25-مايو-2018

عرض الحضرة فلسفة تقوم على كون الطريق إلى الله يمكن أن يكون عبر الرقص والغناء (صفحة مدينة الثقافة على فيسبوك)

فتاة سمراء بفستان برتقالي تعلوه مساحات ذهبية، مستوحى من اللباس التقليدي التونسي تعتلي ركح قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة وتضع قنديلًا وهّاجًا قبالة الجمهور، معلنة انطلاق عرض الحضرة 2018 للمخرج فاضل الجزيري.

ويدخل فريق الحضرة أفواجًا أفواجًا، وترفرف الأعلام الملونة في خلفية الركح على وقع ألحان الغيتار، ويجلس المنشدون وعازفو "الفيولون" في مقدّمة الركح، يليهم ضاربو الطبل فعازفو "الغيتار" و"الباس" و"الدرامز" ثم الراقصون بلباسهم الأبيض، فيما تبوأ عازف "السكسفون" مكانًا في أقصى يمين الفريق.

كان عرض الحضرة 2018 مسرحًا للوحات فنية شكلها الراقصون بأجسادهم والمنشدون بحركاتهم وسكناتهم لكن تمازج الإيقاع الغربي والتونسي لم ينجح في بعض المواضع

ومع انطلاق تلاوة الفاتحة بدأ رافعو الأعلام في الانسحاب ليعودوا بعد لحظات خالي الأيادي التي امتدّت تبتهل الله ومجموعة الحضرة تمعن في الدعاء الذي انتقل من المساجد إلى المسارح، دعاء رافقه إيقاع الدرامز الذي كان يشدّني إلى الواقع.

بعد وصلة الدعاء، انبعثت الألحان من الآلات الوترية وأنشدت المجموعة "يا خوتي" ليعلو قرع الطبل و"الطار"، وتنساب على إثرها أصوات المجموعة منشدة للشيخ محرز، ويتمايل الراقصون والراقصات في خلفية الركح يمينًا وشمالًا، وكلّما ازدادت ضربات الطبل حدّة تسارع نسق الرقص.

وفيما كانت خلفية الركح فضاء جمع بين الفتيان والفتيات فإن الواجهة طغى عليها الرجال الذين ارتدوا "الجبة" و"الشاشية" ولم تحو من النساء إلا المغنية إيمان الجزيري التي بدت بفستانها الكلاسيكي كأميرات عالم ديزني وإن كان صوتها تائهًا وسط أصوات المنشدين فإن حضورها كان صارخًا وطاغيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الدورة 36 لمهرجان المدينة بتونس: تفاصيل العروض، مكانها ومواعيدها

[[{"fid":"100033","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

شكل الراقصون لوحات فنية بأجسادهم (صفحة مدينة الثقافة في موقع فيسبوك)

ووسمت اللمسة المشهدية والطابع الفرجوي عرض الحضرة 2018 فكان مسرحًا للوحات فنية شكلها الراقصون بأجسادهم والمنشدون بحركاتهم وسكناتهم، إلا أن تمازج الإيقاع الغربي والتونسي لم ينجح في بعض المواضع وكانت ألحان "الغيتار" و"الباس" من ناحية و"الطبل" و"الطار" من ناحية أخرى كمرج البحر لا يلتقيان.

وعلى أنغام "جارت الأشواق" و" يا لطيف الصنع"، رقص الفتيان والفتيات في آخر الركح بثيابهم البيضاء التي لا زينة فيها سوى أجسادهم التي تبدو وكأنها تحرّرت من مادية الحياة كلّما علا صوت المديح والإنشاد على وقع ضربات الطبل، فتتماهى الألحان والكلمات وحركات الأيادي والأرجل وحتى خصلات شعر الراقصات اللاتي ينثرنها يمينًا وشمالًا وفي حركات دائرية يشملها هذا التماهي والتناسق الروحي.

وعند إنشاد "نادوا باباكم يا فقراء" صمتت كل الإيقاعات إلا إيقاع الأكف وهي تعانق بعضها وصوت أيادي الراقصين وهي تعانق السماء، حتى الحضور صفّق وكأن الجميع يقول نحن فقراء إلا من أرواحنا ومشاعرنا.

يجلس الراقصون أرضًا، وتترك أميرة الحضرة مكانها لتقف حذو البيانو حيث غنت على أنغامه " الليل زاهي" بطريقة مخالفة للمعهود بدت كأنها "أوبرا" وبإحساس يجعلك تنسلخ عن هذا الوجود وتصعد عاليًا حيث تنتفي الحدود.

وعلى أنغام "بلحسن يا شاذلي" يدخل رجلان يحملان فتاة مغطاة الوجه ترتدي رداء أخضر ويضعانها قبالة القنديل، ولا ينفك شعر الراقصات يتناثر في الخلف وايقاع الطبول لا يخبو بل يزداد علوًا حينما تقدّم أحد أعضاء فرقة الحضرة إلى الفتاة ذات الزي الأخضر ونزع عنها الوشاح فأطلقت العنان لجسدها الذي تراقصت كل مسامه وهزت رأسها يمينًا وشمالًا حتى بدت خصلات شعرها كأجنحة الأطيار، وحتى خيّل إلي أن روحها غادرت جسدها حينما أغمي عليها وحُملت خارج الركح.

وعلى إيقاع " الدرامز" و"الغيتار" أنشدت مجموعة الحضرة "سيدي عبد السلام تكلم" وكان وقع ضرب العصي من قبل الراقصين في الخلف عنصرًا موسيقيًا قائم الذات قادرًا على جعلك تتمايل يمينًا وشمالًا وكأنك تنشد الخلاص من حاجز ما.

اقرأ/ي أيضًا: "نحب البلاد".. عرض تونس الحالمة

[[{"fid":"100034","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

بدت الفنانة أميرة الجزيري كأميرات ديزني وسط الرجال على المسرح (صفحة مدينة الثقافة على فيسبوك)

عرض الحضرة 2018 فلسفة تقوم على كون الطريق إلى الله يمكن أن يكون عبر الرقص والغناء

وتواصل المجموعة مدح أولياء الله الصالحين والتقرب إلى الله، ويغير الراقصون وضعياتهم ولكنهم لا يكفون عن تحريك رؤوسهم وأيديهم والتمايل وكأنه فرض عين يحاسب تاركه، ولم يكن الرقص في عرض الحضرة ضرورة فرجوية فحسب بل كان كالإنشاد ركيزة من ركائز العرض، فكأن الأجساد تسبّح بحمد ربها وتعاضد الأصوات التي تبتهل إليه.

وفي أداء منفرد تعتلي فتاة ذات شعر طويل المسرح انطلقت في الدوران وكأن بها تريد أن تنسلخ عن هذا العالم أو تنشد التحرر من جسدها، تدور وتدور في حركات جانبية حتى تسقط أرضًا وتهز برأسها يمينًا وشمالًا، حتى يحضر عضو بالمجموعة ويحملها على عنقه خارج الركح. وعلى إيقاع "الغيتار" و"الطبل" أنشد علي الجزيري "أنا المدلّل" كأنما يغني "الجاز" و"تخمّر" على المذهب الغربي، وتفاعل معه الجمهور وتردّد في القاعة صدى التصفيق.

ركح قاعة الأوبرا بدار الثقافة لم يكن فقط فضاء للتخميرة والرقصات الصوفية التي تجعلك تسافر إلى عوالم أخرى، بل أيضًا شهد رقصات بتصميم غربي ورقصات أخرى شعبية.

عرض الحضرة 2018، فلسفة تقوم على كون الطريق إلى الله يمكن أن يكون عبر الرقص والغناء، ذلك أن المديح والإنشاد ربّما يحرّرانك من قيود الواقع ويأخذانك إلى عوالم خارج حدود الجسد خاصة إذا ما ارتبطا بالرقص أو "التخميرة " فتكون الأجساد كالحمائم التي تتمايل على وقع المديح والذكر، ذلك أن بعض الكلمات وقليل من الحركات قادرة على تحريرك من المشاعر الدنيوية والارتقاء إلى مرتبة من الصفاء الروحي التي تجعلك على يقين بأن الله قريب وأن الله داخلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأحرار لا يموتون.. في رثاء فارسي الكلمة

تدشين مدينة الثقافة، أما بعد؟