا يلمس هذه الاستقلالية دائمًا كما تشوبها نقاط استفهام عديدة

  • حكومة ضخمة العدد وحضور نسائي باهت 

تضم الحكومة المقترحة من قبل الحبيب الجملي 42 عضوًا، 28 وزيرًا و14 كاتب دولة، وهي بذلك تحافظ على شكلها الموسع مقارنة بالحكومات التي سبقتها، وقد كان ذلك منتظرًا بعد إعلان الجملي نفسه عن رفضه التوجه نحو "أقطاب حكومية" يهتم كل قطب بعدة ملفات مع تقليص عدد الوزارات. وبرّر الجملي توجهه بكون "تجميع الوزارات في شكل أقطاب سيكون عائقًا أمام معالجة الأوضاع الصعبة" على حد تعبيره.

تضم الحكومة 32 رجلًا و10 نساء، على عكس ما صرح به الجملي منذ أيام قليلة من كون حكومته تضم عناصر نسائية بنسبة تناهز 40 في المئة. وهي حكومة يصفها مكوّنها والمعلن عنها بـ"حكومة الكفاءات المستقلة عن الأحزاب" أو "حكومة الإنجاز"، كما يُسميها أحيانًا، لكن المتثبت في الأسماء المكونة لها قد لا يلمس هذه الاستقلالية دائمًا كما تشوبها نقاط استفهام عديدة. 

تُؤكد مصادر مطلعة أن الأسماء المقترحة للمناصب الوزارية في حكومة الجملي هي إما ترشيحات من حزبي النهضة وقلب تونس أو بعض المستقلين الذين سبق أن انضموا لحكومات سابقة أو اشتغلوا لسنوات في مناصب تقنية إدارية داخل الوزارات أو بعض المؤسسات العمومية والخاصة الكبرى.

ويُشاع أن تركيبة هذه الحكومة قد تكون أرضت ولو جزئيًا الأطراف الحزبية التي ستدعمها، النهضة وقلب تونس أساسًا، إضافة إلى رئاسة الجمهورية عبر الاتفاق حول منصبي الدفاع والخارجية وذلك رغم ثبوت احترازات قدمها الرئيس حول بعض الأسماء.

وترشح مصادر من داخل قصر قرطاج أن خالد السهيلي، المرشح في منصب وزير الخارجية، هو من ترشيح عبد الرؤوف بالطبيب، الدبلوماسي السابق والمستشار لدى رئيس الجمهورية حاليًا. كما أن أمين عام اتحاد الشغل، المنظمة العمالية الأهم في تونس، نور الدين الطبوبي كان قد أكد تواصل الجملي معه حول حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي صار عُرفًا خلال السنوات الأخيرة استشارة الاتحاد حولها، موضحًا أن المنظمة الشغيلة قدمت 3 أسماء وتم اختيار أحدها على رأس هذه الوزارة.

اقرأ/ي أيضًا: مفاوضات تشكيل الحكومة والحدود المتحوّلة

  • أسماء مألوفة في السلطة مجددًا

من خصائص حكومة الحبيب الجملي المقترحة أنها ضمت عديد الشخصيات التي اعتلت سابقًا مناصب وزارية أو ككتاب دولة أو كنواب شعب داخل البرلمان التونسي. من الأمثلة، نذكر نور الدين السالمي، المقترح في منصب وزير الشؤون المحلية والبيئة، إذ سبق لهذا الأخير تقلد وزارة التجهيز في حكومة يوسف الشاهد الأخيرة. وكان قبل ذلك رئيسًا لديوان وزير التجارة والصناعات التقليدية وفي فترة سابقة رئيسًا لديوان وزير التعليم العالي.

أثار حضور أسماء معروفة في السلطة مجددًا عديد التساؤلات حول مدى جدوى تعيين أشخاص سبق أن اضطلعوا بذات المناصب تقريبًا ولا يذكر أنهم حققوا أي إنجازات لافتة بل تعرضت حكوماتهم السابقة إلى انتقادات واسعة

من الأمثلة البارزة والتي سبق أن تقلدت مناصب وزارية، نذكر أيضًا منجي مرزوق، المرشح لترؤس وزارة الصناعة والطاقة والمناجم والذي كان وزيرًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض وكان على رأس وزارة الطاقة والمناجم في حكومة الحبيب الصيد. كما نذكر لبنى الجريبي المرشحة لمنصب وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع البرلمان، وقد كانت سابقًا عضوة في المجلس الوطني التأسيسي وفي مجلس النواب إبان الثورة عن حزب التكتل.

وكان المرشح لمنصب وزير النقل جمال قمرة أيضًا وزيرًا للسياحة في حكومة علي العريض، وبشير الزعفوري، المرشح لوزارة التجارة، كان وزيرًا للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في حكومة حمادي الجبالي. أما علي الشابي، المنتظر أن يكون وزيرًا لدى رئيس الحكومة مكلفًا بالشؤون الاقتصادية فقد اشتغل نفس الخطة في حكومة علي العريض. بينما كان نور الدين الكعبي كاتب دولة لدى وزير التخطيط والتنمية والتعاون الدولي وهو ذات المنصب الذي رُشح له من جديد في حكومة الحبيب الجملي.

وقد أثارت هذه السياسة عديد التساؤلات حول مدى جدوى تعيين أشخاص سبق أن اضطلعوا بذات المناصب تقريبًا في سنوات سابقة ولا يذكر أنهم حققوا أي إنجازات لافتة بل تعرضت حكوماتهم السابقة إلى انتقادات واسعة.

  • حكومة مستقلة بأسماء "مقربة من الأحزاب"؟

خلال الفترة الأخيرة من مشاورات تكوين الحكومة، أصر الحبيب الجملي على اختياره المتمثل في "حكومة كفاءات مستقلة عن كل الأحزاب"، كما سماها، لكن الأسماء المعلنة لم تكن على قدر واضح من الاستقلالية تجاه الأحزاب بل أن جزءًا منها ارتبط اسمه في فترات سابقة بأحزاب معينة.

ظهرت مها العيساوي في إحدى الحصص التلفزية في قناة فرانس 24 الفرنسية بوصفها عضو المكتب السياسي لحزب قلب تونس، وهي التي يُرشحها الجملي لمنصب كتابة الدولة لدى وزير الصحة بصفتها مستقلة عن جميع الأحزاب. وقد سارع حزب قلب تونس إلى نفي أن تكون عيساوي من بين أعضاء مكتبه السياسي، وصرح رئيس الكتلة البرلمانية للحزب حاتم المليكي أن عيساوي كانت فقط "ضمن الفريق الذي عمل على إعداد توجهات الحزب وبرامجه خلال المرحلة التأسيسية".

الأسماء المعلنة لم تكن على قدر واضح من الاستقلالية تجاه الأحزاب بل أن جزءًا منها ارتبط اسمه في فترات سابقة بأحزاب معينة

الأمر كان مشابهًا بالنسبة لسناء السخيري التي اقترحت لتولّي منصب كاتبة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية مكلفة بالدبلوماسية الاقتصادية والتي سبق أن تم تقديمها كأحد أعضاء حزب مشروع تونس، إلا أن الحزب أصدر بيانًا جاء فيه أنه "لا يوجد بين أعضاء حكومة الحبيب الجملي المقترحة على البرلمان أي شخص انخرط فعلًا أو مارس أيّ مسؤولية صلبها"، ولو وجد ''لكانوا طالبوه بالاستقالة الفورية من الحركة". وأوضح أنّه فيما يتعلّق بالسخيري "فقد عبرت في أوائل سنة 2017 عن رغبتها في الانضمام للحركة دون انخراط فعلي أو مشاركة حزبية ومنذ ذلك التاريخ لا تربطها بحركة مشروع تونس أية علاقة حزبية أو سياسية".

في ذات السياق، سبق أن شاركت أسماء مرشحة ضمن حكومة الجملي في دعم أحزاب أو شخصيات سياسية بارزة خلال الحملات الانتخابية التي عرفتها تونس خلال العشرية الأخيرة، إذ شارك سابقًا طارق ذياب، اللاعب الدولي السابق ووزير الرياضة السابق في حكومات علي العريض وحمادي الجبالي، في عدد من الاجتماعات خلال الحملات الانتخابية التي كانت داعمة للحركة الإسلامية في تونس. كما دعم فاضل عبد الكافي، المرشح لمنصب وزير التخطيط والتنمية والتعاون الدولي، نبيل القروي وحزب قلب تونس خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة بوضوح في عدة تصريحات إعلامية.

ولا يقتصر الجدل على الأسماء المذكورة سابقًا إذ أن التركيبة الحكومية المقترحة تضم عديد الأسماء من حكومتي الترويكا بقيادة حمادي الجبالي وعلي العريّض (قيادات نهضاوية تاريخية) سابقًا وهي شخصيات مقربة ولها علاقات متميزة مع قيادات من حركة النهضة. فقد صرح عدد من السياسيين والمتابعين للشأن العام التونسي أن وزير العدل المقترح في حكومة الجملي، الهادي القديري، هو مدير ديوان وزير العدل السابق في حكومة الترويكا الثانية نذير بن عمو، وأن القيادي النهضاوي البارز نور الدين البحيري يقف وراء تعيين القديري في إحدى وزارات السيادة المهمة. ويُتّهم القديري في بعض الدوائر القضائية بأنه أحد المقرّبين من حركة النهضة، فيما ينفي مؤيدوه هذه التهمة ويؤكدون أنه يقع ترويجها عمدًا لاستهداف استقلاليته.

اقرأ/ي أيضًا: هل نذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها؟

  • شبهات وانتقادات لمرشحين في حكومة الجملي

شملت التركيبة الحكومية المقترحة من رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي تعيين القاضي وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية عماد الدرويش وزيرًا للدفاع، وهو ما أثار انتقادات حقوقيين ومتابعين للشأن القضائي عبر اتهام المرشح بأنه كان من "قضاة التعليمات" زمن نظام بن علي.

إذ قال نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، الخميس 2 جانفي/كانون الثاني 2019، على حسابه في فيسبوك، إن عماد الدرويش "كان أول من فتح النار على الرابطة بعد مؤتمرها الخامس نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2000 إثر إصداره حكمًا استعجالياً في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام بطلب من نظام بن علي من أجل تعليق كل أعمال الهيئة الحالية للرابطة وصلاحياتها إلى حين البت في هذه القضية مع الإذن بالتنفيذ على المسودة".

شملت التركيبة الحكومية المقترحة من رئيس الحكومة المكلف تعيين عماد الدرويش وزيرًا للدفاع، وهو ما أثار انتقادات حقوقيين عبر اتهام المرشح بأنه كان من "قضاة التعليمات" زمن بن علي

ونشر الطريفي نص الحكم القضائي بيد وإمضاء القاضي المذكور، إضافة لبيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وقتها الذي ذكر اسم عماد الدرويش تنديدًا بـ"القرار السياسي الذي مرره أصحابه عبر الجهاز القضائي".

وفي نفس الإطار، أكد الناشط والأكاديمي عبد السلام الككلي، على حسابه في فيسبوك، أن عماد الدرويش هو أيضًا القاضي الذي حكم في قضية الهيئة الشرعية لجمعية القضاة و"انتصر بطبيعة حال للهيئة الانقلابية التي استولت في سبتمبر 2006 على مقر الجمعية ممثلة في مكتبها التنفيذي المنتخب ديمقراطيًا في ديسمبر 2004".

وأكد رئيس جمعية القضاة حينها أحمد الرحموني، في تعليقه على ما ذكره الككلي، أن المعطيات المذكورة صحيحة موضحًا أنه لم يكن يخفى على أحد أن القرار الصادر من زميله القاضي عماد الدرويش "كان بتحريض من السلطة وبتدبير مباشر من وزير العدل البشير التكاري".

ومن جانبه، انتقد المحامي والقيادي في التيار الديمقراطي عبد الواحد اليحياوي تعيين الدرويش باعتباره "لا يُعرف له اهتمام بالشأن العام" مبينًا أنه كان قاضيًا استعجاليًا "شديد الكسل" وأنه كان في خصومات دائمة مع المحامين إلى جانب أنه "عصبي سريع الغضب"، وكان يؤخر القضايا الاستعجالية بشكل يهدد بضياع حقوق الناس، وفق تأكيده.

والمتثبت في تركيبة حكومة الجملي المقترحة يُلاحظ أيضًا وجود أسماء مقربة من دول أجنبية فاعلة في الشأن التونسي كفرنسا أو لها علاقات واسعة مع لوبيات مالية لفضاءات تجارية كبرى أو علامات تجارية أجنبية معروفة، وقد تقلد بعض الوزراء المقترحين في السابق مناصب عليا في فروع عدد من الشركات العالمية.

وتضم هذه الحكومة اسمًا آخر من حكومة يوسف الشاهد، لا يزال يواصل مهامه إلى حد الآن، ضمن حكومة تصريف الأعمال الحالية ومن المنتظر أن يواصل على رأس ذات الوزارة ضمن حكومة الحبيب الجملي وهو وزير السياحة روني الطرابلسي. هذا الأخير كان منذ تعيينه السابق محل انتقادات طيف واسع من التونسيين بسبب شبهات تطبيع مع الكيان الصهيوني.

  • وزراء قضاة وآخرون من قلب الإدارة التونسية 

من الملامح المميزة لحكومة الحبيب الجملي المقترحة ضمها لأسماء كثيرة عملت لسنوات عديدة في الإدارة التونسية، فقد كان عبد الرحمن الخشتالي، المرشح لمنصب وزير المالية، مثلًا متصرفًا مفوضًا بالوكالة الوطنية للتبغ والوقيد ثم مديرًا عامًا للديوانة، كما تم تعيينه مديرًا عامًا لدار الصباح وعُين سنة 2008  مديرًا عامًا للخطوط الجوية التونسية.

وشغل الحسين بن سعد دبش، المنتظر أن يكون وزير التكوين المهني والتشغيل، في السابق مناصب مراقب عام للمصالح العمومية ومدير عام للوكالة التونسية للتكوين والتشغيل ثم مدير عام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولئن استحسن البعض هذا التوجه على اعتبار الاستفادة من التجربة الإدارية والإلمام بطرق سير الوزارات ومختلف مؤسسات الدولة فإن عدة أسئلة تطرح حول البرنامج السياسي لهذه الحكومة وما قد يجمع مكوناتها المختلفة وغير "المسيّسة" من أهداف.

من الملامح المميزة لحكومة الجملي ضمها لأسماء كثيرة عملت لسنوات في الإدارة التونسية ولئن استحسن البعض هذا التوجه على اعتبار الاستفادة من التجربة الإدارية فإن عدة أسئلة تطرح حول البرنامج السياسي لهذه الحكومة

ومن الملاحظ أيضًا ارتفاع عدد الوزراء من ذوي الخلفية القضائية، ومن بينهم القاضية شيراز التليلي، المرشحة لوزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، وقد كانت رئيسة قسم بدائرة المحاسبات والقاضي عبد اللطيف الميساوي، المرشح لمنصب وزير أملاك الدولة، وهو والي بن عروس سابقًا ورئيس محكمة الاستئناف بالكاف سابقًا. في المقابل، يغيب الوزراء المرشحون من سلك المحاماة على غير المعتاد في الحكومات التونسية منذ الاستقلال، كما نشهد للمرة الأولى ممثلًا على رأس وزارة الثقافة وهو الممثل فتحي الهداوي.

  • أي برنامج لحكومة الجملي؟

صرح وزير الحكومة المكلف الحبيب الجملي في أكثر من مناسبة أنه انطلق في تحديد برنامج حكومته من الوثيقة التي أعدها للغرض حزب حركة النهضة وأطلقت عليها "مشروع وثيقة تعاقد الحكومة"، الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس، وكان أكد مؤخرًا أن أولويات حكومته "اقتصادية ومالية" أساساً.

الغموض لا يزال متواصلًا في علاقة بمواقف ائتلاف الكرامة (18 عضوًا) وكتلة المستقبل (9 نواب) إذ لم يصدرا مواقف رسمية من حكومة الجملي وتتباين إلى حد الآن تصريحات مكوناتهما

  • هل ينجح الجملي في نيل ثقة البرلمان التونسي؟

لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال يسيرة وإن اعتقد البعض ذلك. ومن المنتظر أن تتضح الصورة بشكل  أوضح يومي السبت والأحد القادمين، حيث سيُعقد مجلس وطني لحزب قلب تونس إضافة إلى اجتماع لمجلس شورى حركة النهضة.

المعلوم للعموم هو عدم تصويت الكتلة الديمقراطية (41 عضوًا) (حركة الشعب والتيار الديمقراطي) لصالح هذه التركيبة الحكومية، في المقابل من المنتظر أن تدعمها حركة النهضة (54 عضوًا) وكتلة حزب قلب تونس (38 عضوًا)، لكن تجمع أصوات هاتين الكتلتين لا يبلغ أغلبية أصوات المجلس (109 عضوًا) وبالتالي من الضروري أن تحظى حكومة الجملي بدعم حوالي 20 نائب آخرين.

في هذا السياق، رشح رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة والنائب بالبرلمان نورالدين العرباوي أن تشكل كتل حركة النهضة و"قلب تونس" وائتلاف الكرامة و"المستقبل" الحزام السياسي لحكومة الحبيب الجملي، لكن الغموض لا يزال متواصلًا في علاقة بمواقف ائتلاف الكرامة (18 عضوًا) وكتلة المستقبل (9 نواب) إذ لم يصدرا مواقف رسمية وتتباين إلى حد الآن تصريحات مكوناتهما.

فكرة عدم منح الثقة للحكومة المقترحة غير مرجحة إذ تراهن النهضة على المصادقة عليها تجنبًا لسيناريو "حكومة الرئيس" كما أن سقوط حكومة الجملي سيكون ضربة موجعة للغنوشي، وهو الذي كان مع رجاله من مهندسيها

من جانب آخر، يعتقد الكثيرون أن فكرة عدم منح الثقة للحكومة المقترحة غير مرجحة إذ تراهن النهضة على المصادقة عليها تجنبًا لسيناريو تجنبته كثيرًا وهو ما صار يُعرف بـ"حكومة الرئيس" والمتمثل في المرور إلى سيناريو اختيار قيس سعيّد شخصية وطنية لتكوين حكومة أخرى، كما أن سقوط حكومة الجملي سيكون ضربة موجعة لشيخ النهضة راشد الغنوشي، وهو الذي كان مع رجاله من مهندسيها.

ويدعم هذا التوجه تخوف جزء واسع من النواب من سيناريو أزمة تدخلها البلاد قد تؤدي حتى إلى حل البرلمان الحالي وإعادة الانتخابات وبالتالي فرضية خسارة مقاعدهم البرلمانية. لكن في جميع الأحوال لا يمكن نفي افتقاد الحكومة الحالية لحزام سياسي واسع في مقابل معارضة قوية عددًا وتجربة مما يمهد لسؤال منطقي "إذا مرت حكومة الجملي.. هل ستصمد فعلاً؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل بدأ رصيد قيس سعيّد يتآكل؟

السياحة الحزبية.. مواقف حربائيّة وقنّاصة جدد